حان وقت الغاز السوري
بأسرع مما هو متوقع، ستبدأ عمليات استكشاف الغاز في البر والجرف البحري السوريين الشهر القادم.
هذا الموعد الذي أعلنه وزير النفط قبل أيام، يمكن عدّه وفق لائحة الأهداف التي تقف وراء الحرب على سورية، أبرز عناوين فشلها وأبلغ مؤشرات إخفاقها في ضبط حسابات بيدرها عبر تقسيم حقلها.
بشكل رسمي، هي المرة الأولى التي تعلن فيها الحكومة جزئيا عن حجم ثروتنا الوطنية من الغاز الطبيعي قبالة الشواطئ السورية، وزير النفط وفي سياق إعلانه عن قرب مرحلة التنقيب البحري والبري، قدّر احتياطيات آبار شمال دمشق بـ20 مليار متر مكعب تكفي لسد احتياجاتنا خلال 3 سنوات، تبعا لمعدلات الاستهلاك الحالية، إلا أنه، حسب قاموس المفردات الذي استند إليه في بيانه عقب جلسة الحكومة الأسبوع الماضي، فهذه الاحتياطيات المعلنة لا تكاد تذكر قياسا بما لم يعلنه عن مخزونات الجرف البحري التي آثر التلميح بأنه «يكفي أن نعرف أنها منطقة مأمولة جداً».
من نافذة الغاز، ثمة ما يدعو «للتفاؤل جدا» حيال نهاية الحرب على سورية، بعض ملامح صراع الطاقة وممراتها في مياه المتوسط وجواره، إلى جانب بعض الزيارات (التجارية) الأوروبية اللافتة إلى سورية، تشير إلى أننا ولجنا مرحلة ما بعد الصراع المسلح على الطاقة وممراتها، حيث صراع الاتفاقات الدولية ذات الصلة.
على هامش (الحلول) العالمية التي يرجح أنها باتت قاب قوسين أو أدنى، هنالك ما يجب عمله على الصعيد المحلي، في الشق الطاقوي، يستوجب الأمر صياغة رؤية داخلية لمسارات استثمار هذه الثروة «المأمولة جداً».
بطبيعة الحال، هنالك التصدير التقليدي الذي تصطف عبره فيه ثرواتنا الغازية -مسبقا- ضمن جبهات صراع أشمل على الأسواق يتوقع أن تتزايد حدته مع ولادة الولايات المتحدة الأمريكية كأحد الموردين العالميين بالتزامن مع الانطفاء المتواتر للآبار الأوروبية، وتبدلات مستقبلية محتملة تنتظر الموردين التقليديين في الخليج العربي.
الواقعية تفرض الاعتراف بأننا لا نمتلك ذراعا طويلة لصياغة الموقف التجاري لثرواتنا الطاقوية خارج الحدود حيث تتزايد مصاعب التسويق بالفعل، وهذا الأمر يلقي بظلاله على تجارة الغاز والنفط السوريين جراء البيئة اللوجستية المحلية الضعيفة التي تتطلب توظيفا ضخما للاستثمارات فيما يسمى (أنشطة المنبع).
هذه البيئة المتربصة بتجارتنا الطاقوية المرتقبة خارجا، قد تشكل فرصة حقيقية لصياغة قنوات تسويق محلية تتمتع بالجاذبية التنموية لثروتنا الغازية (الواعدة جداً)، وكذا النفطية التي ترجح -بشكل متناسب- ضخامة احتياطياتها حتى وإن اقتصرت مخزوناتها على السوائل المصاحبة للغاز.
لحسن الحظ، تعمل الحكومة اليوم على مشروعين متصلين عضوياً بمستقبل الاستثمار الحكومي والخاص: أولهما قانون الاستثمار الجديد الذي تناقشه الحكومة حالياً، وثانيهما مشروع إصلاح القطاع العام الذي تجهد اللجان الحكومية في البحث عن عناوين ملطفة لمفرداته تقليصاً لوقعها الاجتماعي المتوقع.
لجهة قانون الاستثمار، فلربما يمكن استنساب فكرة تضمينه فقرات خاصة بتحفيز (ودعم) الصناعات النفطية على اعتبارها قاطرة انسيابية لمختلف أشكال ومطارح الاستثمار الأخرى، وخاصة أن البيئة السورية تستبطن معظم الاحتياجات التي يتطلبها هذا النوع من الصناعة بدءا بالتخصصات العلمية، إن حصل الأمر بطريقة مناسبة فإنه سيسهم بتحقيق قفزات نوعية كبيرة في إعادة الإعمار وفق ما تستحقه الجغرافيا السورية كحجر زاوية اقتصادي في منطقة الشرق الأوسط.
الأمر ذاته يسري على مشروع إصلاح القطاع العام الصناعي الذي بدأت تلوح على محياه علامات الإنهاك التنظيمي، حيث يمكن للثروات الطاقوية أن تلعب دوراً كبيراً في بلورة بعض جوانبه وتخفيف المنعكسات المحتملة لتطبيقه، عبر المضي قدما في تطوير الصناعات النفطية واللوجستية المرتكزة على خدمات الطاقة، وهذا الأمر ينسجم كليا مع المقترحات التي قدمتها هيئة تخطيط الدولة وشددت عبرها على تفرغ الاستثمار الحكومي للقطاعات الإستراتيجية.
فالصناعات البتروكيمياوية مثلا، وبعد وضع تصورات متماسكة لمستقبلها، يمكن أن تضمن للحكومة دوراً مديداً كلاعب أساسي في قطاع ذي أهمية بالغة ويؤسس لتنمية قدرتها على التوجيه الأعلى للاستثمار، كما يضع بين يديها مفاتيح حماية الاقتصاد الوطني من التقلبات المستقبلية المحتملة.
حل عصر الغاز، هذه الثروة التي منعت سورية، كما غيرها الكثير، من استخراجها لردح طويل من الزمن، ومن الآن فصاعداً سيكون لها أثر كبير في مستقبل الأجيال الحالية والقادمة، وعلى الحكومة الحالية أن تؤسس لذلك المستقبل بشكل جيد.
علي محمود هاشم
إضافة تعليق جديد