الزواج عن بعد.. عادة جديدة تدخل الى المجتمع السوري
بعد خطوبة استمرت نحو 3 سنوات، يستعد عمر الشامي -الشاب السوري المقيم في ألمانيا- لعقد قرانه على لمى (المقيمة في سوريا)، وإتمام مراسم الزواج واستقدام عروسه إليه عبر إجراءات “لم الشمل”.
وكان الشامي غادر سوريا عام 2015 ضمن أفواج المهاجرين في موجة اللجوء الكبرى، التي خرجت من البلد العربي المنكوب نحو تركيا والدول الأوروبية، بعدما اشتدت حدة المعارك والصراع في مدينته حلب بين فصائل المعارضة السورية وقوات الجيش السوري.
يقول الشاب الثلاثيني، للجزيرة نت، إنه طلب من أمه أن تبحث له عن عروس في مدينته، حيث تمت الخطبة “عن بعد”، بعد موافقة أهل العروس وتحقق القبول الأولي بين الأسرتين المقيمتين في سوريا.
ويعتقد الشامي أنه كوّنَ صورة جيدة عن خطيبته خلال المحادثة معها عبر تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي، ووجد أن بينهما قواسم مشتركة وعادات وتقاليد متقاربة يمكن أن تكون انطلاقة لبناء حياة زوجية ناجحة، مستدركا أن “الحياة المشتركة في الواقع هي الحكم والفيصل”.
زفاف بلا عريس
وفي مدينة حلب، حيث تقيم العروس لمى، أقامت الأسرتان حفل زفاف أشبه بوداع للعروس المقدمة على السفر إلى زوج المستقبل، إذ ارتدت فستانها الأبيض وغاب عنها العريس، في حين حضر الأقارب والأصدقاء لمشاركة الأسرتين الفرحة المنقوصة.
تقول لمى (27 عاما) إنها قررت تنظيم حفلة الزفاف، بناء على طلب أهلها وأقاربها وحتى خطيبها، لرغبتهم في رؤيتها بالثوب الأبيض، وإدخال الفرحة والبهجة إلى قلبها، في ظل ظروف أمنية ومعيشية صعبة تمر بها البلاد.
وتؤكد لمى، للجزيرة نت، “انتشار ظاهرة حفلات الزفاف في غياب العريس المهاجر، لأحكام فرضتها الحرب في سوريا وهجرة معظم الشبان، ورغبة من أهل العروس في توثيق زفاف ابنتهم وإشهاره”.
وتعترف بأن “الزواج عن بعد” تجربة اجتماعية محفوفة بالأخطار والمفاجآت، لكنها تأمل أن تحقق السعادة والاستمرار في حياتها الزوجية، بعدما وجدت في خطيبها صفات حسنة شجعتها على الموافقة للاقتران به، إضافة إلى شهادات الجوار والأقارب الإيجابية عنه وعن أهله.
عنوسة متصاعدة
قصة عمر ولمى ليست حالة استثنائية في سوريا، حيث فرضت الحرب المستمرة منذ أكثر من عقد متغيّرات كبرى أدت إلى تبدل العادات والتقاليد التي لازمت المجتمع السوري، خاصة في مسألة الخطوبة والزواج، ودفعت بكثير من الأسر إلى التساهل في مسائل حفلات الزفاف والمسكن المستقل، واللجوء إلى “الزواج عن بعد”.
وعلى وقع رحى المعارك، زادت موجات هجرة ملايين الشبان من سوريا، في حين يواجه من تبقى في البلاد صعوبة تحمّل تكاليف الزواج، جراء انهيار الوضع الاقتصادي وتحول تأمين المنزل إلى حلم صعب المنال، فضلاً عن تكاليف المهر والزفاف.
ومع عزوف الشبان عن الارتباط، ارتفعت نسبة العنوسة في البلاد لتقترب من 70%، حسب آخر بيانات وزارة الشؤون الاجتماعية في الحكومة السورية، وذلك لأسباب عدة، من أهمها الحرب والهجرة والفقر.
ووفق بيانات الوزارة، فإن هناك نحو 3 ملايين فتاة سورية عازبة تجاوزن سن الـ30 عاما، بينما يشير إحصاء آخر إلى أن النسبة تتجاوز 65%.
منظور الشرع
وتعكس الأرقام التي توثقها المحاكم الشرعية السورية حجم تعاظم ظاهرة “الزواج عن بعد” أو ما يسمى “الزواج عبر الإنترنت”، الذي يؤكد الشرع صحته وفق شروط محددة يُبنى عليها عقد الزواج ويُسجّل في المحكمة.
القاضي الشرعي الأول في دمشق محمود المعراوي يرى أن الزواج عبر الإنترنت، الذي يتم في حضور شاهدين مدركين ووالد الزوجة، يعد زواجا صحيحا وجائزا شرعا، باعتبار أن الفقهاء أجازوا الزواج عبر المراسلة.
ويشير المعراوي إلى صحة زواج المراسلة، وهو أن يرسل الراغب في الزواج رسالة إلى الفتاة أو والدها يطلب فيها الزواج من الفتاة، ثم تقرأ الرسالة مباشرة وتجيب الفتاة أو يجيب والدها بالقبول، وفقا للمعراوي.
وحسب القاضي المعراوي، فإن نسبة عقود الزواج خارج سوريا، التي تتم عبر الوكالات، وصلت إلى 50% من مجمل العقود التي تعقد في المحكمة الشرعية، بعدد يومي يبلغ نحو 60 عقدا.
“الجزيرة”
إضافة تعليق جديد