انتبه للحيطان..
الجمل ـ روعة الكنج: أنظر إلى الطاولات الشاغرة حولي في المقهى، أرى ذات الوجه و ذات الانزواء إلى الحائط، يكاد الحائط يستند إلى صاحبه لا العكس. لا غرابة في هذا، إذ يتحول الكثير من البشر إلى حيطان دون أن يدروا ذلك، يتحول الكثير من البشر إلى كلاب دون أن يدروا ذلك ، و قد يتحولون أيضا إلى حمير أو خرفان أو أفاعي أو كراس أو حاويات قمامة بل و إلى قمامة و دون أن يعوا ما بلغ بهم الأمر. و إذا ما سألتموني عن رأيي في هذا لقلت أنه لا بأس، لا بأس في هذا على الإطلاق شريطة أمرين. أولهما، أن يعي أحدهم ما بلغ به الأمر، و ثانيهما، أن يجيد حلته و دوره الجديد بما فيه الكفاية. فإذا ما استحال إلى كلب، كان لزاما عليه أن يجيد العواء، و إذا ما استحال حمارا، كان لزاما عليه أن يجيد النهيق، و إذا ما استحال الى قمامة، كان لزاما عليه أن يكون مهترئا كفاية ليكون جاهزا لإعادة التدوير، و إذا ما استحال إلى جثة كان عليه أن يجيد الموت. و أما إذا استحال حائطا فعليه أن يكون حائطا صلبا ثابتا يشبه هذا " الحيط" الذي أمامي. إذ لم يحركه اشتباك رجلين في مدخل المقهى، لم يحركه عكاز سبعيني إلى جوارنا و لا رجاء إحداهن لبعض المال
أنا أيضا لم يحركني لا هذا و لا ذاك. أنا أيضا حيط. و إذا ما سألتموني عن رأيي في ذلك، لقلت، لا بأس .. لا بأس على الإطلاق، شريطة أمرين. أن أعي ذلك جيدا، و أن أجيد أن أكون حيطا صلبا، ثابتا ، لا مائعا ، لا لزجا و لا مهزوزا، لا يحركه حمق و لا تفزعه نار ولا تخضه إثارة ولا يهزه رجاء أو شفقة. و إذا ما سألتكم عن رأيكم في ذلك، لقلتم، لا يجوز ... لا يجوز على الإطلاق! ثم ما الذي يجوز؟ أن تأخذنا شؤون غيرنا؟ انفعالاتهم ؟ معتقداتهم؟ قناعاتهم العاطفية؟ حاجاتهم؟ و باسم ماذا نرفع ما يخص الآخر لمرتبة أعلى مما يخصنا؟
باسم الشهامة و الفروسية أم باسم الشفقة؟ و اذا ما سألتموني عن رايي في ذلك لقلت: باسم الشفقة،و هي مسألة مختلفة تماما عن الشهامة و الفروسية اذ ليس لهما ذات المنشأ ولا ذَات الطبيعة و لا ذات النتيجة حتى ، فبينما تعني الاخيرة الشجاعة و الأقدام و تدل على العظيم من الأفعال و الأمور و النفوس، تعني الشفقة الخوف، و يقع الخوف هنا على من يرتكب "جرم" الشفقة أكثر ممن يتلقفها. و ان دلت فهي لن تدل الا على الرداءة و الضعف و الهوان، هي جرم حقير لا يرتكبه الفارس بحق نفسه بالدرجة الاولى، لذا يبقى الفارس فارسا شهما. يبقى حيطا، صلبا، ثابتا، سيدا، لا تأخذه انفعالات الآخرين ولا حاجاتهم باسم الشفقة، فلا يعيق نموه الروحي و المعرفي هذا أو ذاك ، لا يقض سموه هذا الازدحام ،،، و إذا سألتموني عن رأيي في ذلك لقلت، دعك من هذا و ذاك، دعك من الازدحام، و من القرود التي تتنطط من حولك. سر طليق الرأس و الفؤاد و الروح ، كن فارسا لا مشفقاً فشافقاٍ، كن حيطا، كن حيطا، شريطة أمرين: أن تعي ما بلغ بك الامر، و أن تجيده بما فيه الكفاية...
إضافة تعليق جديد