استئناف الحياة «العادية» يتطلب جرأة ومخيّلة خصبة
يكفي أن يفقد المرء احدى عاداته اليومية ليشعر باهتزاز في حياته العادية. أو يكفي لذلك أن يقارِن طريقة عيشه بطرق عيش أشخاص آخرين، تكون أكثر هدوءاً وأماناً ورفاهاً. وبالمقارنة أيضاً يمكن أن يقتنع بأن حياته كما هي عليه أفضل. والأمور العادية ترتبط بروتين خاص بكل شخص يتكرر على إيقاع معيّن، مثل خمسة أيام عمل ويومي عطلة («ويك أند»). ومع أن روتين أيام العمل يختلف عنه في أيام العطلة، تشكل أيام الأسبوع معاً وحدة إيقاع الشهر والسنة وربما العمر كله، إذا لم يحصل أمر طارئ يربك الإيقاع، أو تتغيّر حياة المرء كلياً إثر فقدان معيل أو وظيفة، أو إصابة بعجز.
ولعلّ الأسر التي يحصل فيها تغيير ما، إثر طلاق أو إفلاس أو موت أو اعتلال مديد... يعرف أفرادها حق المعرفة معنى انقلاب الحياة و«تبعثر» العادي. ولا يلبث هؤلاء الأشخاص أن يشرعوا في التفتيش عن روتين مختلف، يتماشى مع أوضاعهم الجديدة ويكتسبون عادات جديدة. فالبحث عن الاستقرار يعقب الهدوء بعد عصف المصيبة، ويبدأ التعوّد على الواقع الجديد. خبرة العشاق بعد افتراق والأزواج المتخاصمين دائماً، تقول ذلك، وخبرة الأرامل واليتامى، والمطرودين من عملهم، والمدمّرة بيوتهم، ومشرّدي الزلازل والفيضانات، والمقتولين أفراد أسرتهم...
العيش في العادي الجديد أمر عسير، فهو مختلف تماماً عن العادي السابق، قبل «الهزّة». ومن العادات ما يبقى مدموغاً في الحركة والتصرّف والسلوك. الذي تُقطع ساقه يبقى يشعر بوجودها ويقول إنه يحرّكها. الشخص الذي زُرعت له يد عوضاً عن يده التي بُترت في حادث، رفضها بعد وقت وطالب بقطعها، لأنه أبى أن يتعوّد عليها وفضّل يداً اصطناعية. الأم تفقد طفلاً وتبقيه في عداد أبنائها وبناتها الأحياء. الثري يخسر ثروته ويبقى على نهجه في التبذير، ما يزيده فقراً. المشلول يظل يهم بالوقوف.
فتاة عادتها أن تكون مهذّبة في حياتها العادية. أصيب والدها بالقذيفة الأولى في غزّة، ثم أخواها بالثانية، وماتوا. استطاعت أن تزحف، وهي تنزف، إلى بيت الجيران لتحتمي فيه. لم يكن هناك أحد، ومع ذلك دخلته. وصل صاحبه بعد أيام ليجدها ممدة لا حول لها. انحنى فوقها ليساعدها، حين بادرته إلى الاعتذار عن دخولها البيت، من دون استئذان.
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد