حملات أمنية مكثفة في اللاذقية
تشهد مدينة اللاذقية خلال هذه الأيام حملات أمنية مكثفة، وتدقيق وتفتيش بشكل كبير على مداخلها، وفي المناطق والأحياء الحيوية فيها، بحثاً عن أشخاص بعينهم، بالتزامن مع حل عدد من الفصائل الشعبية، التي كانت تقاتل إلى جانب الجيش السوري خلال السنوات الماضية. وتناقلت عشرات الصفحات والمواقع الإلكترونية أخباراً عن هذه الحملات، وسط تكهنات بأن تشمل معظم المتنفذين، خصوصاً الذين مارس «عناصرهم» أو هم بأنفسهم «الزعرنة» في شوارع اللاذقية خلال الفترة الماضية.
مصادر مطّلعة أوضحت أن ما يجري ليس حدثاً طارئاً، أو مجرد حملة عابرة ضد بعض المتنفذين فقط، وإنما هو جهد متكامل وعلى أعلى درجات التنسيق بين الأفرع الأمنية والشرطة، ضمن عمليات ضبط الأمن والقبض على المطلوبين، حيث تم ضبط عدة عصابات خلال الفترة الماضية، بينها عصابات لسرقة السيارات، وأخرى كانت تقوم بخطف مواطنين وطلب فدية.
وشهدت اللاذقية خلال الشهرين الماضيين عدة مشاجرات وحوادث إطلاق نار، بينها قيام أحد المتنفذين بالتهجم على محل لبيع الدخان بسيارته، وقيام آخر بفتح النار في الهواء بعد أن سقطت تفاحة على سيارته من أحد الأبنية. إضافة إلى حوادث واشتباكات أخرى كحادثة إطلاق نار على عنصرين في الشرطة، وإصابة ضابط أيضاً خلال مقاومة دوريات كانت تقوم بعملية القبض على مطلوبين.
ولاحظ سكان مدينة اللاذقية تناقص عدد السيارات التي كانت تسير دون لوحة (نمرة) في شوارع المدينة، إضافة إلى تناقص عدد مواكب السيارات «المفيمة» التي تسير دون لوحات ويقودها عناصر أو شبان لا ينتمون إلى أي قطاع حكومي، التي كانت تجوب الشوارع خلال فترات المساء، وفي الليل، خصوصاً في الأحياء الحيوية، كحي الأميركان، والزراعة ومشروع الأوقاف.
وكثفت الجهات الأمنية والشرطة دورياتها ضمن الأحياء الحيوية، حيث تجري عمليات تفتيش دقيقة، ومصادرة سيارات دون لوحات أياً كانت تبعيتها، الأمر الذي قوبل بارتياح شعبي كبير.
ولم تتوقف الحملات الأمنية عند حدود مدينة اللاذقية التي جرى تكثيف حضور الدوريات في مداخلها، بل طالت مناطق ريفية بعيدة عن مركز المدينة، وقرى اشتهرت خلال الفترة الماضية بعمليات سرقة السيارات، وخطف مواطنين وطلب فدية. الأمر الذي رفع نسبة التفاؤل في المجتمع بالقضاء على هذه الظواهر نهائياً.
30 مطلوباً… وشائعات
أعاق عمليات البحث التي قمنا بها حول حقيقة هوية الشخصيات التي تستهدفها الحملة،والتأكد من هوية المطلوبين، خصوصاً المتنفذين، أو الشخصيات المشهورة في اللاذقية تكتماً أمنياً كبيراً أحيط بالحملة ، رغم ذلك، ذكرت مصادر مطلعة أن قوائم المطلوبين تضم نحو 30 اسماً لشخصيات نافذة، معظمهم قاموا بتسليم أنفسهم، في حين تجري عمليات البحث عن الباقين.
وأرجعت بعض المصادر سبب هذا التكتم إلى «حساسية هذا الملف» من جهة، وإلى الإشراف المباشر على الحملة من قبل «القيادة في دمشق التي ترغب بإنهاء هذه المظاهر»، وفق المصادر، التي أضافت: «العمليات تشمل مصادرة أسلحة وآليات، إضافة إلى عناصر متورطين بقضايا فساد».
كذلك، طالت الحملة شخصيات تورطت في عمليات تهريب مواد وإدخالها إلى سورية، وآخرون تورطوا في عمليات تهريب مطلوبين، مستترين بمكانتهم ونفوذهم.
التكتم الذي يرافق العملية، والسرية في بعض جوانب هذه الحملات، أفسحت المجال لانتشار شائعات عديدة، بين من قام بإضافة أسماء لشخصيات مشهورة في اللاذقية إلى قائمة المطلوبين، وبين آخرين تناقلوا أخباراً عن توقيف شخصيات معروفة، الأمر الذي نفته المصادر، والتي أكدت أن الحملات مازالت مستمرة، إلا أن معظم ما يتم تناقله غير صحيح، ويدخل في مضمار «الحسابات الشخصية بين من يقومون بنشر هذه الأخبار والشخصيات التي تستهدفها هذه الأخبار».
الشارع ينتظر النتائج
وعلى الرغم من التفاؤل السائد في الشارع اللاذقاني، إلا أن هناك حالة شكّ تشوب هذا التفاؤل، بانتظار ما ستؤول إليه هذه الحملات، خصوصاً أن هذا النوع من الحملات ليس جديداً، حيث شهدت اللاذقية خلال السنوات الماضية عدة حملات، وعمليات توقيف لشخصيات نافذة، إضافة إلى الحملات المتواترة التي شهدتها المدينة ضد السيارات المفيمة، والتي تسير دون «نمرة» إلا أن الأوضاع كانت تعود لسابق عهدها مع نهاية كل حملة، وفي كل مرة يتم فيها ضبط مسيئين، يظهر مسيؤون جدد.
المهندس وابن مدينة اللاذقية أيهم محمود رأى أنه «في منطقة الشرق كلها وفي سورية ذات التركيبة المعقدة اجتماعياً وسياسياً لا يعكس الشكل الظاهر للأحداث طبيعتها الحقيقية، ربما تعلمنا في زمن الخيبات الطويل أن نتريث دائماً وننتظر قليلاً قبل الحكم على الأحداث المحيطة بنا، نحن جيل الحماسة والاندفاع. ونحن أيضاً جيل الخيبات المرّة القاسية، القضايا متشابكة ومتداخلة وخاصة في اللاذقية، وتشكل مشهداً معقداً يصعب تفكيكه بإجراءات بسيطة أو بمجرد حملة شاهدنا منها الكثير خلال حياتنا، ولم تصل على المدى الطويل سوى لإجراءات ملطفة مخففة للأعراض الحادة أخفت الحالة المرضية لفترات زمنية معينة فقط، المشكلة الحقيقية لها قاعدة شعبية واسعة تربط بين النفوذ والقوة وبين القدرة على اختراق القانون، لذلك هناك سباق دائم لخرق القانون بدلاً من احترامه بوصف الأمر أسلوباً لقياس النفوذ، بين المتنافسين على صدارة المشهد الاجتماعي والسياسي، المشكلة عموماً في الدرجة الأولى ثقافية، وفي الدرجة الثانية اقتصادية تتعلق بمصالح ضخمة للغاية يصعب تفكيكها بمجرد حملة».
يتابع المهندس محمود «جميع الحملات في فترة الحرب انتهت إلى نتائج غير مرضية، بالعكس زادت الفوضى وزادت حالات اختراق القانون، يكفي النظر إلى أرصفة اللاذقية لنرى أنه لا يوجد مكان لاستخدامها، فقد أصبحت مواقف سيارات والأطفال والمارة يمشون في الشارع هذه حالة بسيطة جداً ويجب أن يكون حلها غير معقد، لكن في الواقع لا يوجد سبيل لحلها في مدينة اللاذقية، هو صراع نفوذ حاد، من يستغل الرصيف كلياً وكأنه ملكية خاصة له، أو يعرقل السير، أو يخرق القانون يفعل ذلك لإظهار حجم القوة والهيبة التي يمتلكها. وبالنظر إلى حجم الاختراقات البسيطة وتعدادها نرى أن الجميع هنا قد أصبح لهم نفوذ هائل أو الصحيح، أن هناك تراجعا مؤسفا وخطيرا في قوة الجهة التي يجب أن تضبط مثل هذه الأمور».
وعن الحلول المطلوبة فعلياً لهذا الواقع، يرى المهندس محمود أن «كل شيء ليس له علاقة بالمسكنات وخافضات الحرارة والتوتر، فالمسكنات تحجب المرض وتبعا لذلك تؤدي إلى تفاقمه وتعاظمه من دون أعراضٍ حادةٍ واضحة منذرة بالخطر، ربما الاعتراف بحجم المشكلة وتسليط الضوء عليها بمنطق الطبيب لا بمنطق الفكر الأمني والعقابي هو ما يمكن أن يصل إلى نتيجة ما».
يتابع المهندس محمود: «هذه المنطقة تعاني، على عكس المُتخيل العام، من الإهمال الاقتصادي وتحتاج إلى مشاريع تنموية واجتماعية عميقة ومؤثرة تنقل، التنافس من قناة خرق القانون إلى قناة العمل المنتج الذي يغير الأحوال الاقتصادية والاجتماعية السيئة، التي تنبت في تربتها أنواع العنف والحاجة إلى إثبات الوجود»، ويضيف: «بالنسبة إلي وكموقف شخصي لست متفائلاً، أفضّل التريث والنظر للمشهد العام بهدوء، بعيداً عن الغرق في زحمة التفاصيل وضجيجها، النظر للتفاصيل الصغيرة يشتت الانتباه بحركاتها السريعة وتقلباتها الكبيرة، بينما المشهد العام تكون حركته أبطأ بكثير وأكثر منطقية وترابطاً، وحتى الآن لا توجد تغيرات حادة في المشهد العام لمدينة اللاذقية».
نبيل صالح: المطلوب أكبر من مجرد حملات
بدوره، يرى الكاتب والبرلماني نبيل صالح أن ما يجري حتى الآن مجرد «استهلاك إعلامي ليس أكثر»، موضحاً أن «جميع الحملات المماثلة السابقة انتهت إلى لا شيء»، وقال: «المواطن ما بقا ينضحك عليه»، مضيفاً أن المطلوب فعلياً هو «تحجيم نفوذ أمراء الحرب والأثرياء الجدد».
البرلماني وابن اللاذقية وخلال حديثه تساءل عن مجموعة من العوامل التي إن وجدت ستكون هذه الحملات قد أدت غرضها، وقال «هل تحسنت أوضاع المواطنين المعيشية؟! هل تمت معاقبة القضاة الفاسدين؟! هل تمت معاقبة الشرطي المرتشي؟! هل أصبح ابن المناطق الريفية يستطيع التنقل والوصول إلى المدينة ليلاً من دون خوف؟!»، وتابع: «المطلوب أكبر من مجرد حملات، المطلوب هو حركة إصلاح شاملة، تشمل جميع القطاعات، تحسّن الرواتب وتعاقب الفاسدين والمرتشين، المطلوب فعلياً هو نظام كامل وشامل ينهي المشاكل من جذورها، ليس مجرد مسكنّات ملّها الشعب، لا تسمن ولا تغني من جوع». رغم ذلك، يرى صالح أن هذه الخطوة إن كانت جدية فعلاً فهي مباركة بكل تأكيد، إلا أنها يجب أن لا تكون مجرد خطوة فقط، وإنما يجب أن تتبعها خطوات إصلاحية فعلاً، تعيد الأمور إلى نصابها، وتنهي هذه الأوضاع من جذورها».
وبين متفائل بهذه الحملات ومشكّك من جهة، والشائعات التي يجري تداولها من جهة أخرى، يراقب سكان اللاذقية الدوريات الأمنية التي تجوب الشوارع، والحواجز المقامة على مداخل المدينة، وعمليات التفتيش الدقيقة التي تطال الجميع. أحد المواطنين علّق قائلاً: «قام عناصر الحاجز بتفتيش سيارتي وسيارة فارهة كانت بجانبي، ربما هذه من المرات القليلة التي أرى فيها عمليات التفتيش تطال الجميع من دون أن تقفز تلك السيارة ومثيلاتها أمامي وتتجاوز الحاجز، شعرت بسعادة كبيرة، شعرت بأننا جميعاً مواطنون تحت كنف قانون يشملنا، ولا يستثني أحدا»، وتابع: «شعرت بهيبة الدولة فوق الجميع، ربما يكون الموقف هذا صغيرا، ولكنه أسعدني وأسعد كل من كان حولي، ولكن سعادتنا الحقيقة ستكون عندما تنتهي هذه الحملات ونرى انتهاء مظاهر «الزعرنة» التي يمارسها البعض، وانتهاء مظاهر السيارات «المفيمة» التي تسير من دون نمرة في الشوارع، ونأمل أن يكون هذا اليوم قريبا».
كذلك، ينتظر سكان اللاذقية توسيع نطاق هذه الحملات الأمنية لتشمل كل من يحمل سلاحاً، أو يملكه من غير رخصة، لتخليص المدينة من المظاهر المسلحة التي أثقلت كاهلها خلال السنوات الماضية، خصوصاً بعد أن شهدت المدينة عدداً كبيراً من حوادث إطلاق النار، والمشاجرات التي استعملت فيها القنابل، لتخليص المدينة من هذه المظاهر وتستأصل هذا «السرطان» بشكل يعيد اللاذقية إلى المكانة التي تستحق أن تكون فيها كقبلة للسياحة.
علاء حلبي- الأيام
إضافة تعليق جديد