في إسكان حمص.. تزوير وتلاعب ومحاولات سرقة أكثر من نصف مليار ليرة.. إحـالة 10 مهندسين ومتعهد إلى التحقيــق بجرائم سرقة المال العام وتعاطي الرشوة
يقول الخبر, بحسب الوثيقة التي حصلت «تشرين» على نسخة منها: إن النائب العام أحال 10 موظفين بصفة مهندسين يعملون في فرع المؤسسة العامة للإسكان في محافظة حمص ومعهم متعهد إلى قاضي التحقيق لإجراء التحقيقات بشأن الجرائم المنسوبة إليهم من سرقة للمال العام وتعاطي الرشوة، وذلك على خلفية عقود تخص تنفيذ مشاريع سكنية في فرع المؤسسة المذكور.
وبحسب ملف القضية الذي حصلت عليه «تشرين» بكامل وثائقه الرسمية، فإن تلك العقود تبلغ قيمتها مئات الملايين، كانت نائمة في مستودعات فرع المؤسسة العامة للإسكان في محافظة حمص، تعود لمتعهدين سابقين لم يكملوا تنفيذها، وقد تم سحب الأعمال منهم بموجب الأمر الإداري رقم /1507/غ تاريخ /13/10/2015 ليفوز متعهد آخر بمناقصات هذه العقود، علماً أن مستودعات هذه العقود مليئة بالمواد المسدد ثمنها من قبل المؤسسة وتجاوزت أسعارها المليار ليرة اليوم نتيجة الغلاء.
ولم يكن أمر إيقاظ هذه العقود وإعادة العمل بها أمراً مستغرباً، فهي تخص بناءين سكنيين كان لابد من إنجازهما، رغم أن التريث بهما من قبل المؤسسة مدة سنتين انعكس على الأسعار وصار لزاماً أن تتحمل المؤسسة الزيادة الكبيرة في قيمة التنفيذ التي سيحمل في النهاية على سعر المسكن، إلا أن ما حدث من مجريات ووقوعات في مراحل ما بعد حصول المتعهد على مناقصات هذه العقود يبدو أكثر أهمية من مسألة الأسعار، وتستحق التوقف عندها وربما التدقيق فيها.
بداية مثيرة
تبدأ القصة بقيام مدير فرع الإسكان في حمص بتشكيل لجان لجرد مستودعات العقود الثلاثة بموجب الأمر الإداري رقم /15/آ تاريخ 19/2/2017 بناءً على مقترح مقدم من رئيس قسم الدراسات المهندس «و.ع» من دون مستند قانوني أو تفويض بالاقتراح، مع العلم أن هذه المهمة تقع على عاتق قسم التنفيذ، وبالفعل شكلت لجان الجرد وضمت في عضويتها ثلاث مهندسات من قسم الدراسات، وجميعهن من المهندسات الجدد، إذ قامت اللجان بالتوقيع على محاضر الجرد للمشاريع المذكورة، التي قام رئيس قسم الدراسات بالتوقيع عليها بصفة مشاهدة بشكل لا يوضح أحقيته القانونية بهذا التوقيع، مع ملاحظة غياب أسماء بعض أعضاء اللجنة في بعض المحاضر ووجودها في أخرى كالمراقب الفني «ر.أ» والمراقب الفني «م.ا» وذلك حسبما هو مثبت في الوثائق التي تحمل الأرقام 1741/و.د – /1742/و.د – /1743/و.د تاريخ /28/2/2017.
ولأن العقود الثلاثة التي حصل عليها المتعهد وهي /816/ك و /817/ك و /1408/ك بحاجة إلى جهاز إشراف على التنفيذ، فقد أصدر مدير الفرع المهندس «إ.ج» قراراً نصّب فيه رئيس قسم الدراسات رئيساً لجهاز الإشراف، علماً أن مدير الفرع غير مفوض بتشكيل مجموعة إشراف استناداً للتفويضات الممنوحة له، ورغم ذلك شكلت اللجنة وتضمنت في عضويتها المهندس «ج.ع» المسجل بحقه إنذار بسبب اختلاس في بند (دهان طرش) في عقد إصلاحات للشركة العامة للبناء والتعمير بقيمة 900 ألف ليرة بحسب الكتاب رقم /402/21/1 تاريخ /26/1/2016، والمهندسة «س.ش»، وبعد ذلك تم رفد المهندس «م.خ» بجهاز الإشراف بناءً على كتاب موجه من رئيس قسم الدراسات، لينضم إليه فيما بعد المهندس «م.د» ويحل محل المهندسة «ب.خ» التي رفضت التوقيع على محاضر إتلاف أعدت مسبقاً للتغطية على أمر ما، والغريب أن رئيس قسم الدراسات هو من قام بالدراسة وإعداد الجرود والأضابير التنفيذية والكميات لهذه المشاريع وكُلف بالإشراف على تنفيذها بما لا ينسجم مع القوانين النافذة بهذا الخصوص.
صرف كشوفات خلافاً للعقد
وبعد انتهاء أعمال الجرد تم تسليم المتعهد موقع العمل والبدء بتاريخ /28/2/2017 وبتاريخ /14/3/2017 تم صرف كشف شهري للعقدين /817/ك و/816/ك بما يتعارض مع شروط العقد التي تنص على صرف قيمة الأعمال ضمن كشوف شهرية، وبقيمة تتجاوز 65 مليون ليرة، وليس نصف شهرية مع ملاحظة أنه في كشف العقد رقم /817/ك وبالتحديد البندان /18 – 19/ تم صرف 14040 متر دهان طرش بلاستيك على أربعة وجوه، و 19440 متراً مربعاً على أربعة وجوه، أي إن المتعهد قام بهذه الأعمال خلال 14 يوماً فقط، وبالتدقيق في الكشوف نجد أن من قام بالتوقيع عليها ثلاثة مهندسين من أعضاء جهاز الإشراف المذكور أعلاه، وهم «ز.ح» و «ج.ع» إضافة إلى رئيس الجهاز «و.ع» ما يطرح علامات استفهام كثيرة حول عدم الأخذ في الحسبان أو إهمال تواقيع بقية أعضاء جهاز الإشراف المكلف، في ظل عدم وجود نص قانوني ضمن قانون العقود رقم «51» يجيز تجاهل بقية أعضاء الجهاز، وهذا الأمر تجيب عنه جداول التخريبات والأضرار بالنسبة لكمية مادة الدهان المجرودة، فعلى سبيل المثال، في الوثيقة رقم /1742/و.د تاريخ /28/2/2017 يتضح أن الأضرار والتخريبات في المشروع 21.6مليون ليرة، هـــذا في محضـــر واحد لعقد واحــد، فكيف بالنسبة لبقية محاضر العقود الأصخرى…؟
تلاعب بسجل الديوان
ورغم ذلك تم تنبيه مدير الفرع ورئيس قسم الدراسات إلى ضرورة توقيع بقية أعضاء جهاز الإشراف على الكشوف، ولكن ردة الفعل كانت بطلب رقم في دفاتر الديوان العام يكون تاريخه قبل تسليم موقع العمل، أي قبل تاريخ /28/2/2017، فتم شطب سجلات الديوان على الرقم /1722/و.د تاريخ /27/2/2017 التي كانت تخص كتاب خالد حسام الدنيل بخصوص دفتر سكن بدل منته ليصبح الرقم المشطوب /1722/و.د خاص بتوزيع عناصر مجموعة الإشراف.
نصف مليار ليرة
ولدى مراجعة رئيس قسم التنفيذ المهندس «و.ش» لمحاضر الجرد القديمة التي أجريت بعد سحب الأعمال للعقود الثلاثة التي تثبتها الكتب ذوات الأرقام /6231/و.د/ تاريخ /2/11/2015/ – /30/ص تاريخ /5/1/2016/ – /431/و.د تاريخ /28/1/2016 ومقارنتها بمحاضر عمليات الجرد التي أجراها رئيس قسم الدراسات المهندس «و.ع» بموجب الوثائق التي تحمل الأرقام /1741/و.د – /1742/و.د – /1743/و.د تاريخ /28/2/2017 فقد كشف عن كميات من المواد التي تم إخفاؤها في محاضر الجرد الجديدة التي تصل قيمتها إلى نصف مليار ليرة.
اختراق الأرشيف
وفي محاولة لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، طلب رئيس قسم التنفيذ من المهندس «و.ع» أن يصحح ما تم التلاعب به تحت طائلة وضع المدير العام للمؤسسة بصورة ما حدث، لكن المهندس «و.ع» قام بفعل العكس عبر إجراء تعديلات على محضر الجرد القديم للعقد /1408/ك للعمارتين /66 – 67/ واستبدل الصفحتين الأخيرتين ووقّع عن المراقب الفني «ز.ع» لأنه يمتلك مفتاح الأرشيف في الفرع, وهذا أيضاً يثير التساؤل!! ثم أبلغ بعدها رئيس قسم التنفيذ المهندس «و.ش» بأنه أعاد كل شيء كما كان، إلا أن إضبارة المشاريع الثلاثة في الأرشيف كشفت العكس، وبدوره قام رئيس قسم التنفيذ بإبلاغ المدير العام للمؤسسة بما حدث.
رفض مواد غير مسلمة
حلقات هذا المسلسل لم تتوقف عند حدِّ إبلاغ المدير العام للمؤسسة، فقد كشفت وثائق أن المتعهد نظم كتاباً رفض فيه استلام مادة «حصيرة الأباجورات» وليس معروفاً إذا جاء هذا الرفض بطلب من رئيس قسم الدراسات – رئيس مجموعة الإشراف المهندس «و.ع» أم لا، ولكن الأخير ومعه المهندس «ج.ع» صاحب الإنذار وبحسب الوثائق، قاما بتنظيم جدول يتضمن 30 مادة ادّعيا فيه أن المتعهد رفضها في الكتاب رقم /3304/و.د تاريخ /27/4/2017.. ولدى التدقيق في محاضر الجرد الجديدة تبين أن المتعهد رفض مواد لم يقم باستلامها، وهي: 43 طن حديد من مختلف الأقطار، 18 متراً طولياً نعل رخام درج، 497 متراً طولياً نعل سيراميك، 300 متر مربع سيراميك جدران و134 خزان مازوت، إلى جانب 164 خزان مياه، 2000 متر مربــــــع سيراميك جـــدران، و 100 متر مربع خشب سويد إذ إن المتعهد لم يستلم سوى 50 متراً فكيف يعيد 100 متر، كذلك لم يستلم سوى 90 حصيرة أباجور نوافذ فكيف يعيد 165، كما أنه لم يستلم أياً من مادة التيب القاسي فكيف يعيد 20 ربطة، مع الإشارة إلى أن هذه المواد موزعة على العقود الثلاثة /816/ك – /817/ك – /1408/ك، وهذا إن دل فإنه دليل قاطع وبالوثائق على أن محاولات للتلاعب جرت على محاضر الجرد في العقود السابقة.
اختفاء 2700 غالون دهان
يضاف إلى ذلك كله، أن لجان الجرد لم تلحظ وجود 2700 غالون دهان منتهية الصلاحية للعقد /1408/ك، وهو ما يثبته الكتاب رقم /236/ص تاريخ /21/1/2016 والمفترض أن تسلم إلى المؤسسة عن طريق لجنة فنية تحدد مدى صلاحيتها وتقوم لجنة أخرى بإتلافها، وما يثير الشك والريبة أن هذه الغالونات اختفت من العقد المذكور، مع التأكيد أن المؤسسة العامة للإسكان دفعت ثمنها للمتعهد السابق، ولكن الكارثة الكبرى التي كشفت عنها الوثائق تتمثل بالفرق الواضح بين عمليات الجرد السابقة والجديدة لبعض البنود التي بلغت قيمتها حوالي 165 مليون ليرة، وحوالي نصف مليار ليرة لو أضيفت إليها قيمة الأضرار والتخريبات الوهمية للعقود الثلاثة.
مكافأة متوقعة
وبدلاً من إحالة المسائل المثارة في هذا الملف إلى الجهات الرقابية، فقد صدر قرار مدير عام المؤسسة ذو الرقم /7177/ك تاريخ /7/6/2017 المتضمن استبدال المهندس «و.ش» رئيس قسم التنفيذ وهو مــن اكتشـف الفــروقـات بين محاضر الجرد القديمة والجديدة بمهندس آخر «أ.س» الذي يحمل اختصاص هندسة كهرباء في خطوة غير واضحة استند فيها مدير عام المؤسسة إلى كتاب مدير فرع حمص الذي يحمل الرقم /2002/ تاريخ /25/5/2017.
تأجيل كارثي
وأخيراً لابد من الإشارة إلى أن الأضابير التنفيذية للعقود الثلاثة المذكورة تم إعدادها وإرسالها إلى الإدارة العامة للمؤسسة منتصف العام 2015، وتم التريث بها وتأجيلها مدة لا تقل عن عامين، حيث أصبحت أسعار اليد العاملة والمواد والمحروقات مرتفعة جداً وستعكس زيادات كبيرة في قيمة التنفيذ وتالياً ستؤدي إلى ارتفاع أسعار المساكن، إذا ما علمنا أن سعر المتر في 2016 سجل 53 ألف ليرة أي إن سعر الشقة حوالي مليونين ومئتي ألف ليرة، بينما في 2017 ارتفع سعر المتر نتيجة الوقوعات الحاصلة إلى 72 ألف ليرة، ليصبح سعر الشقة 8 ملايين ليرة، فمن يتحمل المسؤولية، المواطن أم المؤسسة…؟
ابراهيم غيبور - تشرين
إضافة تعليق جديد