عن الفنان أيمن زيدان وعودته المسرحية
المسرح، الحاضر الغائب، أم الغائب الحاضر، ذلك الفن الذي أوغل في سفر التاريخ، ونشأ في المعابد، يعاني في وطننا من آلام الوهن .
مسرح الحمراء، وهو أهم قاعة مسرحية في سورية، كانت قيد الترميم، للمرة الثانية خلال أربع سنوات، فيه كانت ورشات العمل تعمل جنبا إلى جنب مع فريق عمل مسرحية سوبر ماركت بقيادة المخرج أيمن زيدان . ولعلها سانحة أن نقف بتحية لفريقي العمل، للمسؤولين عن الترميم أولاً ولاسيما مدير المسرح سمير المطرود والمهندس أيهم جبر والتقني فؤاد عضيمي لأنهم سهروا ليل نهار لإنجاز عمل خلال شهر كان يفترض فيه حسب البرنامج الرسمي للتنفيذ أن ينتهي خلال ثلاثة أشهر، وكذلك لفريق عمل المسرحية الذين تدربوا في أجواء من الأتربة والغبار والبرد وأحيانا في بهو المسرح لأنهم يريدون انجاز العمل في الوقت المحدد .
حول هذا الوضع، وعن آفاق العمل المسرحي في سورية وعن آليات العمل فيه كان لنا هذا الحوار الساخن مع الفنان أيمن زيدان .
ہ تعمل مع فريقك المسرحي، في ظل ظروف عمل غير طبيعية، فمسرح الحمراء يخضع لعملية ترميم، والأتربة والبرد يسكنان المكان، ما الذي دفعك لهذا ؟
ہہ مشكلة ترميم مسرح الحمراء أو مكان التمرين تبدو هينة أمام غيرها. فأنت تسمع من بعض العاملين في المسرح اعتراضهم على آلية الإنتاج في المسرح الرسمي ولكنني أرى أن المديرية هي المنبر الإنتاجي الوحيد نظرا لغياب المسارح الرديفة . وكذلك للمقترحات التي تخرجنا من هذه الحالة . فالمسرح الرسمي هو الجهة الاحترافية الوحيدة التي تقدم مسرحاً جاداً . لذلك أجد أن مسألة اضطرارنا للتمرن على خشبة مسرح الحمراء بوجود حالة من الفوضى المكانية والبرد وعدم وجود التجهيزات، مهضومة أمام غيرها من المشكلات الأكثر استعصاءً . واقصد هنا آليات العمل والقوانين الناظمة للعمل المسرحي .
ہ كيف تنظر راهناً إلى أهمية وحيوية دور المسرح في حياتنا الثقافية الحياتية ؟
ہہ أرى أن المسرح يجب النظر إليه على أنه سمة ثقافية سورية هامة وإستراتيجية حضارية. فنحن بلد لا وجود فيه للإنتاج السينمائي، والفيديو بظروفه الراهنة وتحكّم المعلنين والمحطات به، لا يمكن له أن يقدم مستوى ثقافياً ومعرفياً عالياً . لذلك يجب توفير مناخ عمل أفضل له . المسرح في ظل الكبوات التي مر بها، لا يمكنه أن يكون ربحيا في الوقت الراهن، ولا أرى أن عليه أن يكون مسرحا خدميا . يجب أن نخرج بالمسرح من حيث اعتباره عبئاً مالياً على الجهة الحكومية الراعية . وهذا ما يجب أن نتعاون على تحقيقه . أنا أدعو لتغيير آليات الإنتاج . وتضافر جهود وسائل الإعلام لدعم التوجه نحو تطوير المسرح . وأرى أن دعم التلفزيون الرسمي سيكون محفزاً جيداً للمسرح في توجهاته الجديدة . كذلك الصحافة المكتوبة . أرى أن المسرح في سورية هو حاليا الحامل الفكري الوحيد الفعال في حياتنا الثقافية، ويجب دعمه عن طريق تغيير آليات العمل فيه، التي أرى ضرورة تعديلها بما يتماشى مع روح العصر والتخفيف من الروتين . فلو أتيح للمسرح البيئة القانونية المرنة التي أتيحت للدراما التلفزيونية لحقق نجاحات فاقت بكثير ما أنجزته الدراما التلفزيونية السورية . وأنا هنا أعوّل على كفاءاتنا ومواهبنا وأحلامنا .
ہ كمبدع، كيف تحب المسرح ؟
ہہ الرهان على الحب، كالرهان على جواد يكسب مرة واحدة، هذا الحب لا يمكن المراهنة عليه دائماً وهو لم يعد كافياً لإحياء حالة مسرحية متكاملة . لا يكفي أن تحب الشيء حتى تنتمي إليه، هنالك ظروف موضوعية مؤثرة . في حال وجودها تحوله لحب متجذر ودائم . وحالة الحب هذه كانت مطية بيد بعض الرسميين للي ذراع المبدعين، وبالتالي عدم التعاطي الجدّي مع متطلباتهم .
أؤكد مجدداً، لا يجب المراهنة على حالة الحب وحدها ،لأنها لن تنتج عملاً مستقراً ودائما .
ہ كثير من الرسميين غير راضين عن الشكل الفني للمسرح الجاد . كطرف مبدع، هل أنت راضٍٍٍ على سوية أداء هؤلاء الرسميين ؟
ہہ إذا كان هؤلاء الرسميون غير راضين عن سوية وشكل المسرح الجاد ويتهمونه بأنه أفقد الصلة بين الجمهور والمسرح . فأنا بدوري أسألهم . ماذا فعلوا هم كأصحاب قرار للخروج من هذه الإشكالية . فالرسمي ليس موجوداً لقول وجهة نظر في موضوع ما، وانتهى، بل ليجد لها الحل اللازم . هم يقولون بأن المسرح الجاد جاف ومنفر، طيّب فهل وضعوا لجاناً تخصصية فكرية وفنية لكي تلحظ توجهات وسوية النصوص المقدمة للعرض، بشكل مخطط وعلمي بعيدا عن الشخصنة والمعايير الذاتية . طبعاً لم يفعلوا . فالمشكلة في الجانب الرسمي ليست في شخص محدد . بل في الآلية كلها التي يجب أن تتغير .
ہ كيف تنظر لتجربة الفعاليات المسرحية الأهلية أو غير الرسمية ؟
ہہ العمل المسرحي جماعي بالضرورة، وهذه ميزته ومقتله بآنٍٍ معاً . وهو بالنهاية عمل مؤسساتي . في سورية لا وجود لفعاليات أهلية مسرحية أو حتى ثقافية، فالجانب الطاغي على رأس المال في سورية هو الأميّة الثقافية، فهو بعيد جداً عن الحراك الثقافي . في ظروف كهذه أرى أن العمل ضمن الإطار الرسمي هو الملاذ الأخير للمبدع الثقافي عندنا . رغم كل القوانين والروتين المرهق الذي يشوب العمل فيه . والذي أطالب دائماً بضرورة تغييره .
ہ عملك حفل بمتابعة جماهيرية هائلة في عرضه قبل سنوات، ويفترض أن يلاقي الاهتمام نفسه حالياً . من هذه الزاوية . كيف يمكننا العودة بالجمهور إلى المسرح ؟
ہہ عندما نحاسب أنفسنا بشكل حقيقي . ونبتعد عن الذاتية والنرجسية في التعاطي مع العمل المسرحي . بعض المسرحيين استباحوا المسرح بتجاربهم . التي صاروا بموجبها رجالات المسرح في سورية، رغم أن بعضهم لم يقف على الخشبة إلا مرة أو مرتين في عمره . ما هو موجود في عالم الأغنية الهابطة من إطلاق ألقاب ـ كسفير الأغنية وفارس الأغنية وسلطان الطرب ـ صارت موجودة في مسرحنا وكأن هؤلاء هم القيّمون على المسرح هنا .
هذه استباحة يجب وضع خطط منهجية للعمل . المسرح الرسمي مسؤول عن القطيعة بين المسرح والجمهور . ولكنه ليس الجهة الوحيدة . هناك مبدعون ساهموا بطريقة عملهم بإيجاد وتعزيز هذه الحالة . فالمسرح تحول أخيرا لمنبر من لا يجد فرصة عمل في التلفزيون، فيصبح لذلك شهيد المسرح وراعيه . المسرح في سورية صار أحياناً منبراً للادعاء .
ہ كيف تقوّم تجربتك الحالية ضمن هذا التوجه ؟
ہہ أنا لم آت من فراغ . أنا مسرحي معروف ولي أعمالي التلفزيونية الكثيرة . ولا أبحث عن شهرة فنية ولا عن الأجر المادي الذي سأتقاضاه في هذه التجربة، لأنها تقلّ كثيراً عن أي إجر تلفزيوني أقوم به خارجا . لكنني جئت لهذه التجربة لأن لدي هاجساً فنياً ما، موضوعه البحث عن إجابات محددة، عن أسئلة تؤرقني. لذلك لاأدعي المقولات الكبرى . المسرح هو الخلاص ،والمسرح أبو الفنون . أنا أحب المسرح وجئت لأعمل به وانتهى .
نضال قوشحة
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد