تصاعد الأرقام في بورصة الطلاق
في مسلسل ( على طول الأيام) يشتكي الزوج ( الفنان تيم حسن) لأمه فشل حياته الزوجية قائلا:عندما اضع زوجتي أمام خيار أنا أو كذا مهما كان هذا الكذا فإن الحياة الزوجية صعبة الاستمرار.
وفي مسلسل ( باب الحارة) طلق أبو عصام الفنان عباس النوري زوجته لأنها قالت له: فشرت!! وكذلك أبنه طلق زوجته لأنها لم تكتم سر طلاق أبيه لأمه وصهره طلق اخته و...و... وبدا مسلسل الطلاق في الحلقات الأخيرة مرضا معديا وعادة اجتماعية سيئة ولاتفه الأسباب دون وعي أو فهم لمعنى هذه الكلمة وما تحمله من أثار سلبية على كل أفراد العائلة دون استثناء.
متى يجب الطلاق؟ وكيف ينظر المجتمع إلى المرأة المطلقة؟ وما مصير الأبناء؟
لقد كانت تتوق للحظة الاعلان عن حريتها وبعد أن قبضت يديها الصغيرتين الناعمتين على ورقة بيضاء سطر فيها بعض الكلمات التي اطلقت سراحها بكت بحرقة طويت الورقة لتبدأ بعد ذلك حياتها فرغم قسوة تلك اللحظات إلا أنها ترقص فرحا..
وفاء مهندسة 27 سنة التقيتها عمدا في قصر العدل أمام باب المحكمة الشرعية ومجرد جلوسي إلى جانبها أحسسها بالتعاطف الأنثوي وما يحمله من استفسار وسؤال عن سبب بكائها ومحاولة مساعدتها إن أمكن ودفعها إلى رواية قصتها ربما للتأكد من صحة قرارها أو لتقدم لي نصيحة أو لترتاح أيا كان السبب فإن رحلة حياتها وقصصاً أخرى أثارت في نفسي مزيجا من الغضب والرثاء والدهشة والتساؤل حالة لا يمكن تصويرها أو تجسيدها.
بداية تقول وفاء: رغم معارضة أهلي الشديدة أغمضت عيني ومشيت معه وكلي ثقة أنه الأمل والمستقبل وكل حياتي وكانت الحياة الزوجية مراسيم لانتهاء حفل التنكر ويوماً وراء يوم أخذ المستور ينكشف أنانية وغيرة وشك عند زوجي لا حدود لها خيّرني بينه وبين عملي كمهندسة وكحل وسطي طلبت إجازة سنة بلا راتب الأمر الذي زاده شكا وافقده صوابه فهو الرجل المسؤول عن تأمين كل ما نحتاجه ونسي تعب السنين وطموحي وحلمي أن أكون إنسانة ناجحة ومتميزة في العمل طلبت الطلاق وأنا واثقة من صحة قراري سأقف مرة أخرى وسأشحذ همتي من ضحكة ابني وصديقي الصغير وسأعود لعملي لأحقق حلمي لأجله ولأجلي ولن أسمح لأي رجل آخر أن يدمر حياتي فأنا بشر ولي حق أن أعيش بأمان واطمئنان ويساعدني في ذلك شهادتي وحسن تربيتي.
تقول ثناء ( أنسة مدرسة): هو زميلي في العمل تقدم لخطبتي وبعد الخطبة بشهر أقنعني بضرورة كتب الكتاب وتسجيل عقد الزواج في المحكمة دون زواج ريثما ينتهي من تجهيز عش الحياة الزوجية وفجأة وبدون مقدمات وبعد تحديد موعد العرس ودعوة الأهل والاصدقاء اعتذر وانسحب من حياتي بحجة أن سحراً كتب له وعفريتاً راكبه لم يطلقني خوفا من المطالبة بدفع المهر ووجدت نفسي مضطرة لطلب الطلاق ومنذ سنتين حتى هذه اللحظة لم أحصل على حريتي بينما هو تزوج وأنجب.
السيدة مها (20 سنة غير متعلمة) تقول: أبي وأخي السبب في زواجي وأمه السبب في خلافاتنا وطلاقي.
تزوجت وأنا في الرابعة عشر من عمري وزوجي في الثلاثين أجبرني والدي على الزواج رغم عدم موافقتي للتخلص من همي وبعد سنة من زواجنا بدأت المشاكل والخلافات وفي كل مرة يزور فيها أهله يعود متوترا عصبي المزاج ويضربني لأتفه الأسباب في كل مرة كنت أحاول التحدث والتودد اليه لكن لو قلت له تمرة يقول لي جمرة هكذا أوصته أمه صدقوني حتى هذه اللحظة لا أعرف لماذا كان يعاملني هذه المعاملة السيئة حتى الجيران كانوا ينظرون لي بعين الشفقة والرحمة ويخافون التدخل عندما يسمعون صراخي خوفا منه وأخر مرة ضربني فيها كانت بسبب شتمي لأمه ضربني حتى فقدت الوعي وبعد خروجه من البيت هربت إلى بيت أهلي مع أطفالي وطلبت الطلاق وها أنا أتردد إلى المحكمة وفي كل جلسة انتظر قرار الطلاق بفارغ الصبر وأحلم به.
الدكتور محمد عبد الله استاذ في كلية الأداب قسم علم الاجتماع جامعة دمشق علق على هذه الحالات قائلا:
مع دخول القيم الوافدة إلى العادات العربية نرى أننا أصبحنا نفرط في الأسرة لأتفه الاسباب ولم نعد ننظر إلى الزواج على أنه استقرار وسكينة تهدف إلى اخراج ابناء صالحين لبناء المجتمع وكثيرا ما نجد النقاش يتطور ويصل إلى بورصة الطلاق مع أول خلاف بسيط بين الأزواج وعموما المرأة المطلقة دائما هي في نظر المجتمع متهمة ومقصرة وغير طبيعية وهي السبب في خراب بيتها وضياع نفسها وإن كان البعض يتعاطف مع المرأة التي لها أولاد ويقدمون لها المساعدة بينما يحذرون من المطلقة صغيرة السن خوفا من القال والقيل ولأن فرصتها كبيرة لإعادة تجربة الزواج وبناء حياة زوجية جديدة وتبتعد عنها النسوة المتزوجات والمجتمع في عمومه لا يفضل الزواج من المرأة المطلقة ربما قد يرجع ذلك للموروث الثقافي الذي يرى أن المرأة سلعة مستعملة وأثبتت الدراسات الميدانية أن أغلب الزواج من المطلقات يكون بدافع المصلحة أو المنفعة كأن يكون عندها شقة أو أموال أو.. بينما قد تعيد المرأة المطلقة تجربتها لرغبتها أن تكون بحماية رجل منعا للقيل والقال أو لحاجة اقتصادية وقد يكون الطلاق أحيانا خيرا للأبناء في مرحلة الطفولة.
وأخف وقعا على صحته النفسية من أن يعيش مع أبوين يكره كل منهما الأخر ولكن لابد أن نعلم أن أولى حاجات الطفل في هذه الحياة أن يكون له أب وأم والأثر النفسي لانفصال الوالدين على نفسية الاطفال أمر لابد من حدوثه بدءا من الشعور بالنقص لعدم توفر الجو العائلي المتوفر للأخرين وانتهاء بعدم الاحساس بالأمان لفقدان المنظمة المتكاملة من الحب والحنان التي يضعها الأبوان في تناغم مشترك, وتقول الاختصاصية نسرين تميم: اذا فكرت المرأة المطلقة بالزواج مرة ثانية فلا تحظى بأحسن الحالات إلا بزوج أرمل أو زوج في ذمته زوجة واطفال وفي الحالتين هي مكروهة, ضرة, يصعب أن تنال حب أولاد زوجها أو الاعتراف بجميلها, وتحذر الاختصاصية من اتخاذ قرار الزواج مباشرة بعد الطلاق كنوع من التعويض النفسي عن الفشل في التجربة الأولى لأنه حتما سيفشل والصدمة ستكون أكثر تأثيرا على الحياة العملية والاجتماعية والاقتصادية للطرفين ( الرجل والمرأة).
في دراسة قامت بها الدكتورة نجوى قصاب حسن على 600 أسرة تبين فيها المدة الزمنية التي استغرقت دعوى الطلاق كانت النتائج:
شهر (91 دعوى) -عدة أشهر (296 دعوى)-سنة (140)- عدة سنوات ( 66) -حالات أخرى (7).
وهذه الارقام تدفعنا للسؤال: ما هو الوضع النفسي والاجتماعي للمرأة التي تستغرق دعوى طلاقها سنين أي تكون لا معلقة ولا مطلقة؟ وهل يجوز للمرأة تطليق نفسها ( العصمة بيدها) ؟ وما هو الطلاق التعسفي؟
المحامي حسين عواد يجيب عن هذه التساؤلات قائلا:
الطلاق هو إنهاء الحياة الزوجية بين زوجين, وهو قسمان: رجعي وبائن والبائن بينونة صغرى ويكون بطلقة واحدة أو اثنين وبائن بينونة كبرى ويكون بالثلاث ويسمى باتا ويجب على الزوجة أن تمسك العدة من تاريخ الطلاق وتستطيع قضاء العدة في بيت الزوجية وفي حال قام الزوج في الطلاق الرجعي بارجاع زوجته إلى عصمته قبل انتهاء فترة العدة فلا تحتاج إلى عقد جديد ولا مهر جديد والطلاق قبل الدخول والخلوة بائن ولا يجوز ارجاعهما ( الخطيبين) لبعض إلا بعقد جديد ومهر جديد ويجوز تفويض المرأة تطليق نفسها أو تفويض شخص آخر بالطلاق.
في حال تم فسخ الخطبة بين الخطيبين دون وجود دخول وخلوة صحيحة يحق للزوجة نصف المهر أما في حال وجود دخول أو خلوة فتستحق الزوجة كامل المهر وعقد القران المعقود خارج المحكمة عن طريق شيخ ما يسمى ( الكتاب البراني) صحيح ويرتب التزامات وله نفس الحقوق والواجبات للعقد النظامي ولكن يحتاج إلى تثبيت أمام القضاء بشرط وجود الشهود وتبادل ألفاظ الزواج و الايجاب والقبول:
وهناك ست طرق يستطيع فيها الزوجين إنهاء الحياة الزوجية أولها الطلاق الإرادي وهو ما يسمى ( بالطلاق التعسفي) وتستحق فيه الزوجة كامل حقوقها إضافة إلى نفقة ثلاث سنوات اذا اثبتت انه سيصيبها بؤس وفاقة.
1-التفريق للعلل ويكون في حالتين:
أ-اذا كان في الزوج إحدى العلل المانعة من الدخول بشرط سلامتها هي منها.
ب- اذا جن الزوج بعد عقد الزواج.
2- التفريق للغيبة ويكون في حال غياب الزوج بلا عذر مقبول أو حكم بعقوبة السجن أكثر من ثلاث سنوات جاز للزوجة بعد سنة من الغياب أو الحكم طلب التفريق.
3- التفريق لعدم الانفاق وتكون في حال عدم إنفاق الزوج على الزوجة.
4- التفريق لعلة الشقاق ويكون في حال ادعى أحد الزوجين إضرار الآخر به بما لا يستطاع معه دوام العشرة.
5- المخالعة الرضائية وهي أفضل الطرق لانهاء الحياة الزوجية وعادة تكون ودية.
بالرجوع إلى المكتب المركزي للإحصاء في عام 2002 كان عدد شهادات الزواج في سورية:153842 والنسبة لكل ألف من السكان (8) وعدد شهادات الطلاق (13077) والنسبة من واقعات الزواج:9%.
وفي عام 2004: عدد شهادات الزواج 174449 وعدد شهادات الطلاق 14314 والنسبة من واقعات الزواج هي 8,2%.
وفي عام 2007: عدد شهادات الزواج 205557 وعدد شهادات الطلاق 19984 والنسبة هي 9,7% وبمقارنة بسيطة من عام 2002 وحتى هذا العام تبين أن نسبة الطلاق من واقعات الزواج ثابتة تتراوح بين 8-10 حيث بلغت النسبة الأعلى في عام .2006
والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف ستكون صورة المستقبل مع وجود عوامل كثيرة (اقتصادية - اجتماعية - ثقافية) تؤثر على استقرار كيان الأسرة وتسهم في اتخاذ قرار الطلاق.
كلمة لنا: رغم كثرة الدراسات والنسب والاحصائيات التي تدل على أسباب وعوامل الطلاق إلا أنه من الصعب معرفة الأسباب الحقيقية لأنها غير معلنة, لها رهبة الاسرار وأحيانا تكون الاسباب المعلنة غير الأسباب الحقيقية ولكن المعنى واحد هو أن الحياة وصلت إلى طريق مسدود وتظل ستائر البيت مسدلة على نوافذ وأبواب وراءها أسرار لا يعرف حقيقتها أحد.
رويدة سليمان- محمد عكروش
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد