نتنياهو يهاجم أوروبا: لم تتعلّم من المحرقة
حمل رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بشدة، أمس، على دول الاتحاد الأوروبي، إثر قراري المحكمة الأوروبية بشأن حركة حماس واعتراف البرلمان الأوروبي بالدولة الفلسطينية والموقف الأوروبي في مؤتمر الدول الموقعة على معاهدة جنيف الرابعة.
واتهم نتنياهو الأوروبيين بالجهل، واستغل المحرقة النازية ضد اليهود معلنا أن الأوروبيين لم يتعلموا شيئا من المحرقة. وفي مقارنة ذات مغزى أعلن أن الصداقة الحقيقية هي ما تظهره الولايات المتحدة من موقف، خلافاً لما تتخذه الدول الأوروبية من مواقف.
وقال نتنياهو، في مستهل لقاء مع السيناتور الأميركية جوني أرنست، «إننا اليوم رأينا أمثلة صادمة عن النفاق الأوروبي. ففي جنيف يدعون إلى تحقيق ضد إسرائيل بسبب جرائم حرب، فيما تزيل المحكمة في لوكسمبورغ حماس من قائمة الإرهاب، وهي حماس نفسها التي نفذت عدداً لا يحصى من جرائم الحرب والأعمال الإرهابية. ويبدو كما لو أن هناك أعداداً من الناس، أكثر من اللازم في أوروبا، على الأرض التي ذبح فيها ستة ملايين يهودي، لم يتعلموا شيئا. لكننا في إسرائيل تعلمنا الدرس، وسنواصل الدفاع عن شعبنا وعن دولتنا ضد قوى الإرهاب، الاستبداد والنفاق. إن الصداقة التي نراها في الولايات المتحدة تنتصب كنقيض تام لما نراه للأسف في أوروبا». وتشهد مقارنة نتنياهو بين الصداقة الحقيقية التي تبديها واشنطن والنفاق الأوروبي على رضاه عن الموقف الأميركي، الذي سمعه أو فهمه أثناء لقائه وزير الخارجية جون كيري في روما، من مناقشة مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة.
وحاول كيري الإيحاء بأن إدارته لم تتخذ موقفا من مشاريع القرارات التي ستقدم بهذا الشأن الى مجلس الأمن الدولي، لكن صمت نتنياهو كان مريباً. وقد تحدثت مصادر فلسطينية، بعد اجتماع كيري مع مسؤول ملف المفاوضات في منظمة التحرير صائب عريقات، عن قرار أميركي باستخدام «الفيتو» إذا قدم الفلسطينيون مشروعهم للمجلس ولم يعملوا على تأجيل هذه الخطوة.
ورغم أن النقاش في المحكمة العليا الأوروبية كان إجرائياً وفنياً، إلا أن نتنياهو استغله للتنديد بأوروبا بسبب مواقفها السياسية، وخصوصا الصيغة التي تحاول تقديمها إلى مجلس الأمن الدولي. كما أن نتنياهو وحكومته لم يرتاحا لإصرار أوروبا على مواصلة انتهاج خط معاد للاستيطان ومشجع لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة.
ولكن لا شك في أن إدانة نتنياهو الحادة لأوروبا وسياستها تشكل نوعاً من الإدانة الاستباقية لأي محاولة من جانب الإدارة الأميركية لتفهم الموقف الأوروبي، أو رفض استخدام «الفيتو» ضد الصيغة الأوروبية في مجلس الأمن الدولي.
من جانبه، وجه وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان انتقادات لقرار البرلمان الأوروبي الاعتراف بالدولة الفلسطينية، بموازاة مفاوضات مع إسرائيل. وقال إن «هذا القرار لا يساعد في تحسين الوضع في الشرق الأوسط، ولا في تحسين الوضع بين إسرائيل والفلسطينيين. وبدلا من جلب الفلسطينيين للتحاور والتسوية فإن هذا يبعدهم عن المفاوضات. إن الاتحاد الأوروبي، بكل مؤسساته، ملزم بأن يفهم أن مسؤولية إدارة مفاوضات نزيهة وحقيقية تقع ليس فقط على إسرائيل بل على الفلسطينيين أيضا. وقول القرار الأوروبي بالحاجة للمفاوضات قول مهم لكنه غير كاف».
وفي هذه الأثناء، يزداد الغموض حول الموقف الفلسطيني من تقديم مشروع قرار الاعتراف بالدولة الفلسطينية وجدولة الانسحاب الإسرائيلي من أراضيها إلى مجلس الأمن الدولي. وفيما تحدثت أنباء عن أن القرار بهذا الشأن متروك لمجلس عربي لم يتخذ القرار النهائي بعد، تحدثت أنباء أخرى عن احتمال قبول الفلسطينيين بصيغة القرار الأوروبي والمطالبة بإدخال تعديلات عليها.
وفي كل الأحوال، فإنه من شبه المؤكد أن عرض مشروع القرار الفلسطيني على مجلس الأمن الدولي قد تأجل. وإذا صحت الأنباء باحتمال إدخال تعديلات على الصيغة الأوروبية، التي تقودها فرنسا، فإن ذلك يمكن أن يوفر على كل من الفلسطينيين والأميركيين صداماً مؤكداً وإحراجاً محتملاً في مجلس الأمن. فالصيغة الأوروبية قد تعفي الإدارة الأميركية من الاضطرار لاستخدام «الفيتو»، كما تجنب الفلسطينيين احتمال الخسارة وعدم نيل الغالبية المطلوبة. لكن الصيغة الأوروبية ستكون، خلافا للصيغة الفلسطينية، أقرب إلى إنذار لإسرائيل منها إلى برنامج عمل وجدول زمني لإنجاز هدف الدولة الفلسطينية.
ومن الجائز أن إحالة الفلسطينيين لقرار تقديم الصيغة إلى مجلس المندوبين العرب يشكل مقدمة لتسهيل التأجيل، والتجاوب مع المطالب الأميركية بهذا الشأن. ومن المؤكد أنه برغم أن الموقف الفلسطيني الحاد الذي تجلى برفض الضغوط حتى الآن نبع أساسا من اليأس من أنه بغير هذا السبيل لا يمكن التأثير على نتنياهو، فقد ترك الفلسطينيون طوال عقدين من الزمن للأميركيين الفرصة للتأثير على حكومة إسرائيل من دون جدوى. ويصعب القول إن التجاوب مع المطلب الأميركي من دون ضمانات يمكن أن يكون مجزيا للفلسطينيين ويقربهم من تحقيق هدفهم رغم موجة الاعترافات الدولية بهم.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد