كونوكو عملاق صناعة النفط السورية الذي تحول إلى قاعدة أمريكية!.
زياد غصن :
ربّما لا يعرف الكثيرون أن «معمل كونوكو» لمعالجة الغاز، والذي حوّلتْه القوّات الأميركية إلى قاعدة عسكرية لها، بعد أن دمّر طيرانها، في عام 2016، معظم أقسامه الرئيسة، هو إحدى أهمّ منشآت النفط والغاز التي استثمرتْها سوريا في بداية الألفية الثالثة، محدِثةً من خلاله تحوّلاً هامّاً في مسار قطاع الطاقة. لكنّ اللافت اليوم، أن الأميركيين يُظهرون رغبةً في تقييم حجم الضرر الحاصل في المنشأة وحالتها الفنّية والتقنية، وذلك إمّا تمهيداً لدراسة فُرص استثمارها، أو إمكانية التخلّي عنها، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول إمكانات إعادة تشغيلها في ما لو عادت إلى سيطرة الحكومة.
على مدار السنوات السبع الماضية، بات اسم «كونوكو» مرادفاً فقط للوجود الأميركي في منطقة الجزيرة السورية، وكأنه عنوان لمنطقة جرداء لم تكن ذات قيمة في ما مضى من السنوات. وحتى مع تَوفّر بعض المعلومات المتداولة عن ذلك المعمل الغازي الكبير، فإن الصورة الذهنية المتشكّلة عنه، إمّا أنها لا تعطيه حقّه كمدينة نفطية وغازية متكاملة ومتطوّرة تتجاوز تكاليف تأسيسها اليوم عتبة المليار دولار، وإمّا أنها تسعى إلى شيطنة دوره كي لا يُحسب وجوده منذ سنوات ما قبل الأزمة كإنجاز لـ«النظام»، علماً أنه في نظر الكثير من خبراء النفط الوطنيين والأجانب الذين عملوا في سوريا، بمنزلة عملاق صناعة النفط والغاز السورية. في المقابل لا أحد يَذكر، أو يغيب عن بال الكثيرين، أن طيران «التحالف الدولي» بقيادة الولايات المتحدة، هو الذي دمّر هذه المنشأة قبل حوالي سبع سنوات تماماً، بذريعة استهداف مقاتلي تنظيم «داعش»، وهو ما تَبيّن زيفه مع قيام القوّات الأميركية بتغيير وظيفة المنشأة، من تأمين احتياجات السوريين من المشتقّات النفطية، إلى تأمين الدعم العسكري لعمليات سرقة ثروات السوريين ومواردهم.
عملاق اقتصادي
«كونوكو»، أو المسمّاة رسمياً «مديرية استثمار غاز دير الزور»، تقع إلى الشرق من محافظة دير الزور بحوالي 25 كم في قرية الطابية. وهي عبارة عن منشأة ضخمة كانت تقترب في أنظمتها ويوميّات عملها من أيّ منشأة نفطية غربية، إلى درجة أن زائرها تبدو له وكأنّها خارج سوريا. هذه المنشأة تتضمّن معملاً لمعالجة الغاز وأربع عشرة محطّة خارجية، ترتبط في ما بينها ومع المعمل بشبكة أنابيب ضخمة. تَكمن الأهمّية الاستراتيجية لـ«كونوكو»، التي جرى تشغيلها في أيلول من عام 2001، بحسب ما يَذكر أحد الخبراء السوريين الذين عملوا في المنشأة لسنوات طويلة، «في معالجتها كمّية كبيرة من الغاز المرافِق، تُقدَّر بأكثر من 4.5 ملايين متر مكعّب. والغاز المرافِق هو الغاز الذي كان يُفصل من الحقول النفطية التابعة لشركة الفرات للنفط، شركة دير الزور للنفط، والشركة السورية للنفط. وهو كان قبل تشغيل المنشأة يُحرق، ولا يُستفاد منه.
هذا إضافة إلى معالجة الغاز الحرّ من حقل الطابية، وكمّيته كانت تُقدَّر آنذاك بحوالي 8.5 ملايين متر مكعّب». ويضيف الخبير الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه أن «كونوكو» كانت «تغطّي حاجة القُطر من الغاز المنزلي بتوفيرها حوالي 1000 طنّ يومياً، تُصدَّر يومياً إلى المحافظات بواسطة الصهاريج أو القطار، حيث ثمّة محطّات تعبئة خاصة بالمنشأة. كما كانت تنتِج كمّية كبيرة من الغاز الخفيف المعالَج، الذي يُستخدم في تشغيل العنفات الغازية لتوليد الكهرباء (4.25 ملايين متر مكعّب يومياً)، وهو رقم جيّد جدّاً قياساً إلى الكمّيات التي تغذّي المحطّات الحرارية حالياً (6.5 ملايين متر مكعّب فقط). ويضاف إلى ذلك المنتَج الثالث، المسمّى بالمتكاثفات، بإنتاج يُقدَّر بحوالي 35 ألف برميل يومياً، وهو منتَج مهمّ، حيث يُمزج مع النفط الثقيل لتحسين المواصفات». وإلى جانب تلك الأهمّية الاقتصادية الكبرى، فإن المنشأة التي كانت تعمل وفق معايير شركات النفط العملاقة، «أسهمت في تأهيل وتدريب ما يزيد على 600 خبير سوري في مجال النفط والغاز، يتوزّعون اليوم في قارّات العالم ويعملون مع أهمّ شركات النفط، ولا سيما أن إدارة المنشأة بالكامل منذ عام 2006 وحتى توقّفها عن العمل في عام 2016، كانت تتمّ بخبرات وكفاءات سورية بالكامل».
التدمير الأميركي
دخلت «كونوكو»، كما باقي المنشآت والحقول النفطية، على خطّ الأزمة، مع تدهوُر الأوضاع الأمنية في محافظة دير الزور، وسيطرة المسلّحين على أجزاء واسعة من المحافظة الشرقية. إلّا أنها بقيت تعمل وترفد قطاع الطاقة السوري باحتياجاته ضمن الظروف المتاحة حتى السادس من آذار 2016، تاريخ قيام طيران «التحالف الدولي» بقيادة واشنطن، باستهداف أبنية المنشأة الرئيسة بشكل مباشر، وتالياً إخراجها عن الخدمة نهائياً. لكن وفقاً لما يؤكّده العاملون في «كونوكو»، فإن الآبار بقيت في منأًى عن الضرر، على عكْس المحطّات الخارجية، التي تعرّضت لتخريب متعمَّد من قِبَل القوّات الأميركية ووحدات «قسد». ولم تمضِ سوى فترة قصيرة على استهداف المنشأة وإخراجها عن الخدمة، حتى قرّرت القوّات الأميركية تحويلها إلى قاعدة عسكرية، مانعةً بذلك المدنيين والعاملين فيها من الاقتراب منها.
وتشير معلومات في هذا السياق، إلى أن قوّات الاحتلال استخدمت الأبنية والمَرافق الخدمية سكناً لجنودها، ومحطّة تعبئة الغاز المنزلي مهبطاً لطائراتها العمودية، والهنكارات لتخزين عتادها الحربي. لكن حديثاً، ظهرت بعض المؤشّرات التي ترجّح وجود رغبة أميركية في تقييم حجم الضرر الحاصل في المنشأة وحالتها الفنّية والتقنية، وذلك إمّا تمهيداً لدراسة فُرص استثمارها، أو إمكانية التخلّي عنها. وبحسب المعلومات، فإن القوّات الأميركية استقدمت خبراء وممثّلي شركات نفطية كبرى إلى «كونوكو»، ونظّمت لهم جولة في أقسامها قبل مغادرتهم إيّاها عبر مروحيات عسكرية، ومن بين هؤلاء خبراء عملوا سابقاً في مراحل التأسيس والتشغيل الأوّلية.
لكن ماذا لو عادت المنشأة إلى سيطرة الحكومة السورية قريباً؟ في ظلّ عدم تَوفّر تقييم دقيق لحجم الأضرار التي لحقت بها على مدار السنوات السابقة، فإن الحديث عن فُرص إعادة تشغيلها واستثمارها في ما لو عادت إلى سيطرة الحكومة، تبْقى عبارة عن تكهّنات واجتهادات شخصية أكثر من كونها قراءات قريبة من الواقع. ومع ذلك، فإن رؤية وزارة النفط والثروة المعدنية تقول «إن تخريب الآبار النفطية والمحطّات الغازية، وانخفاض مستوى إنتاج الآبار بعد هذا الانقطاع، جميعها عوامل تجعل المنشأة غير قادرة على استعادة إنتاجها كما هو في السابق في ما لو تمّت إعادة تأهيلها، وقد لا نحصل حتى على 50% من الإنتاج السابق»
الأخبار
إضافة تعليق جديد