«قارع الطبل» لـ هدى الخطيب.. حكايات داخل حكايات
ذهبت الفنانة السورية هدى الخطيب في عرضها «قارع الطبل» (1- 15 نيسان- مسرح القباني)، نحو اعتبار اللعب أداة المعرفة الأولى؛ محاولةً توضيب فرجة مسرحية قوامها الاشتغال على بنية حكائية؛ تمّ اقتباسها من نصوص الأخوين يعقوب غريم- (1785- 1863) وفيلهلم غريم –(1786- 1859)، الكاتبين اللذين نجحا في توثيق الأساطير والتراث الأوروبي من قصص ساندريلا وبياض الثلج والأقزام السبعة وسواها. قصص الكاتبين الألمانيين التي أعدّتهُما ريم الشالاتي للخشبة ركّزت في «قارع الطبل - مديرية المسرح والموسيقى» على صيغة توليدية للأحداث أقرب ما تكون إلى حكاية «العفريت والتاجر والسمك الملون» في كتاب «ألف ليلة وليلة»؛ معتمدةً على حضور الممثل، وقدرته على إقناع جمهور الصغار؛ في كلّ مرة يتمّ فيها تدوير الحكاية الفرعية من الحكاية الأصلية والعودة إليها.
الأميرة، (نسرين فندي) التي تقع في غرام «قارع الطبل»، (كامل نجمة) تضع الأخير في أكثر من رهان للفوز بها؛ فهي أميرة بلا حراس ومسجونة فوق؛ في قمة جبل الزجاج والجليد بفعل سحر أسود أنزلته بها ساحرة شريرة، وعلى «قارع الطبل» أن يتحدى وحوشاً وعمالقة وسحرة للوصول إلى قلعتها المرصودة وتخليص أميرته مما هي فيه.
وبالفعل يتمكن قارع الطبل من الوصول إلى سفح جبل الجليد، والحصول على السرج الذهبي الذي ينقله إلى حبيبة القلب، ومن ثم ليواجه الساحرة التي قدمها عرض «الخطيب» أقرب إلى شخصية «السفنكس» أبو الهول الواقف على باب «طيبة» طارحاً السؤال على أوديب. ثلاثة مستحيلات تطلبها (المرأة القضيبية) من قارع الطبل ليتمكن من متابعة طريقه نحو قصر الأميرة، وهي على التوالي: نقل مياه البحيرة بواسطة كشتبان صغير، ثم ملئها بالحطب، وبعدها إشعاله.
عبر تحقيق هذه المستحيلات الثلاثة وبمساعدة من الأميرة التي تستخدم خاتمها المسحور لمعونة أميرها؛ في كلّ مرة تطلب منه النوم متنكرةً في زيِّ خادمة، يظفر الشاب الوسيم بفتاة أحلامه، مخلّصاً إياها من الرصد، لكن الأميرة تعود مرةً أخرى لتطلب من «قارع الطبل» عند عودته لمساعدة أبيه في شؤون البستان ألا يقبّل يد والده اليسرى، لأنه إذا ما فعل ذلك سوف ينساها إلى الأبد.
وصية سوف لن ينفذها قارع الطبل ليقع فريسة النسيان من جديد، ويتم تزويجه من فتاة أخرى، حيث لا تنجح محاولات الأميرة للقاء بأميرها فاقد الذاكرة، وذلك بعد كل محاولة للانفراد به ورشوة خطيبته الجديدة بفساتين منسوجة مرة من ضوء الشمس، ومرة من ضوء القمر، وثالثة على هيئة ليل ونجوم.
هكذا تعول الخطيب على تناسل الحكاية من الحكاية، بعيداً عن وفرة التقنيات المعاصرة في مسرح اليوم؛ فهي إذ تعود لقوة الحكاية وسطوتها على الخشبة، تقلل من أهمية الاستعراض والأغنية؛ وتقتصد في عناصر الفرجة؛ رغم الإضاءة اللافتة التي صممها الفنان نصر سفر، ذاهبةً إلى التغريب بين الشخصيات وحواراتها؛ إضافةً إلى مزج الأداء التهريجي لكلّ من الممثلين أسامة تيناوي وفادي حموي مع الأداء ذي الطابع الرومانسي الشعري لكل من نسرين فندي وكامل نجمة.
قدم كل من فندي ونجمة أداء استثنائياً كان أقرب إلى نوعية الأداء في مسرح شعري، منه إلى حكايا الجدات لأحفادهن حول المواقد في ليالي الشتاء القاسية؛ بيد أن ذلك ظل مرهوناً بالمساحة التي تركتها الخطيب لممثليها على الخشبة، متكئةً على تغريب الأداء وقطع الديكور البسيطة، والإضاءة كعامل حاسم في نقلات الأمكنة؛ دون مراعاة وحدة الأسلوب في ذلك، فما الذي يبرر تعويل الخطيب على الضوء لتشكيل بحيرة، ومن ثم تجسيد بيت قارع الطبل بقطعة ديكور عليها أصص نبات وأقفاص عصافير واقعية؟
تظل تجربة الخطيب هنا محاولة جادة للخروج من مسرح الأنسنة الذي اشتهر به ريبرتوار الطفل السوري؛ والذي استهلك كل حيواناته ونباتاته ومهرجي فرجته؛ ليترك الباب موارباً لتجارب أخرى تعيد للحكاية حضورها في مسرح المتفرج الصغير؛ فجنة الأطفال مسارحهم.
سامر محمد إسماعيل
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد