معرض استعادي للفنان العالمي إدوار مونخ
لا يمكن ان يمر معرض لإدوار مونخ (1863 – 1944) من دون أن يترك اصداءه النقدية مثيراً كل مرة إشكالات فنية لا تستنفذ. ما اسباب استمرار أصالته التعبيرية والتي تحمل حساسية بلده النروج؟
معرضه الاستعادي في «بال» أُريد له ان يتفوق شمولية وتعددية على شتى معارضه السابقة التي كُرّم فيها سواء في باريس وميونيخ أو في بلده.
اجتمعت على جدرانه للمرة الأولى أكثر من 120 لوحة و60 محفورة طباعية جمعت من شتى المتاحف العالمية، ويستمر المعرض حتى منتصف تموز (يوليو) 2007.
بدأ مونخ بالمناظر الانطباعية عند بداية تدريبه في باريس ثم تحول الى الألوان الوحشية الفرنسية بنكهة شمالية باردة العواطف، ولكنه لم يصنع سكته التعبيرية والأسلوبية المحتدمة تحت قطاره الدرامي الخاص، إلا بعد معاناته العميقة لموت والدته على فراش المرض، تبعتها أخته على الفراش نفسه. في لوحاته يصور المسافة التي تفصله عن فراشهما، وكأنها مساحة حداد إنساني يعيشها مع المآسي العامة خصوصاً الحروب.
في كل مرة يصوّر فيها هذا المشهد الاحتضاري يبدو الفراش وشراشفه مثل أكفان تلف العالم بحزن قدري مظلم لا يفارقه مثل ظله. تحولت مع الأيام خرائط هذا التكوين الى صمت يسبق الفاجعة، حتى وصل الى لوحته «الصرخة» التي تعتبر (مع الجوكنده) من اشهر اللوحات التعبيرية العالمية.
تؤكد نصوص المعرض الاعتقاد بأن مونخ ابرز التعبيريين وأشدهم التحاماً بالملحمة الإنسانية المعاصرة. يتفوق على كافكاوية التعبيرية الألمانية وعلى زملاء مثل فان غوغ وسوتين. كُتب على أحد جدران العرض نص بليغ كتبه ادوار مونخ نفسه قبل لوحة «الصرخة»: «كنت أتسكع ذات مساء على امتداد طريق هائماً على وجهي، ثم وقفت وقد نالني الإعياء لأتأمل الزهور، وإذ بالسماء تغرب خلف سحب وغيوم مضرّجة بأحمر الشفق، فخلت العالم تضرج بالدماء. وتناهى الى سمعي ان العالم تفجر صراخاً خلف الدم المسفوح. ما كان مني عندما عدت الى المرسم إلا ان صورت هذه الصرخة التي لا يماثلها ألم متقرح، فبدا الشخص وكأنه ذاكرة هيكلي الملتاع منذ نعومة أظفاره».
بانت بعد ذلك عوالمه التشاؤمية حتى في لوحات ذات مواضيع حبوره مثل «الرقص» عام 1900 وحتى قبلها «المادونا» عام 1895.
تبدو شخوصه حاملة ضغط الوجود. تفوق في عزلة إحباطية تفصلها عن بقية الشخوص، ثم بدأت تقنيته الأدائية تستجيب الى هذا النداء القيامي المعذب، معتمداً على خدش السطوح وتدمير الأشكال، إذ نراها تتشوه مخبرياً قبل انفصام هيئتها العصابية. وأصبح الموت موضوعه المركزي ورفيق أنينه وشحوب أحواله اللونية. كثيراً ما تظهر امرأة ساحرة شيطانية كأنها رمز للموت والعدم.
أسلب بعض التعبيريين العرب اشكاله القاسية المفصولة بظلال حادة. واستعاروا نتائجها الوجودية المعاشة، لتنمسخ احياناً الى لوحات تطريبية سخية اللون، ولإغراء الذوق العام الاستهلاكي، وفي غفلة من الفقد المحلي الذي كثيراً ما يقنع بالنتائج من دون البحث في الأصول.
أسعد عرابي
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد