القوات السورية على مسافة 7 كلم من حقل الشاعر
سخونة الجبهات على امتداد الجبهات السورية، وسخونة المشهد الاقتصادي الذي تأزم في الفترة الأخيرة في الداخل السوري، والاهتمام الروسي بتصدير الانتصارات على تنظيم «داعش» إلى العالم الذي يراقب عن كثب كل تفاصيل الشأن السوري، ومحاولة «داعش»، الذي جرّ أذيال الخيبة مؤخراً بعد خسارة تدمر والقريتين في ريف حمص، تحقيق مكاسب حيوية على الأرض، جعلت من حقل الشاعر في ريف حمص الشرقي نقطة حساسة في المشهد الميداني السوري في الفترة الأخيرة.
وعلى طول الطريق الصحراوي الموحش والطويل، الذي يبدأ من مفرق «جحار» وصولاً الى شارع حقل الشاعر، المشهد العام واحد، حيث لا يمكن أن تقع العين، كيفما شاح النظر إلا على تلال جرداء ذات تضاريس صعبة. ومن الصحيح أن المناطق الجبلية الخضراء تسهّل اختباء القناصين وحركة الكمائن والاشتباكات القريبة، أي أن المعارك فيها تكون أصعب من البادية المفتوحة المكشوفة، إلا أن مجاري السيول في البادية تحولت إلى خنادق في الصحراء المنبسطة، وأنفاق في بعض المواقع.
ومن المنطقي أن يكون للتلال المرتفعة الحاكمة نارياً لكامل الرقعة الجغرافية المحيطة بها أهمية استراتيجية، لأن المنطقة مكشوفة ومفتوحة، لكن الواقع يفرض معادلة مختلفة، فهذه التلال المرتفعة ليس لها أي قيمة من ناحية الاستطلاع والإسناد الناري، ما لم يكن طقس البادية صافياً ويساعد في الرؤية جيداً، وهو ما يبرر سبب الكر والفر وتبادل عملية السيطرة بين الجيش السوري و «داعش» على حقول النفط والغاز في البادية، بالرغم من أن التحصّن في المرتفعات وتثبيت نقاط الرصد يشكل أولوية للمسيطر على الأرض. وإدراك الظرف الجوي الملائم لشن الهجوم يشكّل عنصراً رئيسياً في المعركة.
وبين لحظةٍ وأخرى في المسير الصحراوي ينقلب سكون المشهد العام على طول الطريق إلى حالة مختلفة تماماً عند الوصول إلى أولى النقاط قرب حقل الشاعر: لا نهاية للأرتال العسكرية الضخمة التي حضرتها قيادة العمليات في المنطقة، من قوات الجيش السوري والقوى المؤازرة من «صقور الصحراء»، و «نسور الزوبعة» التابعة لـ «الحزب السوري القومي الاجتماعي»، و «الدفاع الشعبي».
وفي النسق الثالث، تشرف غرف العمليات الميدانية على توزيع المقاتلين على التلال وعمليات التدشيم والتفخيخ، بالإضافة إلى تجهيز الطعام والمياه وكل مستلزمات التثبيت والهجوم. ويضفي الطقس والحرارة المرتفعة والجفاف بثقل كبيرٍ على مهام المختصين بالإمداد، فلا مجال للخطأ هنا، فطبيعة الموقع القتالي لا تسمح بحدوث أي نقص.
أما القوات الروسية، البعيدة كل البعد عن هذا المناخ الصعب، فيبدو أن تعليمات قيادتها صارمة في المشاركة في العمليات في هذه المنطقة. وتشير وجوه المقاتلين، المصبوغة بحمرة شمس البادية السورية، إلى انشغالهم بتفاصيل الجبهة، حيث يحضر القادة والخبراء على المرتفعات والتلال بتجهيزاتهم المتطورة، فيما ينشغل المقاتلون في إعداد مرابض المدفعية وراجمات الصواريخ، وهو السلاح الأهم في هذه المعركة. بصوتٍ متدرجٍ يترفع هدير الطيران الحربي الذي يشق غيوم السماء فوق قوافل القوات المتجهة إلى الخط الأول.
نصف الحلقة التي فرضتها القوات السورية للإطباق على حقل الشاعر اكتملت. «الدواعش» الذين استشعروا الخطر يمطرون المتقدمين بصواريخهم وقذائفهم. وطرفا المعركة، الرئيسيان، هما المدفعية والصواريخ من جهة الجيش السوري وقواته الرديفة والمساندة له، وقذائف الهاون التي لا تتوقف من جهة حقل الشاعر والتلال المحيطة به التي يقبض عناصر «داعش» على مرتفعاتها.
هذه الجولة النارية قسمت ظهر «الدواعش». يبتسم القادة السوريون والروس عندما يقول أحد ضباط الاستطلاع، على الخط الأول عبر جهازه اللاسلكي، إن «الوحدات المؤللة وصلت إلى نقاط الخط الثاني وأنزلت مشاتها للتحرّك باتجاه الحقل. وبذلك يكون الطوق العسكري قد اكتمل، وحقل الشاعر بات على مسافة سبعة كيلومترات من الاتجاهات الثلاثة: تلال السنم - الباردة - الصوان».
قائد عسكري مشرف على المحاور يقول، بعد استماعه لشرح المستجدات من القادة الميدانيين، «اليوم أصبح زمام المبادرة بيدنا. مسألة اقتحام حقل الشاعر الآن هي مسألة وقتٍ يحسب على عقارب ساعاتنا».
سيف عمر الفرا
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد