انهيار في أسعار البيض…وخسائر المربين بمئات الملايين
لعله ليس بالجديد أن تتكرر معاناة منتجي المحاصيل الزراعية النباتية والحيوانية نتيجة غياب خطط حكومية لتصريف منتجاتهم، وفي كل عام ومنذ عقود، ما أن تخفت صيحات منتجي الحمضيات حتى تعلو صرخات منتجي البندورة، وما إن تتلاشى آمالهم بالحلول الحكومية حتى ترتفع أصوات استغاثات منتجي البيض ولحم الفروج…. وكأن لسان حال الجهات المعنية يقول: «دبروا راسكن»!!.
منذ بداية العام بدأت اسعار بيض المائدة بالارتفاع حيث لامس سعر مبيع طبق البيض للمستهلك نهاية العام الماضي عتبة الـــــ / 1750 / ليرة سورية في ظاهرة استنكرها كثير من المستهلكين وقد عزا المختصون ذلك الى توقف عدد كبير من المداجن عن العمل لأسباب باتت معروفة للجميع، وفي مقدمتها الوضع الأمني في مناطق الإنتاج، وبعض المعوقات الإدارية والتنظيمية المتعلقة بقطاع الدواجن، ولكن في الآونة الأخيرة بدأت أسعار مبيع البيض للمستهلك بالتراجع بشكل حاد إلى أن بلغ سعر مبيع طبق البيض أرض المدجنة قرابة الـ/600/ ليرة سورية.
وأسعار مبيع الصحن الآن ما يقارب ألف ليرة سورية، سعر يناسب المستهلك وترك انطباعاً مريحاً بعد الفورة السعرية التي وصل إليها خلال الأشهر الماضية، وحسبما قال المواطن عبد السلام: نتمنى أن تبقى أسعار البيض هكذا فهي مناسبة نوعاً ما إلى الوضع المعيشي الصعب وضعف الدخول، على عكس ما يؤكده البعض من المربين بأن الأسعار لا تتناسب مع التكاليف.
وفي توضيح للواقع أكد المهندس عبد الرحمن قرنفلة الخبير في الإنتاج الحيواني أن الواقع الراهن لمنتجي بيض المائدة مؤلم جداً حيث يتعرضون لخسائر مالية ضخمة، ففي حين يبلغ سعر مبيع طبق البيض حوالي /600/ ليرة سورية فإن تكلفته الفعلية تتجاوز الــ/1050 / أي أن خسارة المربي الذي يقوم بتربية 10000 فرخة بياضة ويحقق معدلات إنتاجية مرتفعة ولا يعاني قطيعه أي مشكلات إنتاجية أو صحية تتجاوز خسارته يومياً /121000 / ليرة سورية وبرقم آخر فإن خسارة القطيع الناتجة عن تدهور سعر مبيع البيض فقط في حال استمرت الأسعار على حالها تقدر بحوالي /43 مليون ليرة سورية.
إضافة إلى فوات الربح وخسارة العائد على رأس المال، وهو رقم كبير جداً بالنسبة للمربين الذين يملكون بنية اقتصادية هشة.
وأضاف قرنفلة: عقب ارتفاع أسعار مبيع بيض المائدة خلال نهاية العام الفائت بادرت وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي إلى تحليل الأسباب واتخاذ خطوات تنفيذية ساهمت بمعالجة كثير من معوقات الإنتاج، وكان لانتصارات الجيش العربي السوري وإعادته الكثير من المناطق الريفية إلى حضن الوطن دور مهم في رجوع عدد كبير من المنتجين إلى حلقات الإنتاج مدفوعين بالأسعار المرتفعة لمبيع البيض والتسهيلات التي قدمتها وزارة الزراعة، هذا الواقع أدى إلى زيادة إنتاجية كبيرة وزيادة حجم المعروض من المادة في السوق في ظل ضعف القوة الشرائية للمواطنين لكون أسعار مستلزمات المعيشة إجمالاً تستنزف الكثير من الموارد المالية للأسرة.
واللافت أن الجهات المعنية بالتسويق لم تبادر إلى اتخاذ أي إجراء لإنقاذ المربين من الخسائر الكبيرة، ما يؤكد ان وزارات الدولة تعمل من دون أي تنسيق بينها لأن المنطق يفترض ان إجراءات وزارة الزراعة التي شجعت المربين إلى العودة لحلقات الإنتاج تؤشر إلى حدوث زيادات إنتاجية وأن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك واتحاد المصدرين السوري قد التقطا تلك الإشارة ووضعا خططاً مبكرة لاستيعاب حجم الإنتاج المتوقع وفتح نوافذ تسويقية والحيلولة دون إلحاق خسائر بالمربين تقود إلى توقف معظمهم عن الإنتاج وإعادة الحلقة بارتفاع الأسعار مرة ثانية، فالمعاناة المزمنة في تسويق المحاصيل والمنتجات الزراعية تؤكد غياب التنسيق والدور التكاملي بين وزارات الدولة ومؤسساتها وغياب الرؤية العلمية للتعامل مع أزمات الإنتاج سواء كانت ناتجة عن زيادات إنتاجية أو عن تراجع بحجم الإنتاج، وكذلك غياب برامج التنبؤ بحالة السوق والإنذار المبكر عن حالات الإنتاج.
إن معالجة واقع أزمات فوائض إنتاج بيض المائدة تتطلب حزمة من الإجراءات تتعاون فيها كل الجهات الحكومية.
وفي مقدمة تلك الإجراءات فتح أسواق خارجية مستقرة لتصريف تلك الفوائض، ووفق برامج زمنية دقيقة، وتشجيع إقامة المصانع المتخصصة بإنتاج منتجات تعتمد على بيض المائدة كمادة أولية مثل الصناعات الغذائية والدوائية والكيميائية وإقامة مصانع لإنتاج البيض السائل المبستر والمجمد والبيض المجفف على هيئة بودرة وهي عملية مطابقة لعمليات إنتاج الحليب المجفف من حيث المبدأ ومنتشرة في كثير من دول العالم المتقدمة ما يجنب السوق اضطرابات الأسعار ويعطي قيمة مضافة للعملية الإنتاجية عبر تنوع شكل الإنتاج وفتح أفق للتجارة العالمية لمادة البيض السوري.
المصدر : تشرين
إضافة تعليق جديد