تحقيقات إسرائيلية شكلية: ذر الرماد في عيون المنظمات الدولية
تشهد الحلبة السياسية والعسكرية الإسرائيلية سجالاً واسعاً حول التحقيقات التي تجريها النيابة العسكرية مع ضباط كبار في الجيش، إثر اكتشاف «شبهات» بارتكابهم جرائم حرب في قطاع غزة خلال العدوان الأخير. وتركز النقاش مؤخراً حول التحقيقات التي تجري مع قائد كتيبة هو المقدم ناريا يشورون الذي أمر جنوده بإطلاق قذائف المدفعية باتجاه مساكن فلسطينية وعيادة طبية، كنوع من تحية لجنود قتلى وليس لاعتبارات عملياتية. ولكن هذا التحقيق هو واحد من سلسلة تحقيقات تجريها الشرطة العسكرية الإسرائيلية مع ضباط من رتبة نقيب فما فوق، شاركوا في الحرب الأخيرة وتحوم حولهم «شبهات» بارتكاب مخالفات.
وأشار موقع «والا» الإخباري إلى أن الشرطة العسكرية بدأت في الشهرين الأخيرين باستدعاء ضباط برتب نقيب فما فوق للتحقيق معهم حول أحداث «موضع خلاف»، تمت خلال حرب «الجرف الصامد» على غزة الصيف الماضي. وتم الإعلان أن أحد الضباط المنوي التحقيق معهم يحمل رتبة عميد.
ومن البديهي أن التحقيقات التي يجريها الجيش الإسرائيلي لا تهدف إلى منع العسكريين من اقتراف جرائم بحق الفلسطينيين، حيث أن تبريرات ذلك جاهزة دوماً، ولكنها تهدف إلى التظاهر أمام الأسرة الدولية بأنها تحقق بجدية في قضايا مثارة على الصعيد الدولي. ومن المؤكد أن التحقيقات التي أجرتها لجنة تابعة لمجلس حقوق الإنسان وصدرت في تقرير مؤخراً تلعب دوراً في حث الإسرائيليين على إجراء هذه التحقيقات. وكانت النيابة العسكرية الإسرائيلية قد أغلقت في الماضي الكثير من التحقيقات واعتبرت أن لا مبرر لاستمرار التحقيق فيها نظراً لانتفاء الدوافع الجرمية. لكن تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية والخشية من الملاحقة الجنائية الدولية لكبار القادة الإسرائيليين يدفع النيابة العسكرية لإعادة فتح هذه الملفات من جديد. ومع ذلك تطمئن النيابة العسكرية من يجري التحقيق معهم بأنها ليست بصدد تقديم أحد للمحاكمة.
وتدور التحقيقات العسكرية الإسرائيلية أساساً حول أحداث وقعت في الحرب كان من الواضح أنها جرائم حرب، مثل الاعتداء على مرافق صحية أو استهداف بيوت مدنيين من دون ظهور أي خطر من داخلها. وتتظاهر إسرائيل بأنها تستدعي للتحقيق ضباطاً كباراً بغرض التوصل للحقيقة وتقديم من «تثبت» إدانته للمحاكمة. وفي هذا السياق برز اسم المقدم ناريا يشورون، قائد كتيبة في اللواء المدرع والذي أمر قواته باستهداف عيادة طبية. ويدَّعي محامون في الجيش الإسرائيلي أن يشورون يُحقق معه بتهمة «تجاوز الصلاحيات» بعد أن أمر بإطلاق «صلية تحية» لقائد سرية في كتيبته كان لقي مصرعه بنيران قناص فلسطيني.
وكان المدَّعي العسكري قد قرر فتح تحقيق مع المقدم يشورون بعد أن اطلع على فحوى اتصالات المعركة ووجد أساساً يبرر فتح التحقيق. وعاد المدَّعي العسكري للتحقيق في قتل تسعة فلسطينيين كانوا في مقهى على شاطئ بحر خان يونس، وفي أداء لواء «جفعاتي» في رفح يوم الجمعة الأسود الذي شهد قتل أكبر عدد من المدنيين الفلسطينيين. وقال ضباط إن التحقيقات الجارية قد تقود إلى استدعاء المزيد من كبار الضباط للتحقيق. وتحدث ضباط عن أن التحقيقات تقود عملياً إلى شل الجيش الإسرائيلي الذي يتصرف غالباً بحرية تامة في تعاطيه مع الفلسطينيين.
وأثارت التحقيقات الجارية في الجيش الإسرائيلي غضب جهات مختلفة في الحلبة السياسية والجيش على حد سواء. وكانت صفحات «الفايسبوك» الإسرائيلية قد عجت بالإدانة للتحقيقات الجارية بحق عسكريين، معتبرين أن ذلك يضر بصورة «الجيش الأكثر أخلاقية في العالم».
وطالب زعيم «إسرائيل بيتنا»، أفيغدور ليبرمان بالتوقف فوراً عن هذه التحقيقات. وحمل ليبرمان على وزير الدفاع موشي يعلون قائلا: «سمعنا اليوم عن حدثين ينبغي أن يقضِّا مضجع كل من يعز عليه الجيش ويهمه أمن إسرائيل. والتحقيق تحت التحذير مع قائد لواء بنيامين، العميد إسرائيل شومر، الذي أطلق النار على فلسطيني رشقه بالحجارة والإعلان عن تحقيق متوقع مع المقدم ناريا يشورون، الذي صادق في حرب (الجرف الصامد) على إطلاق نار على عيادة في الشجاعية أطلق المخربون منها النار باتجاه جنودنا وقتلوا النقيب ديما لويتس، ليس أكثر من تخل عنهم».
وبعد أن دافع ليبرمان عن تصرفات كل من يجري التحقيق معه، وجَّه اللوم لوزير الدفاع مطالباً إياه بأن «يصحو، ويتنصل من صمته، ويقدم الدعم لجنود الجيش ويأمر الشرطة العسكرية بالكف فوراً عن هذه التحقيقات». وأضاف «إذا لم يفعل ذلك وزير الدفاع فإن على رئيس الحكومة أن يفعل ذلك فوراً فالجنود يعرفون أن لديهم دعماً كاملا من الشعب، لكن ينبغي لهم أن يعلموا أنهم يحظون بالدعم من المستوى السياسي الذي يرسلهم للدفاع عن سكان إسرائيل».
لكن رئيس الأركان الجنرال غادي آيزنكوت قال في مستهل الاجتماع الأسبوعي لهيئة الأركان، إن هناك حاجة للتوازن بين توفير الدعم للقادة الذين كانوا يقاتلون واتخذوا قرارات صعبة، والحاجة للتحقيق في شبهات اقتراف انتهاكات. وأكد أن الجيش سيقدم الدعم دوماً للقادة في الحالات التي ليس فيها إهمال ولا مخالفات جنائية.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد