عن نهايات «داعش» في سوريا
هل نستطيع القول إن انحسار نفوذ تنظيم «داعش» وتراجعه عسكرياً، سوف يشكل بداية لتراجع تأثير العقل العقائدي الإلغائي، وإن تأثير البُعد التاريخي للفكر الأحادي المحمول على غير فصيل إسلامي تكفيري، سيتلاشى بعد القضاء على «داعش» ومثيلاته من الحركات التكفيرية.
هذا في وقت بات فيه واضحاً، أن الفكر الأحادي لا ينحصر على الحركات الإسلامية، بل يتجاوزها إلى سلطات سياسية قهرية، وأطراف أخرى سياسية معارضة. وقولنا هذا لا يندرج في إطار التقليل من مخاطر ممارسات «داعش» وأقرانه، للإرهاب المتعدد الأبعاد والمستويات والأشكال، وكذلك من ضرورة القضاء عليها. فهي تحولت إلى خطر يهدد استقرار دول ومجتمعات متعددة، وتستخدم عبر آليات وأدوات مختلفة، القوة العارية لتشويه التاريخ والذاكرة، واجتثاث جذور الفكر العقلاني والمنطق. إضافة إلى اشتغالها على قهر الإنسان وهدره، والقضاء على التنوع الثقافي وحوامله الاجتماعية السياسية والثقافية والأيديولوجية. ويتجلّى ذلك في إطار صراع محمول على مفاعيل ذاتية، وأخرى خارجية. وكلاهما يقوم بدور وظيفي يساهم من خلاله بتحطيم مجتمعاتنا وإعادتها إلى ما قبل التاريخ. ويندرج في إطار «العقل الداعشي»، كافة آليات الاشتغال السياسية والثقافية والعقائدية القهرية التي تستهدف منذ عقود، بذور وتجليات الفكر العقلاني. ويدلل ذلك على أن طي صفحة «داعش» لا يعني تجاوز جذور وجوهر وبنية العقل العقائدي الأحادي، وبالتالي آليات التفكير والاشتغال الإقصائي. ما يعني أن اجتثاث جذور مظاهر العنف والاستقطاب الرائج يتطلب إضافة إلى محاربة التطرف والإرهاب، العمل على وضع الأسس اللازمة لبناء ثقافة المواطنة، كونها تشكل مدخلاً إلى التعددية. وكلاهما، أي محاربة التطرف، وبناء ثقافة المواطنة، يُعتبر بوابة للديموقراطية. هذا إضافة إلى العمل على وضع سياسيات اقتصادية يتم من خلالها تجاوز أسباب الإفقار وسياساته.
كونها تشكِّل أحد أسباب الاحتقان الاجتماعي الذي تعمل قوى التطرف على توظيفه عقائدياً.
في السياق، كانت تجليات التمسك بأيديولوجيات عقائدية مفرطة بالأنوية الأحادية القهرية والتدميرية، من قبل بعض الأطراف وتحديداً «داعش» ومن يدور في فلكه، واضحة من خلال إبادتها للآخر المختلف، أياً تكن هويته العرقية والدينية والمذهبية. ولذلك أسباب إشكالية تتعلق ببنية الوعي الثقافية. وعليه فإن ما تحمله «الظاهرة الداعشية» من تناقضات بنيوية وتجليات قهرية، يكشف عن علاقة ترابط إشكالية بين طبيعتها وبنيتها الذهنية من جهة، وبين طبيعة وبنية العقل الأحادي، من جهة أخرى، دون إغفال الدور المهم الذي لعبه ذلك العقل في تاريخنا القديم والمعاصر. هذا الترابط بات يشكِّل أحد أخطر ملامح الصراع الذي يهيمن على بعض مجتمعاتنا، فيما تتجاهل البقية الباقية من الدول العربية ومجتمعاتها، ما قد يمكنها العمل عليه لتلافي السقوط في مطب التدمير الذاتي، الذي يشكِّل أحد سمات اللحظة الراهنة، ومدخلاً إلى تصدُّع بنية الدولة والمجتمع. ويتجلى ذلك عبر تحويل جوهر التناقض وأشكال تجليّاته، من مستوياته السياسية وأسبابه الاجتماعية والاقتصادية، إلى صراعات مذهبية وطائفية، تساهم في إعادة رسم تفاصيل مجتمعاتنا وهوياتها السياسية، وصولاً إلى الخرائط الجيوسياسية.
من جانب آخر، تحوَّل الصراع بين الأطراف والقوى الوظيفية ـ الرئيسية منها والثانوية ـ إلى «بلدوزر» يطحن كل ما يأتي في طريقه. وهذا ما يكشف عن جوهر العقل الأحادي الإلغائي الذي نشأ نتيجة تقاطع عوامل ذاتية داخلية مع عوامل أخرى خارجية. ولذلك أسباب بنيوية تاريخية، انعكست موضوعياً على بنية المجتمع وآليات التفكير وأشكال تجليات الوعي، وأيضاً على طبيعة النظام السياسية وبنيته، وجميعها أسباب تساهم في تفكك الدول المركزية، وتمزيق مكوناتها الاجتماعية.
وبالنظر إلى طبيعة الصراع والمشاركين فيه، يتضح أننا نقف على عتبة تحولات كارثية تُنذر بتفكيك بنية وتركيبة وطبيعة مجتمعاتنا الثقافية والسياسية والاقتصادية. هذا في وقت يصعب فيه، حتى اللحظة، تحديد المآلات النهائية للصراع، ليبقى الخوف الأكبر من أن يقبض موروثنا، القهري منه والاستلابي، على تلابيب المستقبل.
معتز حيسو
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد