متاجر “الأنتيكا” الدمشقية… رفاهية لا مكان لها في زمن الحرب
لم تعد هواية اقتناء التحف والشرقيات أمرا دارجا بين أوساط السوريين، سيما وأن أسعارها بلغت أرقاما مرتفعة قياسا بالظروف المعيشية السيئة التي جعلت منها رفاهية لا مكان لها في زمن الحرب.
تدني الإقبال على شراء قطع “الأنتيكا”، انعكس سلبا على تجارتها المنتشرة في دمشق القديمة، ما بين سوق ساروجا وباب توما وشارع الأمين، حتى إن بعض الباعة اضطروا خلال الأعوام الماضية لتغيير مهنتهم، بعد عزوف الزبائن واتجاه معظمهم نحو تأمين ضرورات الحياة اليومية.
يشرح “فؤاد محمد عزو”، تاجر الشرقيات في حي “طالع الفضة” بدمشق، بأن حركة البيع في الشارع المختص بالتحف المنزلية القديمة، أصبحت قليلة بسبب ظروف الحرب التي عاشتها البلاد، فمن سيهتم بالمرايا المذهبة وأطقم الصالونات المعتقة والثريات الشرقية في وقت يعاني فيه الأمرين ليكسب لقمة العيش.
كانت تجارة “الأنتيكا” والشرقيات تدر بملايين الدولارات قبل الحرب، وكان زبائنها الأساسيين من السياح، أما اليوم فلم تقتصر الأضرار التي لحقت بالمهنة الدمشقية على تراجع المهتمين بها، بل امتدت إلى مصادر البضاعة التي كانت تقتصر سابقا على ما يأتي من القصور القديمة والبيوت العريقة التي تمتلكها الأسر الثرية، وهؤلاء لا يفكرون في بيع تحفهم إلا في حالة الوفاة أو الميراث أو السفر.
يضيف عزو انه أفضل ألا أشتري ممن يعرض علي بضع قطع، أو من يظهر لي صورا في الموبايل التقطها لما لديه، على حد زعمه، لأن أغلب ما يعرض بهذين الأسلوبين مسروق وسيظهر أصحابه لاحقا، عدا عن قطع أثرية تعود ملكيتها لعموم السوريين، ربما يتم تهريبها خارج البلاد.
بموازاة هذا كله، كان على تجار الشرقيات اللجوء إلى مدخراتهم السابقة على مبدأ “خبي قرشك الأبيض ليومك الأسود”، وهو ما فعله معظم السوريين، مستفيدين أيضا مما أمكن بيعه على قلته.
في سوق ساروجا، وتحديدا في حارة “جوزة الحدبا” غير عدد من باعة الأنتيكا مهنتهم إلى كافيتريات ومقاه، بعد أن أصبحت الشرقيات خارج إطار الحياة العامة، وهو ما رفضه “عصام الكاتب” أحد تجار الأنتيكا والعاشقين لها كما يكرر.
يقول الكاتب: قبل الحرب كان الوضع جيدا حيث كان الباحثون عن التحف والنحاسيات وهواة جمعها من أبناء البلد كثرا، إضافة إلى السياح الأجانب اللذين لطالما أبهرتهم دمشق ونظام الحياة فيها، فكانوا يبحثون عن أدوات المعيشة التي استخدمها الأهالي قديما وتركت أثرها في يومياتهم مثل: طاسة الرعبة، جرن الكبة، الفوانيس، القبقاب وغيرها، لكننا في الحرب فقدنا السياح ولم يبق إلا الهواة من أبناء الشام، ونماذج قليلة من الجيل الجديد الراغب بالاطلاع على تراث أجداده، وما استخدموه من وسائل كالأسطوانات القديمة ومسجلات “البكرة” والكاسيت وما شابه.
خلال السنوات السابقة كان الكاتب يرفض التعامل مع البائعين الذين لا يعرفون كيفية استخدام القطع التي يريدون بيعها أو يطلبون سعرا لا يتناسب مع قيمتها. ولا زال يرفض حتى اليوم نصائح جيرانه بتحويل محله إلى مهنة أخرى تعينه على البقاء، ويوضح: “قررت العيش حسبما تفرض الظروف، المهنة تسير في عروقي ولا يمكنني تركها ببساطة، وأثق أنها ستستمر طالما أن محبي القطع القديمة والأنتيكا موجودون.
متابعات
إضافة تعليق جديد