استفتاء موريتانيا يمهد لمرحلة جديدة
قدّمت غالبية ساحقة من الموريتانيين البيعة للرئيس أعلي ولد محمد فال، عندما صوّتت بكثافة لمصلحة التعديلات الدستورية التي اقترحها في أعقاب الإطاحة بالرئيس معاوية ولد سيد الطايع في 3 آب الماضي.
وأعلن وزير الداخلية محمد احمد ولد محمد أن الدستور الجديد حصل على تأييد 96.97 في المئة من الناخبين. وأضاف ان عدد الناخبين المسجلين للاستفتاء بلغ 989998 شخصاً، مشيراً الى ان نسبة المشاركة سجلت 76.51 في المئة.
هذه النسبة الكبيرة في المشاركة، كانت الرهان الأول الذي يمكن تعليق الآمال عليه، فهو المؤشر الفعلي على أن الموريتانيين يثقون برئيسهم وقائدهم نحو التداول السلمي للسلطة والديموقراطية، وعلى أنهم ايضاً عادوا يؤمنون بصناديق الاقتراع.
ويقول مسؤول في <مبادرة المواطنة لأجل التغيير>، وهي تيار شعبي وسياسي وثقافي حديث العهد ومستقل، <إننا نأخذ الرئيس على محمل تصريحاته، وسوف نعمل على أساس أن التغيير مقبل فعلاً، ولكن علينا أن نواكب ذلك باستعدادات كثيرة كي لا نكرر الاخطاء السابقة، ونحن سوف ننتهز ما حصل من تطورات وانفتاح حتى الآن لكي نشرح للمواطنين أهمية تحركهم واصواتهم في المرحلة المقبلة>.
لم يكن فوز ال<نعم> مفاجئاً، ذلك ان الدولة ومعظم الأحزاب والتيارات الكبيرة دعت اليه، ثم ان التعديلات المطلوب التصويت عليها ترضي جميع الموريتانيين، وهذا ما يجعل الاستحقاق الاول في عهد ولد محمد فال بمثابة مقياس للانتخابات المقبلة وخصوصاً منها البرلمانية.
فبعد الاستفتاء، ستكون موريتانيا على مواعيد انتخابية متعددة، حيث ستجري انتخابات محلية وتشريعية في تشرين الثاني المقبل، ثم مجلس الشيوخ في كانون الثاني والانتخابات الرئاسية في آذار العام .2007
وقد سعى الرئيس الموريتاني لطمأنة أبناء شعبه على الالتزام الاول الذي قطعه والذي يفيد بأنه لن يكون الرئيس المقبل، حيث قال <إن هذا اليوم حدث تاريخي سيعيد للموريتانيين الديموقراطية والحرية في اختيار من يحكمونهم في ظل التداول السلمي على السلطة>.
وفي تصريح ل<السفير> قال ولد محمد فال <لا اعتقد أن كل الأمور سوف تحلّ بعد الانتخابات، ولكن ما يجري اليوم مهم جداً لوضع العربة على السكة الحقيقية، والشعب الموريتاني يعبر مجدداً عن رغبته بعدم العودة الى الوراء>، مشيراً الى ان عدم ترشحه لمنصب رئيس الجمهورية هو نهائي.
المهم أنه بعد اجتياز الاستحقاق الاول بهذا النجاح والالتفاف الشعبي الواسع، فإن ولد محمد فال الذي يثير آمالاً عريضة في أوساط شعبه، سيكون بحاجة إلى مزيد من الجهود كي يبقى على ما هو عليه حالياً، ذلك أنه لن يكون في مصلحة الأحزاب الكبيرة في المرحلة المقبلة البقاء الى جانبه، وإلا فإنها ستفقد مبرر وجودها.
وتسعى هذه الأحزاب للافادة من الانفتاح والحريات، لكي تعزز وجودها، ويأمل كل منها في الحصول على غالبية المقاعد في البرلمان المقبل، وبالتالي التوجّه نحو تولّي الرئاسة، في وقت تقضي التعديلات الدستورية بتقليص مدة رئاسة الجمهورية من 6 إلى 5 سنوات، وتفرض عدم جواز التجديد سوى لمرة واحدة، كما توجب أن يكون سن المرشح للرئاسة أقلّ من 75 عاماً. ولكن الأمر لا يبدو بهذه السهولة، ذلك ان الاتجاه الافضل سيصبّ في خانة عدم وجود غالبية كبيرة لحزب واحد في البرلمان، وانما توزيع المقاعد على نحو يُبقي كل الأحزاب بحاجة الى التكتل، تماماً كما أن مرحلة السنوات الخمس المقبلة تقضي بعدم وصول رئيس يكون أقوى من المؤسسة العسكرية التي تبقى بزعامة ولد محمد فال الضامن الوحيد للمرحلة المقبلة، ذلك أن كل التوقعات تقول بان الرئيس الحالي سيعود للترشح لمنصب الرئاسة بعد خمس سنوات.
وتأتي هذه التطورات السياسية في موريتانيا على وقع التحسن الاقتصادي اللافت، بعد سلسلة من الإجراءات التي اتخذها الرئيس الحالي لوقف الهدر والفساد وعقد اتفاقات جديدة مع المؤسسات المالية العالمية وإلغاء العقود الجانبية للاتفاقات النفطية التي تبين له أنها لم تكن تجري بطريقة شرعية.
يُشار في هذا المجال الى ان الغاء الديون الموريتانية والتي كانت تصل إلى حوالى 850 مليون دولار، شكّل خطوة إضافية من قبل المجتمع الدولي حيال ولد محمد فال برغم أن البحث في إلغاء هذه الديون كان قد بدأ مع سلفه معاوية.
سامي كليب
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد