التقاعد المبكر قد يأتي متأخراً
تاجيل الحكومة لموضوع التقاعد المبكر للموظفين,امر تركه ينضج على نار هادئة لم يمنع حراكا رسميا واخر شعبيا من تسديد وجهات نظر مختلفة باتجاهه علها تسخن ما برد من هذا الملف الذي خرج ولم يعد منذ منذ اكثر من سنتين.
وتباين وجهات النظر حول الموضوع كتفا
صيل وجزئيات لم يلغ اجماعها كعموميات ف(الثورة)التي رصدت انطباعات الناس, وجدت ان كثرا يؤيدونه بالمطلق,وقلة يؤيدونه مشروطا ,كما وجدت ان ثمة متضررين منه(المتقاعدين انفسهم )وثمة مستفيدين (الداخلين الى سوق العمل)ولكنها لم تجد اناسا ينكرون تبعات عدم تطبيقه اقتصاديا واجتماعيا لان التقاعد المبكر يأكل اليابس فقط, بينما تلتهم البطالة اليابس و الاخضر مزيد من التفاصيل تحملها وجهات النظر التالية:
لابد من تدريب الموظفين الجدد
يتحمس مدير شؤون الطلاب في جامعة دمشق يوسف كحيلة لمسألة التقاعد المبكر للموظفين,ولكنه يشترط لذلك الاهتمام بتدريب الموظفين الجدد عن طريق زملائهم القدامى ليحلوا محلهم بشكل تدريجي لأنه من الخطأ التفريط بخبرة تراكمت لدى الموظف خلال عشرين او ثلاثين سنة قضاها في وظائف عدة.
ويجزم كحيلة بأهمية التقاعد المبكر للمرأة اكثر من الرجل لانه يمكنها من الانصراف لشؤون اسرتها واولادها وبسبب اختلاف بنية وفيزيولوجية المرأة وطبيعة المهام المطلوبة منها كأم وربة بيت فقد تضطر بعض النساء العاملات للغياب لمدة شهرين اوثلاثة خلال العام الواحد بسبب الحمل والانجاب والتقاعد المبكر يأتي ليخفف عنها هذه الاعباء.
ايجابيات وسلبيات ايضا
يتلمس المدير العام المتقاعد يوسف اسماعيل ايجابيات لموضوع التقاعد المبكر كإدخال كوادر جديدة وشابة الى سوق العمل يكون لها الاثر الايجابي في تحقيق حدة البطالة بين الشباب وتحقيق وفورات مالية في الرواتب لأن الموظف الذي يدخل حديثا الى العمل لا يتعدى راتبه 50 بالمئة من راتب نظيره الذي أهله القدم الوظيفي للحصول على راتب عال,الامر الذي يتيح توظيف عدد اكبر من الشباب بكتلة الاجور نفسها التي كانت تدفع لقدامى الموظفين ,هذا الى جانب العديد من الايجابيات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية الاخرى.
اما سلبيات التقاعد المبكر فيحصرها اسماعيل في عدم وجود خبرات كافية لدى حديثي التوظيف تمكنهم من القيام بأعباء العمل بالسوية نفسها التي كان يقوم بها اسلافهم كما ان امتصاص البطالة بين الشباب سيوجد بطالة بين المتقاعدين الذين سيشعر اغلبهم انهم ما زالوا قادرين على العمل وما يزيد الامر صعوبة ان هؤلاء لن يقبلوا بأعمال لا تتناسب وواقع الخبرة لديهم والمستوى الوظيفي والاجتماعي الذي كانوا يتمتعون به قبل التقاعد,فضلا عن قلة الفرص المتاحة امام اغلبهم كما ونوعا. ولا يمانع اسماعيل من الاحتفاظ بذوي الخبرات المميزة ان كانوا لائقين صحيا بعد سن التقاعد شريطة الا يفتح ذلك باب التقييم الجغرافي للخبرات والكفاءات ويعتقد ان صرف العامل مع اعطائه 75 بالمئة من راتبه افضل من استمراره بالعمل دون حاجة حقيقية له(حالة البطالة المقنعة)لان تحقيق الوفر لا يكون ب25 بالمئة من الراتب فقط بل بالنفقات الادارية والتشغيلية التي يتطلبها الاحتفاظ بالعامل لحين بلوغه سن التقاعد النظامية كما ان التقاعد المبكر امر معمول به في اغلب الدول المتقدمة وبعض الدول النامية ,وهو محمل تفكير على مستوى المنظمات والنقابات حول العالم.
لا يبدو موضوع التقاعد المبكر لدى طالبي العمل ضرورة ملحة, وخصوصا حديثي التخرج منهم محل نقاش لأنه ينتظرهم طوق نجاة وعامل مهم في القضاء على البطالة التي يعانون منها,مثلا ابراهيم الذي قضى ثلاث سنوات بعد ان تخرج من كلية الاقتصاد باحثا عن عمل ,يرى ان من شأن تطبيق نظام التقاعد المبكر إفساح المجال امام الشباب الذين ستصبح رحلتهم في البحث عن عمل اقصر كلما كان خروج الموظفين من وظائفهم في سن اصغر.
ويركز الموظف حسام محمد على الجانب الاقتصادي في مسألة التقاعد المبكر,لأنه يرى فيه تحقيق وفورت مادية كبيرة تتكبدها خزينة الدولة نتيجة لدفع رواتب عالية لأداء العمل نفسه الذي من الممكن ان يقوم به موظفون جدد يتقاضون نصف هذه الرواتب.
وتشير الموظفة لما حسن الى اهمية النظر الى الشباب كدماء جديدة من شأنها تطوير العمل,فالمهارات والمعارف التي حصلوا عليها تختلف كثيرا عن تلك التي حصلتها الاجيال السابقة نتيجة تطور المعارف والمعلوماتية واللغات,واذ تعتقد ان الموظفين القدامى وفي قسم كبير منهم لا يعرف الكثير عن تلك المعارف ,بدليل ان قلة منهم تستطيع التعامل مع ابسط برامج الكمبيوتر.
متعطل عن العمل: يجعل رحلة الشباب في البحث عن
عمل أقصر
يبدو انه من الخطأ النظر الى مسألة التقاعد المبكر ضمن حسابات اقتصادية بحتة تعتمد التكلفة كمرتكز رئيس فالتوظيف والتقاعد ومهما علت تكلفتها ستكون بالتأكيد اقل من التكلفة الاجتماعية والنفسية للبطالة هذا الرؤية تجعل استاذ الدراسات الفلسفية والاجتماعية في جامعة دمشق الدكتور ابراهيم المصري متحمسا لتطبيق التقاعد المبكر,فهو يرى اننا من المجتمعات ذات الخصوبة وهذا يساهم في ازدياد نسبة الشباب على حساب كبار السن ما يجعل الداخلين الى سوق العمل في تنام مستمر وبالنظر الى عدم كفاية فرص العمل امام الطلب عليها فإن معدلات البطالة سترتفع باستمرار.
ويشكل ميل الإنسان الى التجديد والابداع كلما تقدمت السن نتيجة فقدانه الاحساس بالمغامرة والطموح خلافا للشباب ثاني مبررات هذا التقاعد اما المبرر الثالث فيتمثل في تجديد سوق العمل بدافع ما يسميه المصري الانزياح الوظيفي لان الذين يحلون محل المتقاعدين ليسوا الشباب حديثي التخرج بل الموظفين الذين يلون المتقاعدين قدما وفي هذا رد جازم على اولئك الذين يرفضون التقاعد المبكر بذريعة خسران بيئة العمل للخبرات التراكمية.
ويقر المصري بوجود زيادة في التكلفة عند صرف الموظف مبكرا مع راتب تقاعدي ولكنه يعتقد ان هذه التكلفة- ومهما ارتفعت - تبقى اقل من التكلفة الاجتماعية الناجمة عن البطالة بين الشباب والتي تشكل عامل خطر على النسيج الاجتماعي ولعل ابرزها: مشاعر اليأس والاحباط والكفر بالقيم الاجتماعية والانتماء للمجتمع التي من الممكن ان تسيطر على الفرد المتعطل عن العمل ثم ان خسارة الامة لهؤلاء الشباب هي خسارة تصيبها في مقتل لانها تعطل امكانات كان يجب ان تكون محركا ووقودا للتنمية واخيرا لا ينسى المصري الاشارة الى ضرورة تكريم المتقاعد الذي قضى سحابة عمرة في خدمه العمل عبر منحه التقاعد المبكر وعدم تركه حتى سن متأخرة ليخرج بعدها عاجزا ومستسلما للامراض كما ان هذا النوع من التقاعد يمثل الآن توجها عالميا تدفع باتجاه الطبقات العاملة ومن يمثلها حول العالم معتبرة اياه حقا مشروعا لا يجب التنازل عنه
احمد العمار
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد