هل أعطى الرئيس الأسد إشارة الاستعداد لمقاومة القوات الأميركية؟
لم يكن جديداً مضمون ما ادلى به بالامس الرئيس الاسد لقناة “روسيا اليوم”، فالخطوط العامة لاستراتيجية الدولة السورية بقيت ثابتة خلال كامل فترة الحرب عليها، والتي تمحورت حول الصمود والقتال والدفاع والتضحية والثبات وعدم التنازل، بالتواكب الدائم مع فتح أبواب التفاوض والتسويات للوصول الى حل سياسي لا يتجاوز سيادة الدولة.
الجديد في مضمون ما تطرق له الرئيس الأسد هو أولاً: التحذير الجدي للقوات الاميركية المتواجدة على الارض السورية بطريقة غير مشروعة بالانسحاب، وإلاّ مقاومتها ومواجهتها عسكريا، وثانيا: التصويب على ان المشكلة التي أصبحت الآن تعيق استكمال سيطرة الدولة على كامل الجغرافيا، هي الميليشيات الكردية المنتشرة في شرق وشمال شرق سوريا، والتي يجب أن تُحّل بالتفاوض، بشكل ايضا يحفظ السيادة السورية، والا سيكون الحل عبر العمل العسكري.
قد يتبادر لأي متابع للميدان السوري حاليا السؤال، لماذا حدد الرئيس السوري المشكلة بالتواجد الكردي شرق وشمال شرق سوريا، وبارتباط هذا التواجد مع الاحتلال الاميركي لتلك المناطق؟ في الوقت الذي ما زال هناك مناطق ليست بسيطة خارجة عن سلطة الدولة ، في إدلب الكبرى (ادلب مع قسم من ارياف حماه وحلب واللاذقية)، وفي الجنوب، في بعض المناطق التابعة لارياف درعا والقنيطرة، فما المعطيات الميدانية والاستراتيجية الخاصة بكل من المناطق الثلاث، في ادلب الكبرى، في الجنوب وفي شمال وشمال شرق سوريا، والتي حددت الابعاد الحقيقية لكلام الرئيس الاسد؟
في الجنوب السوري
من الواضح أن تحرير ما تبقى من الجنوب السوري أصبح تحصيل حاصل، فعسكريا وميدانيا، يبدو من التحضيرات التي استكملها الجيش العربي السوري على ابواب الجنوب، ان تحرير تلك المنطقة هو واقع لا محال، وجميع المعطيات التي أصبح يملكها هذا الجيش هي الان كافية لتحقيق ذلك، الامر الذي دفع بالمعنيين من أطراف اقليميين أو دوليين الذهاب نحو مخرج استراتيجي قادته روسيا، يقضي بتسليم هؤلاء الأطراف بحتمية انتشار الجيش السوري، واعادة العمل على جبهة الجولان المحتل بقواعد الاشتباك الدولية السابقة المحددة بالهدنة وخط وقف النار بعد حرب 1973، وبمقتضيات القانون الدولي على الحدود والمعابر بين سوريا والاردن تبعا لما هو معترف به من الدولتين .
في ادلب الكبرى
لا شك ان مقررات مؤتمر استانة، التي رعتها روسيا وايران وتركيا، ووافقت عليها الدولة السورية، من خفض تصعيد وفصل المجموعات الارهابية عن المعتدلة و السير بالحوار السياسي، هي التي تطبع الوضع في ادلب الكبرى بشكل عام، وحيث فرضت القدرة العسكرية والميدانية الاخيرة للجيش العربي السوري نفسها على تلك الجبهة بمواجهة ادلب الكبرى، خاصة بعد الانتصارات الصاعقة في كامل ارياف العاصمة، وفي ارياف حمص وحماه، يبدو ان الاتراك اقتنعوا أخيراً بتنفيذ ما التزموا به لناحية الفصل بين الارهابيين والمسلحين المعتدلين، ولناحية تحضير الارضية الامنية والميدانية للتفاوض، الامر الذي يسحب حاليا من اجندة الجيش العربي السوري موضوع تحرير تلك المنطقة عسكريا، بانتظار ان تفي تركيا بما التزمت به، والا، فان الجهود والقدرات العسكرية لهذا الجيش جاهزة لمعركة التحرير شمالا، وهذا ما زال اساسيا ضمن استراتيجية الدولة الثابتة.
في شرق وشمال شرق سوريا
ربما هنا بيت القصيد في مضمون كلام الرئيس الاسد لقناة “روسيا اليوم”، إن كان لناحية القوات الكردية بمختلف أسمائها أو توجهاتها، او لناحية الاميركيين المحتلين.
– لناحية الأكراد: لديهم طريقان لا ثالث لهما، كما يُفهَم من كلام الرئيس الاسد، الاول طريق التفاوض مع الاخذ بعين الاعتبار لكل مطلب قانوني ومحق لا يتجاوز سيادة الدولة وكرامتها، و الانخراط بمنظومتها مثل سائر المكونات السورية، والطريق الثاني عبر العمل العسكري والامني لانهاء حالة التمرد والخروج عن القانون وعن المؤسسات الشرعية.
– لناحية الاميركيين: أولا هم قوات احتلال بامتياز، وثانياً هم خارج مقررات مؤتمر استانة وغير ملتزمين به، وتواجدهم الميداني والعسكري والامني والمخابراتي في الشرق والشمال الشرقي السوري، ضمنا في قاعدة التنف ايضاً، هو حتى الان ثابت ولا يؤشر لامكانية انسحابهم القريبة ، بمعزل عن قرار الرئيس ترامب السابق حول هذا الانسحاب، والذي من الممكن انه قد تملّص منه، شأنه شأن العديد من قراراته المتسرعة الاخيرة، وقد حدد الرئيس الاسد النظرة السورية الرسمية لهذا التواجد غير الشرعي، مذكراً اياهم بخروجهم غير المتوازن من العراق عن طريق مقاومتهم، وواضعا أمامهم وبكل وضوح طريق المواجهة العسكرية المباشرة في سوريا، لان الطبيعة والتاريخ والقانون الدولي يفرض ذلك، إضافة للالتزام الرسمي بتحرير كامل الجغرافيا السورية مهما كلف الامر.
انطلاقا مما سبق، حيث ميّز الرئيس الاسد بكلامه الاخير للقناة الروسية، بين المناطق الثلاث التي ما زالت خارج سيطرة الدولة ، إذ إبتعد عن الاشارة الى الجنوب وعن ادلب الكبرى، كون المنطقتان تخضعان حاليا لمناورة اقليمية دولية مركبة ، ديبلوماسياً وميدانياً ، يقودها الروس وبرعاية ايرانية وتركية واردنية، ومن المنتظر ان تؤدي الى تحرير المنطقتين وسلوك الحل السياسي فيها ، وحيث ركّز على شمال وشمال شرق سوريا حيث الاحتلال الاميركي، محددا مناورة الدولة الواضحة في تلك المنطقة، يبدو أنه أعطى الاشارة الاولى للاستعداد للمواجهة العسكرية ضد الاكراد الانفصاليين، والتحضير لانطلاق عمليات المقاومة ضد القوات الاميركية والغربية غير الشرعية في سوريا.
شارل أبي نادر
إضافة تعليق جديد