عن شيوخ الرواية المكتوبة بالعربية
صديقي العزيز:
1
لمن هذه الـ400 صفحة من الكلام والحكي، أو لمن هذه الـ200 صفحة، أو هذه الـ150 صفحة من السرد الروائي كما تسمونها أنتم الروائيين؟ من أين سيأتي السوريون أو العراقيون أو اليمنيون أو الليبيون، أي سكان هذه البلدان المنكوبة بتآمر الغرب والغربان عليها، بالوقت للقراءة، أو بالنقود لشراء رواياتكم العالمية هذه؟
هل تعلم أن العراق كان أكبر سوق لاستهلاك الكتاب باعتراف أغلب الناشرين، واليوم صار أكبر سوق لاستهلاك السلاح باعتراف أغلب تجار السلاح. وقد تسبقه سورية قليلاً أو كثيراً.....
كأنك لم تعد مؤمناً بالكتب ونشرها، كأنك أصبحت في خبر كان... كأنك أصبحت صديقاً للعدم. الحياة يجب أن تستمر بقراء وبدون قراء، بمثقفين وبدون مثقفين، بمدارس وبدون مدارس....
2
أزعم، والواقع هو الدليل، أن الرواية للمجتمعات الآمنة والمستقرة، للمجتمعات القارئة، للمجتمعات الثرية بالمال والوقت وليست لمجتمعات مضهطدة وفقيرة، أمية، بدوية ومتنقلة بالرضا أو بالقوة كالمجتمعات العربية. (ملايين العراقيين والسوريين والليبيين واليمنيين خارج أوطانهم اليوم بالقوة وملايين أخرى من بلدان أخرى بالرضا).
3
روائي طويل وعريض، ومهرجانات ودعوات، وفي ظهره كما يقال عشرات الروايات، وعشرات البحوث في نقد الرواية، ولا يعرف أن يترجم قصة قصيرة عن الإنكليزية مثلاً، والله عيب... والله شيء مخجل.. والأنكى من ذلك أنه يملأ رواياته بالحديث عن الروائيين العالميين...
والغريب أكثر أن الأعمال الروائية العالمية المشهورة لم تعرف طريقها إلى العربية على يد روائيين بل على يد مترجمين محترفين.. سؤال برسم روائيينا الأبطال؟
على عكس الروائيين العرب الأميين والكسالى، لانكاد نقع على شاعر عربي حديث إلا وله باع طويل في ترجمة الشعر الأجنبي إلى لغته العربية. جميع الأعمال الشعرية العالمية قام بنقلها إلى العربية، وعن لغتها الأم في غالب الأحيان، الشعراء العرب أنفسهم.... وهذه ظاهرة أشرت إليها مراراً باعتزاز.
4
طبعة أولى، وثانية، وثالثة، ورابعة ووووو... لكن قل لنا يا بطل الرواية، ويا روائي الروائيين وأميرهم، كم نسخة من كل طبعة؟ وكم يوماً أو شهراً أو سنة بقيت كل طبعة في السوق، يعني متى وكيف نفدت، أم لعل هذا أيضاً من أسرار الكتابة الروائية؟.
من حقنا نحن القراء المساكين أن نعرف، تقريباً تقريباً وليس أكثر، كم نسخة طبعت من أعمال أمير الروائيين العرب نجيب محفوظ على مدى هذه السنين... أقول أمير الروائيين على وزن أمير الشعراء، والغريب أن التسمية الشائعة هي: شيخ الرواية العربية.... وشيخ الرواية السورية... وشيخ الرواية العراقية.... شيوخ الرواية العربية وأمراء الشعر....
هذا كلام للنقاش الجدي والحقيقي، وليس للنيل من أحد.... ثم إن الرواية العربية اليوم تلعب دور الدين، والدين الظلامي تحديداً، في التعتيم على مجتمعات أمية، متعصبة، مغلقة، حين تحصر المشكلة كلها في نظام سياسي وفي مجموعة من الأشخاص، حين تبقى على السطح، حين لا تغوص إلى الجذور البعيدة والقريبة، حين يكتب الروائي عمله بغاية الانتقام والثأر، وحين لا يرى أبعد من مشكلاته الفردية.... وحين..
على فكرة وبهذا الصدد، إن نظرة سريعة على السيرة الشخصية، والحياة الداخلية لكل روائي عربي، ذكوراً وإناثاً، ستكشف عن مدى الانفصام الذي يعانون منه: في الرواية، وعلى الورق، ستجد حرية وعدالة، ومساواة، وقيم أخلاقية إنسانية على آخر موضة، وستجد كرماً من طراز رفيع، ستجد نفسك في أرقى المدن الفاضلة وأكثر... لكن في الواقع الواقعي، وفي الحياة اليومية، ستقع على شخص بخيل لم يسمع به حتى الجاحظ، وعلى طاغية لم تلده امرأة بعد، وعلى شخص طائفي، مذهبي، وعائلي، يحرص بشدة على الزواج بين الأقرباء أو من الطائفة نفسها والمذهب نفسه، وأكثر ما يتجلى هذا لدى اليساريين أو دعاة اليسار.
محمد عضيمة: النهضة
إضافة تعليق جديد