أسس الفكر الديني المتشدد وكيفية مواجهته
في محاولة لمواجهة الفكر المتشدد والصدام الفكري والعقائدي الذي زاد انتشاره خلال السنوات القليلة الماضية في شكل يهدد السلام الاجتماعي داخل الكثير من المجتمعات العربية، أصدرت دار الإفتاء المصرية أخيراً تقريراً عن الفكر المتشدد وأسسه التي يَبني عليها مقولاته وأفكاره وسبل مواجهتها.
وأشار التقرير إلى التغيرات التي شهدتها المنطقة خلال السنوات الماضية وما رافقها من أحداث شهدتها دول عربية عدة، دفعت ما أطلق عليهم الجهاديين إلى الواجهة مرة أخرى، وأعاد أصحاب الفكر المتشدد إلى دائرة التأثير في مجريات الأحداث في المنطقة، بخاصة مع انتقال شباب للقتال أو ما أطلق عليه الجهاد في سورية وليبيا ليعودوا إلى بلدانهم محملين بأفكار تكفيرية تفت في عضد المجتمع وتنال من أمنه واستقراره.
وقال التقرير الصادر عن مرصد فتاوى التكفير التابع لدار الإفتاء المصرية أن الفكر المتشدد يؤسَسَ على نظرية صدام وصراع أصحاب الأديان والثقافات المختلفة بدلاً من الحوار والتعارف والتآلف الذي أمر به الإسلام وحث عليه الشرع الحنيف، وهو ما يتجلى في مواقف أصحاب هذا الفكر تجاه الآخر عموماً، حيث يرى أصحاب هذا الفكر المنحرف أن العالم الإسلامي يتصارع مع أصحاب الديانات والثقافات الأخرى من أجل الوجود والاستمرار، وهو ما يبرر من وجهة نظرهم الجرائم التي ترتكب بحق كل من هو غير مسلم.
وتتجلى ملامح الفكر المتشدد، بحسب التقرير، في معاداة البحث والاجتهاد والتجديد، والتزامه باختيار الآراء الشاذة والمتشددة والتي لا تراعي زماناً ولا مكاناً ولا مقاصد ولا غايات أو مآلات.
ويوضح أن أصحاب هذا الفكر لا يعترفون بالحدود بين الدول الإسلامية، إذ يعتبرون أن العالم كله دولة واحدة تقام في ظل أممية إسلامية بحسب زعمهم تعيد مجد الأمة وريادتها وتساعد المسلمين في الذود عن دينهم ونشره، وهو الأمر المخالف للواقع الآن، لذا يستبيح المتشددون حدود الدول وأراضيها في مسعى منهم لإقامة إمارات إسلامية بحسب تصورهم.
ويضيف أن هذا الفكر يبيح الامتناع عن دفع الفواتير المستحقة للدولة لدى الأفراد باعتبارها دولة كافرة ولا يجوز التعامل معها، كما لا يجوز الاحتكام إلى قوانينها الوضعية ومحاكمها «الوثنية»، بالإضافة إلى عدم المشاركة في الانتخابات والاستفتاءات وغيرها من الاستحقاقات التي تفرضها النظم الديموقراطية الحديثة.
كما يفتي هؤلاء بوجوب مقاتلة رجال الأمن بوصفهم حراساً للطائفة الممتنعة عن تطبيق الشريعة، بل يفتون أيضاً بجواز قتل المسلمين المدنيين من النساء والأطفال بدعوى التمترس وإضعاف شوكة «العدو الكافر». ويسعى أصحاب هذا الفكر إلى اغتيال الشخصيات المهمة، من سياسيين وعسكريين ومفكرين وإعلاميين، وضرب الاقتصاد من طريق الاعتداء على السياح والمنشآت السياحية، وضرب البنوك، واستهداف الأقباط.
وأشار التقرير إلى أن المتشددين يعتبرون الديموقراطية كفراً، لأنها في نظرهم تشريع يضاهي تشريع الله، وتساوي بين المسلم والكافر والبريء والفاجر وتمنحهم حقوقاً متساوية في الترشح والتصويت، بينما اختيار الحاكم في الإسلام (شورى) بين أهل الحل والعقد فقط. كما يحرم المتشددون المشاركة أو العمل في مؤسسات الدولة، كالجيش والشرطة.
وأوضح التقرير أن الفكر المتشدد يشهد تغيرات طرأت عليه، حيث كان المتشددون يعلنون في السابق قتال «العدو البعيد»، وهم اليهود والصليبيون، على حد قولهم قبل قتال «العدو القريب»، وهو الأنظمة السياسية الموجودة في المنطقة كما يدعون، ثم تطور هذا الفكر لدى المتشددين الجدد، حيث أصبح قتال «العدو القريب» وهو الأنظمة السياسية القائمة، مُقَدماً على قتال «العدو البعيد»، وهو الأمر الذي ينذر بموجة كبيرة من الأحداث وأعمال العنف ضد المجتمعات والنظم السياسية القائمة.
وأكد التقرير الصادر عن دار الإفتاء أن الفكر المتشدد يحمل في طياته عوامل زواله وانهزامه نظراً لطبيعته المتشددة وتكوينه الإقصائي ورفضه الحوار مع الغير والانفتاح على المستقبل، فهو لا يحمل سوى أفكار الصراع والصدام مع الداخل والخارج، ومحاولة فرضه على المسلمين جميعاً حول العالم لتحقيق غايته.
سحر الببلاوي
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد