صراع مذهبي على مساجد العراق
حضرت الجوامع والمساجد في العراق بقوة في صوغ الأحداث التي شهدها البلد منذ الاحتلال الاميركي في نيسان (ابريل) 2003 خارجة بذلك من الاطار الديني المعهود لتدخل في إطار العمل السياسي والأمني، ونهضت بدور الادارة المحلية في الاشهر الاولى للاحتلال، بعد الفراغ في الإدارة وغياب أجهزة الجيش والشرطة، لتنتقل بعد ذلك الى تمثيل حالة الانتماء الطائفي، السني والشيعي، فخضعت المساجد لهذه المعادلة، حتى تفجر الوضع في سامراء، وفتحت بعده صفحة جديدة من الاقتتال الطائفي والعنف المذهبي لم تزل وتائرها مشتعلة وبرزت فيها المساجد والجوامع أدوات في ادارة الصراع، وتحولت، مع الاسف، الى «معسكرات» تضم جنود هذه «الطائفة» أو تلك، كما أصبح بعضها اماكن لتخزين السلاح، منها تستقى الفتاوى وتؤخذ النصائح، حتى اعتبرتها وزارة الدفاع الاميركية «خطراً لا بد من مواجهته».
بعد دخول القوات الاميركية الى العراق انهارت مؤسسات الدولة، الامنية منها والخدمية، بفعل منظم ومعدّ له مسبقاً وبرزت ظواهر غريبة على المجتمع العراقي، أدخلت البلاد في حالة فوضى لم تشهدها في تاريخها الحديث. وتعرضت هذه المؤسسات الى النهب والحرق إضافة الى القتل العشوائي من جانب «عصابات منظمة» و»غوغاء» مستغلين حالة الانفلات واتخاذ القوى المحتلة موقف المتفرج من الأمر تارة والمتعجب تارة اخرى. في ظل هذه الفوضى أخذت الجوامع والمساجد زمام المبادرة وهي تواجه فراغاً ساد مختلف مدن ومناطق العراق، وبدأت بإصدار الفتاوى والنصائح والتوجيهات «في حرمة الدم» و»عدم جواز المتاجرة بالسلاح والممتلكات المنهوبة»، حتى باتت بمثابة «مركز الادارة المحلية» يلجأ اليها الاهالي لحل مشكلاتهم وفض نزاعاتهم، واخذت على عاتقها ايضا جوانب خدمية وصحية، الا ان الامر لم يستمر طويلاً، حتى بدأت بوادر الاختلاف والتعارض والصراع تطفو على السطح.
وعلى رغم الجهود التي بذلتها القيادات الدينية الشيعية منها والسنية في تلك الفترة لوقف التجاوزات على الممتلكات العامة وتحريم القتل، إلا أنها لم تجد آذاناً صاغية، لتبدأ موجة من الاقتحامات للمساجد السنية من بعض المجموعات الشيعية معلنة عن بوادر انشقاق في وحدة الصف الديني.
ووقعت حوادث متفرقة تمثلت في مهاجمة مسلحين شيعة مساجد سنية بدعوى ان عدد المساجد الشيعية قليل قياساً الى انهم (الشيعة) يمثلون نحو ثلثي العراقيين، وتم الاستيلاء على أعداد كبيرة منها وتحويلها الى حسينيات. وبرر هؤلاء المسلحون عملهم بأن هناك مناطق في بغداد تسكنها غالبية شيعية ولا يوجد فيها مسجد شيعي واحد بسبب الحظر الذي يقولون انه كان مفروضاً عليهم من قبل النظام السابق.
ويتحدث الشيخ عبد السلام الكبيسي، الناطق باسم هيئة علماء المسملين لـ «الحياة» عن ذلك قائلاً: «لقد تعرضت مساجد سنية للاستيلاء من جانب أطراف من الشيعة في العاصمة بغداد، وباقي مناطق العراق ولا يزال معظمها تحت سيطرتهم»، مشدداً على ان «دعوى عدم وجود مساجد شيعية كافية لا يعالج بالاستيلاء على مساجد الغير وبالقوة»، متسائلاً: «لماذا لا يقومون ببناء مساجد جديدة؟ فهل ضاقت بهم الارض بما رحبت ولم يجدوا غير مساجد اخوانهم السنّة؟».
ومن بين ابرز حوادث النزاع على المساجد بين السنّة والشيعة قضية مسجد «ام المعارك» حين قامت مجموعة من الشيعة بالاستيلاء عليه وتحويل اسمه الى «مسجد ام البنين»، وهو ما رفضته الاطراف السنية بشدة وكادت ان تحدث مواجهة بين الطرفين بسبب ذلك، الا ان الامر حسم باعادته الى اهله شرط ان يطلق عليه اسم «ام القرى».
وبعد انتهاء الصراع على المساجد نتيجة التنسيق بين طرفي النزاع بدأت قوات الاحتلال الاميركية والقوات الحكومية عمليات اقتحام واسعة للجوامع والمساجد التي أصبحت ملاذاً للمسلحين ومخازن للأسلحة والاعتدة الحربية المستخدمة في ضرب القوات الأميركية، خصوصاً لدى اندلاع التمرد الذي قام به الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، معلناً عن تأسيس «جيش المهدي» وان هدفه هو اخراج المحتل من البلد. وبعد صدامات دامية بين الطرفين تكبدت خلالها القوات الاميركية الكثير من الخسائر المادية والمعنوية استطاعت وقف التمرد وحاصرت مرقد «الامام علي» في النجف، وكان مقتدى الصدر متحصناً فيه مع انصاره، ولم تتورع عن القيام بقصفه ، والشيء نفسه حدث مع الحملة العسكرية الاميركية لمدينة الفلوجة، إذ تم اقتحام عشرات المساجد في المدينة واعلان العثور على كميات من الأسلحة المتوسطة والخفيفة وحتى الثقيلة وقتل العديد من المسلحين داخلها، ما دفع وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) الى اصدار تقرير اشارت فيه الى ان المساجد والجوامع باتت ملاذاً للمسلحين في العراق، وبذلك فهي تمثل خطراً لا بد من وقفه. ولا تزال حادثة ما تعرض له مسجد شيعي شمال بغداد حاضرة في الاذهان حيث قامت القوات الاميركية بقتل (36) مواطناً بعد اقتحامها لحسينية المصطفى في منطقة حي اور، شمال بغداد، وتأكيد القوات الاميركية ان الاشخاص الموجودين في الداخل من المسلحين وليسوا مصلين.
ويروي الشيخ محمد جاسم السامرائي، خطيب وامام جامع الشكرة في منطقة الغزالية شمال غربي العاصمة، «ان كثيراً من المساجد تستخدم لأغراض مسلحة، والأمر لا يقتصر على أهل السنّة، وانما شمل الشيعة ايضاً». ويقول لـ «الحياة» ان الكثير من الجوامع اصبحت تستخدم كسجون ومعتقلات وأماكن لتخزين الأسلحة ومع ذلك يجب تفتيشها بطريقة لائقة وتخضع لضوابط محددة ففي كثير من الاحيان يدخل المسلحون في جامع لا علاقة لهم به وليسوا محسوبين على المنطقة، كما حدث مع جامع الشكرة اكثر من مرة».
ويتفق العديد من السياسيين والمراقبين ان تفجير قبة مرقدي الإمامين علي الهادي والحسن العسكري في سامراء في شباط (فبراير) من العام الماضي يمثل تاريخاً رسمياً لبداية الاقتتال الطائفي والعنف المذهبي في العراق.
ويذكر السامرائي انه عقب تفجير قبة المرقد الذي يعد من ابرز مزارات الشيعة، في مدينة سامراء السنية شهد العراق حرباً على المساجد شملت سلسلة اعتداءات على عشرات المساجد السنية في مختلف المناطق، وقامت جماعات ترتدي الزي الاسود باقتحام اكثر من مسجد، وزرع القنابل في محيطها لنسفها «ولم يستجيبوا لدعواتي لهم بالامتناع عن ذلك وتفكيرهم بمخافة الله بل أجابني احدهم «العين بالعين والسن بالسن والبادئ اظلم» ثم قاموا باضرام النار فيه».
وعلى رغم الإجراءات التي اتخذتها قوات الامن، وكذلك الدعوات التي اطلقها رجال الدين لكبح الاعتداء على المساجد والمواطنين السنّة الا ان جميعها باءت بالفشل لتؤكد جبهة التوافق، اكبر الكتل النيابية السنية، ان ما يزيد على مئة مسجد، اما تم احتلاله او احراقه او نسفه في بغداد، والبصرة، والديوانية، والناصرية.
ويشير حارث العبيدي ، القيادي في الجبهة، الى ان «الموقف البائس والمشين الذي اتخذته قوات الامن التابعة للحكومة وقيامها بدور المتفرج والتواطؤ مع الذين اعتدوا على المساجد ساهم في تأجيج الصراع بسبب طائفية هذه القوات» – على حد قوله.
ومع إطلاق خطة «فرض القانون» وما شهدته من تراجع نسبي في نشاطات الميليشيات والجماعات المسلحة شكلت لجان تعمل على اعادة الجوامع المغتصبة الى اهلها.
ويقول الشيخ الكبيسي: «ان 37 مسجداً اعيدت بالاتفاق مع مكتب الصدر الى أهل السنة، بينما بقي 40 مسجداً لا تصلح للصلاة بعد تدميرها».
ويشرح الشيخ محمود الصميدعي، خطيب وإمام جامع أبي حذيفة، ان «المساجد السنّية وحدها اغتصبت وطرد اهلها منها، واما قتل او امامها هجّر»، مشيراً الى ان «لا حقيقة لوجود حسينيات مغتصبة، لكن العديد من جوامع اهل السنّة مهجورة ومهدمة».
وعلى رغم ان بعض جوامع اهل السنّة اعيدت، كما يقـــول الصـــميدعي، ولكنه يتساءل: «ما الفائدة من اعادة المساجد في وقت يتم فيه تهجير الناس من أماكن سكناهم».
من جانبه يؤكد صالح الحيدري، رئيس ديوان الوقف الشيعي لـ «الحياة» ان ما يشاع «حول عدم وجود مساجد وحسينيات مغتصبة غير صحيح»، لافتاً الى ان هناك حالة عامة، فالاماكن التي يمثل الشيعة فيها اقلية من الطبيعي ان تكون مساجدهم مهجورة، والعكس بالعكس.
حسين علي
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد