10-03-2018
حرب ترامب التجارية: خسارة لأميركا وحلفائها؟
يصرّ ترامب على تنفيذ سياساته الحمائية عبر فرض ضرائب جمركية تضرّ حلفاءه التجاريين و«أعداءه»، ويرفض النظر إلى كمية وافرة من المعلومات التي تشير إلى مضار خطوة كهذه على الولايات المتحدة قبل غيرها
أثار قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فجر أمس، بفرض ضرائب جمركية على واردات الحديد (25%) والألمنيوم (10%)، وغيرهما، إضافة إلى قوله إنّ «الحروب التجارية» سهلة الخوض، ردوداً سريعة من قبل الصين والاتحاد الأوروبي. جاء رد الصين على لسان وزير خارجيتها، يي وانغ، الذي حذّر من اضطرار بلاده إلى «الإقدام على ردّ ضروري ومبرر»، من دون توضيح طبيعة الرد. ورأى وانغ أنه في إطار العولمة، لا يمكن للحرب التجارية أن تكون الخيار الصائب، بل ستعود بأضرار «على البادئ بها». ومن جهته، قال رئيس المجلس الأوروبي دونالد تاسك إن «الحقيقة هي (في) أن الحروب التجارية سيئة، ومن السهل خسارتها».
وفي حال أقدمت الولايات المتحدة على فرض هذه الضرائب، فقد تتعرض آلاف الوظائف في الاتحاد الأوروبي للخطر، وفق ما أشارت إليه المفوّض التجاري سيسيليا مالمستروم.
وفي حين أنّ الصين التي لن تتأثر مباشرةً بهذه الضرائب لم توضح تفاصيل ردها، حذّر الاتحاد الأوروبي مباشرةً بأنه سيرد بفرض ضرائب جمركية بنسبة 25% على ما يساوي حوالى 3.5 مليارات دولار من البضائع الأميركية. وسيستهدف الاتحاد، بحسب وكالة «بلومبرغ»، علامات تجارية شهيرة تُنتج في ولايات تابعة لحزب «الجمهوريين»، من المنتجات الاستهلاكية، والزراعية، وفي صناعة الحديد. في المقابل، حذّر ترامب من أنه في حال قام الأوروبيون بذلك، فسوف يفرض ضريبة بنسبة 25% على السيارات الأوروبية المستوردة.
وتنقل «بلومبرغ» أنّ الصين تبحث في فرض ضرائب على تشكيلة من وارداتها الأميركية، أهمها فول الصويا والذرة. ولكن في الواقع، لن يعود القرار الأميركي بذاته بضرر حقيقي على الصين، إذ وفق الاقتصادية في «بنك التعمير الصيني» لي كوي، لا تزيد الصادرات الصينية من الحديد والألمنيوم على 3% من مجموع صادراتها، ولا تشكل الوجهة الأميركية سوى نسبة قليلة. لذلك، ما يُغضب الصينيين هو كون هذه الضرائب، في إطار تنويه ترامب لحرب تجارية، مجرد بداية لصراع يريد ترامب لأميركا أن تخوضه مع الصين.
ومن المتوقع، وفق «فايننشل تايمز»، أن تقوم الولايات المتحدة بفرض سلسلة من الضرائب الجمركية الإضافية، إلى جانب فرض قيود استثمارية تستهدف الصين مباشرةً، وذلك بعد انتهائها من التحقيق الذي أطلقته العام الماضي حيال «ممارسات الصين في مجال الملكية الفكرية». إضافةً إلى ذلك، تبحث إدارة ترامب، عبر لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة، في سنّ تشريعات تحدّ من قدرة الصين على شراء شركات أميركية في قطاعات استراتيجية، كالذكاء الاصطناعي والروبوتات، أو الاستثمار فيها. وستتمكن اللجنة من منع أيّ شراكة في استثمارات خارج الولايات المتحدة، كالتي تسمح للصين بنقل تقنيات إعادة إنتاج التكنولوجيا الصادرة عن هذه الشركات إليها.
تبعات «الحرب»
ليست الصين مجرد ثاني أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة، بل هي أيضاً أهم صانعي الوظائف لها. تشير الأرقام إلى أنّه من شأن حرب تجارية أنّ تُفقِدَ أميركا ملايين الوظائف. وفي هذا الصدد، تلفت «فايننشل تايمز» إلى أنّه في حال بدّلت الصين من استخدام طائرات «بوينغ» بطائرات «إيرباص»، فسيؤدي ذلك إلى فقدان الولايات المتحدة حوالى 179 ألف وظيفة. أما في حال تخفيضها استخدام خدمات الأعمال الأميركية، فستفقد الولايات المتحدة 85 ألف وظيفة. وفي حال توقفت الصين عن استيراد فول الصويا من أميركا، فقد تفقد ولايتا ميزوري وميسيسيبي حوالى 10% من الوظائف المحلية.
في عام 2017، وصل حجم صادرات الولايات المتحدة إلى الصين إلى حوالى 130.369 مليار دولار، في حين وصلت صادرات الصين إليها حوالى 505.597 مليارات دولار، أي بفارق 375.227 مليار دولار (عجز تجاري للولايات المتحدة). أغلب واردات أميركا من الصين هي سلع استهلاكية، أهمها الكمبيوترات، والهواتف، والملابس، والألعاب، ما يعني أنه في حال قامت واشنطن بفرض ضرائب جمركية على الواردات الصينية، فسيقع الأثر على المستهلك الأميركي عبر ارتفاع أسعار السلع.
ديفيد فيكلينغ يشير في «بلومبرغ» إلى أنّه لن يكون من السهل على التجّار الأميركيين استبدال هذه السلع، إذ إنّ قيمة الواردات الصينية في كلّ قطاع من قطاعات الاستهلاك الأميركية كانت تساوي في عام 2016 ما يُقارب 5 مليارات دولار (علماً بأنّ الصادرات الصينية تساوي حوالى ثلث واردات الولايات المتحدة من حيث القيمة). وإذا كان الحل هو في أن تُعوِّض الصناعة المحلية عن النقص، فإن فرص نجاح ذلك ضئيلة جداً. ويلفت فيكلينغ إلى أنّ حجم القوى العاملة في مجال إنتاج الملابس انخفض حوالى 90% منذ عام 1990، و40% في مجال صناعة الإلكترونيات. هذا فضلاً عن أنّ الشركات الصناعية غالباً ما تبحث عن أسواق تُوفِّر لها يداً عاملة أرخص، ومن المستبعد أن تقرر هذه الشركات العودة إلى الولايات المتحدة في ظلّ وجود أسواق آسيوية توفّر يداً عاملة ذات أجور ضئيلة جداً وحقوق أقل.
في المقابل، تستورد الصين «المنتجات الوسيطة» من الولايات المتحدة، أهمها فول الصويا، والطائرات، والسيارات، والبلاستيك، وسيقع عبء فرض ضرائب جمركية على المُنتِجين، ولن يصل إلى المواطنين بحكم قدرة الدولة على الحدّ من التداعيات.
ويجب ألّا نتجاهل كون الصين تعمل على طرح نفسها بديلاً تجارياً للولايات المتحدة التي فقدت دورها في لعب دور مستورد جميع الفوائض الإنتاجية لشركائها التجاريين منذ أزمة 2008. وقد تُشكِّلُ عدائية ترامب، للجميع، والحاجة إلى البحث عن بديل، أسساً مناسبة لتقرّب شركاء الولايات المتحدة التجاريين (الذين يفقدون ثقتهم بها تدريجاً) من الصين.
المصدر: ناصر الأمين - الأخبار
إضافة تعليق جديد