إسرائيل تندب الاتفاق النووي: جاهزون لهجوم عسكري
الغرب عموماً، وأميركا خصوصاً، فرحون لإبرام الاتفاق النووي مع إيران، والذين يرون أنه كفيل بمنع القنبلة النووية الإيرانية، ولكن إسرائيل حزينة.
ولا ينبع حزن إسرائيل جوهرياً من واقع إبرام الاتفاق بقدر ما ينبع من إحساسها بالعزلة الدولية جراء عجزها عن منع إبرامه. فقد ثبت أن للعالم الغربي مصالح يمكن أن تتضارب مع المصالح الإسرائيلية، والأهم أنه إذا حدث ذلك، فالغرب يفضل أيضا مصالحه. وهنا تكمن الخسارة الإسرائيلية الأكبر، خصوصاً بعد أن أفلحت على مر عقود في إقناع قيادات المنطقة أن لا شيء يتم من دون رضاها.
واليوم بعد أن أبرم الاتفاق، وصار حقيقة واقعة، تتعامل إسرائيل مع الأمر، ليس على أساس أنه حقيقة ثابتة، بل أمر يمكن تغييره، لأنه في نظرها خاطئ ولا يستند إلى أساس. وهي في سعيها لمواجهة الاتفاق تتحدث عن معركة ستخوضها في دهاليز تلة الكابيتول، حيث مقام مجلسي الكونغرس، وفي الرأي العام الأميركي خصوصاً. لكنها أيضا لا تكتفي بذلك، بل عادت إلى استلال سيف التهديد العسكري.
ونقلت صحيفة "معاريف" عن ضابط رفيع المستوى قوله إن "الجيش الإسرائيلي يستعد لكل السيناريوهات، بما فيها الهجوم العسكري". ويشدد هذا الضابط على أن "إيران تتطلع للوصول إلى قدرة نووية، والحاجة إلى توفير ردود توجد على الطاولة، ومن مهمتنا أن نعد الرد. على الجيش الإسرائيلي أن يكون جاهزاً لكل سيناريو، بما في ذلك الهجوم".
وأضاف الضابط أنه فور الاطلاع على تفاصيل الاتفاق، ستجرى عملية تقويم امني للوضع من عموم اذرع الاستخبارات. وقد عين نائب رئيس الأركان اللواء يائير غولان لتنسيق عملية تقويم الوضع. ومعروف أن موقف المؤسسة العسكرية الإسرائيلية لا يختلف عن موقف المؤسسة السياسية، وهما يريان أن كل اتفاق مع إيران مهما كان هو سيئ، وكانا يتمنيان انهيار المفاوضات وتشديد العقوبات على طهران ولو في اللحظة الأخيرة.
ومن الواضح أن جانبا من القلق الإسرائيلي من الاتفاق يعود إلى التقدير بأن "حربا عالمية" سوف تنفجر بين حكومة بنيامين نتنياهو وإدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما في أميركا. وهناك من يعتقد أن ضرر مثل هذه الحرب على إسرائيل كبير، حتى لو أفلح نتنياهو في لي ذراع الرئيس الأميركي عبر استخدام الكونغرس وعرقلة الاتفاق.
ويشرح حيمي شاليف في "هآرتس" طبيعة حرب "ياجوج وماجوج" بين نتنياهو وأوباما بعد إعلان الاتفاق النووي، لكنه يؤكد أنها ستكون حربا مدروسة، "فالطرفان لديهما ما يخسرانه. نتنياهو لا يستطيع السماح بشرخ كامل مع الإدارة الأميركية التي بقي لها 18 شهراً في السلطة، واوباما لا يريد انفصالا لا يمكن إصلاحه بين اليهود الأميركيين والحزب الديموقراطي، بالذات في سنة الانتخابات. لكن كما يقول الكليشيه الجميع يعرف كيف تبدأ الحرب، ولكن أحداً لا يعرف كيف تنتهي، لا سيما في صراعات تكون فيها الخسارة غير واردة من قبل الطرفين".
وبعد أن يشرح أشكال الصراع وتجلياته يخلص إلى أنه "يصعب تقدير نتيجة ما يحدث، هل ستهدأ علاقات إسرائيل والولايات المتحدة 40 عاماً، أم أن الأرض ستبقى محروثة لفترة طويلة. وما نُسي عندنا هو أن الحديث لا يدور عن طرفين متكافئين: الولايات المتحدة سترفع يدها عن إسرائيل إذا أصيبت. وإسرائيل في المقابل قد تخرج صلعاء من الجانبين: ستخسر في الحرب وتبعد نفسها عن نصف أميركا في فترة تواجه فيها الواقع الجديد الذي انشأه الاتفاق". ولكن "الأمر الوحيد الذي يخيف أكثر من الهزيمة هو الانتصار. فهزيمة أوباما تعني اهانة الرئيس والإدارة، وغياب التأييد الديموقراطي وتفكيك التحالف الدولي الذي عمل ضد طهران، ومنح الإيرانيين الحرية لتحضير القنبلة المعادية لإسرائيل في أساسها، وفي هذه المرة بتشجيع دول كثيرة في العالم".
والواقع أن أبواق رئيس الحكومة الإسرائيلية، وخصوصا في صحيفة "إسرائيل اليوم"، فتحوا بيت العزاء وشرعوا بالندب. وهكذا فإن محرر الشؤون الدولية في الصحيفة بوعز بيسموت كتب أن الاتفاق انتصار لإيران التي أفلحت بدهائها في التغلب على السذاجة الغربية. وأشار إلى أن طهران "حصلت على حق التخصيب، وحق الاحتفاظ بأجهزة الطرد المركزي، والحق في حماية المنشآت النووية التي أقيمت بالخداع (حتى لو تم تمويهها بشكل مؤقت) والحق في رؤية العقوبات الدولية تذهب مع الرياح، والحق في التحول إلى دولة طبيعية والحق في الانضمام إلى معسكر الأخيار في الحرب ضد داعش. لكن لحظة: ماذا عن حق شراء السلاح من روسيا؟ إيران يجب عليها الدفاع عن نفسها لأن العالم مليء بالأشرار، وإيران انتقلت إلى معسكر الأخيار".
ويذهب بيسموت إلى أن الرئيس الإيراني حسن روحاني "تجسيد للسذاجة الغربية والدهاء الإيراني. روحاني كان مرافقا لزعيم الثورة الإسلامية آية الله الخميني في المنفى في نوب لي شاتو في فرنسا إلى أن عاد منتصرا إلى طهران في العام 1979، وهو يقرص نفسه قبل النوم ويرفض التصديق أنه من دون تغيير طبيعة النظام المتطرف، الثوري والإرهابي نجحت بلاده في لي ذراع الغرب – وليس العكس". ولذلك فإن الاتفاق مع إيران هو مثل اتفاق ميونيخ "مخجل" وأنه تكفي "رؤية الوجه الضاحك لوزير الخارجية الإيراني (مجمد جواد) ظريف على شرفة الفندق الذي تجري فيه المحادثات في فيينا من اجل معرفة من الذي انتصر هناك".
ومع ذلك انبرى عدد من المعلقين الإسرائيليين ليوضحوا أن الاتفاق ليس نهاية العالم، والأهم أنه ليس كارثة لإسرائيل. وهكذا كتب في "معاريف" معلقها الأمني يوسي ميلمان، تحت عنوان "ليست مصيبة"، أن إسرائيل أفلحت "بوسائل الديبلوماسية، الأعمال التخريبية والتصفيات المنسوبة للموساد والدفع نحو فرض العقوبات، في إعاقة إيران في الطريق إلى السلاح النووي، وان كان ليس واضحا إذا كانت حقا أرادت الوصول إلى ذلك". وأشار إلى أنه كان بوسع إسرائيل التعامل مع الاتفاق على أنه "انتصار لها، فيه خليط من السياسة الحكيمة والعمل السري الجريء، والتي كادت تسقط الاقتصادي الإيراني وتجبر إيران على الموافقة على ما رفضت عمله منذ 2002: إجراء مفاوضات وتقليص شديد لبرنامجها النووي".
وبعد أن يعرض ميلمان نقاط الاتفاق ويخلص إلى أنه أعاق مشروع إيران النووي عاماً إلى الوراء، قال أن حكومة نتنياهو آثرت التعامل بطريقة مغايرة، "فقد عارضت الاتفاق في بداية الطريق. حاولت أن تدق إسفينا بين الرئيس الأميركي والكونغرس، وهي تصور الخطر الإيراني في مستويات وحشية. وأمس لم يكتفِ نتنياهو بالتحذيرات العادية من أن إيران تسعى إلى الهيمنة الإقليمية، بل ذهب بعيدا واتهم بأنها تسعى إلى السيطرة على كل العالم". وقال إن إسرائيل لم تكن تريد أي اتفاق، ولكن ورغم الاتفاق "السماء لن تنهار على إسرائيل. فهي ستواصل كونها قوة عظمى إقليمية قوية، مع الجيش الأفضل، الذي يمتلك التكنولوجيا الأكثر حداثة. وحسب منشورات أجنبية، توجد تحت تصرفه ترسانة كبيرة من السلاح النووي".
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد