كواليس حرب الدفاع الصامتة عن سعر صرف الليرة السورية
استبعد الدكتور فؤاد علي مدير العمليات المصرفية في مصرف سورية المركزي، أن يكون مطلوباً من المصرف المركزي ضخّ الأموال لتغطية العجز، لأن السياسة النقدية هي دائماً سياسة قصيرة الأجل، إذ يتدخل المركزي في سعر الصرف في السوق مدة أشهر أو سنة كحد أقصى، بينما الاقتصاد الحقيقي تتدخل فيه وزارات متعددة معنية كالاقتصاد والزراعة، أي السياسة الاقتصادية الوطنية تتكامل كفريق يدعم بعضُهُ بعضَه الآخر..
والحالة الصحية تعني أن يتم تخفيض النفقات ودعم القطاعات المختلفة.
واصفاً سعر الصرف بأنه ميزان الحرارة للجسم الاقتصادي، وعندما يكون هناك خللٌ في الجسم الاقتصادي يكون هناك ارتفاعٌ في سعر الصرف.. لافتاً إلى سلسلة أسباب داخلية وخارجية أثّرت في سعر الصرف منها الأزمات المتعاقبة التي شهدتها الساحتان العالمية والإقليمية خلال العامين الأخيرين، وأثرت بشكل مضاعف في الاقتصاد المحلي وفي سعر الصرف.
وبيّن د.علي أن سعر الليرة واجه هزات قوية في العامين الفائتين ابتداء من نهاية 2019 مع نشوب الأزمة اللبنانية، وعدم قدرة السوريين على سحب ودائعهم بالقطع الأجنبي، إضافة إلى أزمة «كوفيد 19» التي أثرت في نمو الاقتصادات العالمية ومنها سورية، وصولاً إلى فرض عقوبات أميركية جديدة أبرزها ما يسمى «قانون قيصر» الذي دخل حيز التنفيذ في حزيران 2020, والتداعيات الأخرى التي أثرت في الاستقرار الاقتصادي في دول الجوار التي شهدت تراجعاً جوهرياً في قيمة عملاتها المحلية، فضلاً عن الحرب الروسية- الأوكرانية التي سببت حالة تضخم عالمية وانقطاعاً في سلاسل التوريدات انعكست سلباً على أقوى العملات العالمية مثل اليورو والجنيه الإسترليني.
أما داخلياً، فقد استمرت الأزمات التي يعانيها الاقتصاد السوري، وأهمها تراجع الموارد والإنتاج واستمرار سيطرة القوات الأجنبية المحتلة على آبار النفط، الأمر الذي يستوجب الاستمرار في استيراد النفط، وعدم كفاية محصول القمح المحلي لكون المحصول يتم بيعه إلى خارج الحدود، والحاجة إلى استيراد القمح والترميم المستمر للاحتياطي الغذائي .
ولأن القاعدة الاقتصادية تقول إن سعر الصرف هو مرآةٌ تعكس الواقع الاقتصادي، يجد علي أنه، وبعد حرب استمرت ١٢ عاماً، وترافقت مع عقوبات خانقة طالت كل مناحي الحياة ما أدى إلى ضعف في الإنتاج بعد أن دمرت الحرب الإرهابية على بلدنا المصانع والمعامل والورشات، وتسببت بسرقة آبار النفط، وكذلك القمح وتوقف أغلب المحاصيل التي تصنف إستراتيجيةً، في وقت قيدت فيه المصارف، وباتت بفعل العقوبات عاجزة عن التحويل عبر حساباتها باستخدام الدولار، كل هذه الأوضاع قلبت الأحوال، وحولت سورية من بلد مصدّر إلى مستورد مع خلل في الميزان التجاري.
ويشرح علي الخسائر الكبيرة التي تركتها الحرب، والتي انعكست مباشرةً على سعر الصرف، مشيراً إلى أن السياحة قبل الحرب كانت على سبيل المثال تدعم الخزينة سنوياً بحدود 6 مليارات دولار، حسب أرقام العام 2010، مع وصول ما يقارب 5 ملايين سائح إلى سورية.
والقطاع النفطي المنهوب حالياً كان نقطةً مهمة في الاقتصاد الوطني، إذ كنا ننتج ما يصل إلى 385 ألف برميل يومياً، وكان يغطي معظم واردات الخزينة مع تلبية الحاجة المحلية التي كانت تبلغ 150 ألف برميل، والبقية كانت تذهب إلى التصدير، والقمح أيضاً كان يغطي الحاجة المحلية والفائض يذهب إلى التصدير، أما اليوم فإن فاتورة النفط والقمح وحدها كافية للتأثير بشكل قوي في الاقتصاد.
مؤثرات
مدير عمليات “المركزي” يوضّح أن ثمة مؤثرات تؤثّر مباشرة على سعر الصرف، صنفها عوامل اقتصادية وعوامل نفسية.. وردّ العوامل النفسية إلى وجود مواقع إلكترونية مرتبطة بغرف عمليات خارجية تواظب على بث أخبار وهمية عن سعر الصرف وترويج لأسعار أعلى أو أقل من السعر الحقيقي، وتحرض ما يسمّى اقتصادياً «سياسة القطيع» وبث الشائعات في عملية تلاعب هدفها تحقيق الأرباح لهذه المواقع ولمشغليها، والتي هي في بعض جوانبها شبكاتُ مضاربة، مؤكداً أن أغلب هذه المواقع مغرضة، وهي موجّهة ومسيّسة، وليست بعيدة عن غرف العمليات الموجودة في دول الجوار التي تكنّ العداء لسورية، أي هناك مصالح وجني أموال كبيرة وأغلب هذه الغرف تدار من تركيا.
أما العوامل الاقتصادية فتتلخص بالإنتاج والتصدير والعرض من القطع الأجنبي، أي إن العامل الاقتصادي مرتبط بالحرب مباشرةً، وعمليات التخريب التي دمرت المعامل والمصانع، واليوم الأزمة تراكمية، وسعر الصرف هو تراكمي، وهو توازن في العرض والطلب، وعندما يتوازن العرض مع الطلب يتوازن سعر الصرف، أما حالياً ومع تراجع عامل الإنتاج فقد تحولنا إلى الاستيراد ما أحدث خللاً في الميزان التجاري، وتوسع العجز.
ويأتي العرض والطلب من الصادرات والواردات، وقبل الحرب كانت الصادرات تتراوح ما بين 17 و 18 مليار دولار والمستوردات 19 مليار دولار، وكان العجز في الميزان النقدي بحدود 2 مليار دولار، وكان يغطى من الحوالات، في بعض الأحيان كان هناك فائض في الميزان التجاري بمليارات الدولارات، وهذا على نطاق الصادرات والواردات، أي فقط كمواد فيزيائية، كما يؤكد علي، وهذا انعكس استقراراً وقتها على سعر الصرف، إذ كان سعر صرف الدولار الأميركي نحو 46 إلى 48 ليرة وأحياناً كان أعلى من السوق السوداء، والحديث يدور أيضاً حول عام 2010 وما قبل، فقد كان التوازن قائماً بين الصادرات والواردات، وكان سعر الصرف ثابتاً لسنوات.
توازن
يؤكد د.علي أن دور المركزي يتركز في الحفاظ على استقرار سعر الصرف مع عدم خنق الاقتصاد، ويعطي مثالاً على ذلك بأن المصرف المركزي يستطيع تحديد سعر صرف الدولار عند حدود معينة، ولكن سنواجه فقداناً لبعض المواد من السوق، هناك مواد كمالية، ولكن لها ضرورة «مكيفات» مثلاً، لكن هذا غير مجدٍ، وكان الخيار الأفضل اعتماد (قاعدة الأولويات) التي اتبعها «المركزي» التي تنص على أن يتم التمويل حسب الأولويات، وذلك من خلال دعم استيراد المواد الأساسية الأكثر أولويةً مثل القمح والأدوية ومستلزمات القطاع العام الضرورية، وذلك عند السعر الرسمي 2525 ليرة للدولار الأميركي، وبعض المواد الأساسية الأخرى من خلال المصارف العامة مثل السكر والأرز وذلك على سعر صرف 3030 ليرة.
وأيضاً العمل على تأمين مصادر تمويل القطع الأجنبي لمستوردات القطاع الخاص وبموجب قرار لجنة إدارة مصرف سورية المركزي 1070 لعام 2021 وتعديلاته خلال الفترة الماضية على تأمين مصادر تمويل مستوردات القطاع الخاص من المواد المسموح استيرادها، إما من خلال شراء القطع الأجنبي عن طريق المصارف العاملة المرخص لها التعامل بالقطع الأجنبي لقاء دفع القيمة المقابلة لليرة السورية، وإما من حسابات المستورد المفتوحة لدى أحد المصارف العاملة محلياً بالقطع الأجنبي وإما من حساباته في الخارج أو عن طريق منصة التمويل من خلال إحدى شركات الصرافة العاملة.
عبء مضاعف
من جانبه الصناعي ورجل الأعمال محمد ناصر السواح تحدث في تصريحه لـ”تشرين” عن تأثير الحرب التي امتدت 12 عاماً على بلدنا، ويؤكد أن الوضع الاقتصادي في ظروف الحرب له ظواهره السلبية، وحالياً يمكن القول إن الاقتصاد مريض ومشلول، مرجعاً ذلك لأسباب عدة أبرزها أن الخصم أو العدو لم يترك وسيلة إلّا واستخدمها ضد بلدنا وعادة مثل هذا الحصار يؤلم دولاً كبرى، فكيف بدولة بحجم بلدنا وظروفها؟.. فالحصار ضد بلدنا حصارٌ مدروس وممنهج، إذ تم تحييد المنتجات الزراعية أو السلة وكذلك حوامل الطاقة، وأصبحنا في عوز.
ويوضح السواح أنه بعد عام 2017 صار العبء على الحكومة مضاعفاً، وحصل نقص في القطع الأجنبي، مترافقاً مع التزامات حكومية جديدة في الأراضي المحررة من الإرهاب والتي تحتاج إعادة إعمار وتأهيل، وهذا فرض طلباً أكبر على النقد والعملة.
معتبراً أن أي عملة في العالم تحتاج قوةً ذاتية تحملها، وهي الاقتصاد بكل معطياته «سياحي أو تصديري أو صناعي» واليوم سورية ليست لديها قوة ذاتية تحمل النقد، فأصبحت هناك قوة إلزامية، وهذه القوة تتمثل في إجراءات المركزي والفريق الاقتصادي.
تشرين
إضافة تعليق جديد