«الدولة الإسلامية» يواصل هجماته في العراق والمالكي يراهن على «مؤتمر الأنبار»
استمر انزلاق المشهد الأمني في العراق إلى درجات مقلقة أمس، حيث تابع تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) شن سلسلة عمليات منسقة توزعت بين عدد من المحافظات الممتدة من شرق البلاد إلى غربها، في وقت تتأكد فيه صعوبة سيطرة السلطات الأمنية على الأوضاع بشكل سريع. وتتزامن هذه الهجمات مع مواصلة مختلف الأحزاب السياسية لمفاوضات تهدف إلى التوصل لاتفاق حيال تشكيل الحكومة المقبلة.
وفي محاولة لاحتواء تصاعد أعمال العنف، بدا في الساعات الأخيرة أنّ الحكومة الحالية تعمل على تعزيز جهودها لعقد «مؤتمر الوحدة الوطنية لمحافظة الأنبار» في وقت لاحق من الشهر الحالي، حيث أنّ «الأنبار هي مفتاح الحل ومنها يمكن أن نتحرك لتوطيد الوحدة الوطنية وتعزيز الأخوة بين العراقيين جميعا»، وفق ما أعلنه رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي أمس الأول.
وفي هذا الصدد، أكد المالكي، خلال استقباله ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق نيكولاي ملادينوف أمس، على «ضرورة تضافر الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب وتضييق الخناق عليه»، مشيراً إلى أنّ «العراق يخوض معركة حقيقية ضد الإرهاب». ولفت، وفقا لبيان صادر عن مكتبه، إلى أنّ «مؤتمر الوحدة الوطنية في الأنبار سيعمل على لمّ الشمل وتوحيد الجهود الرامية لدحر الإرهاب»، داعيا إلى «تجاوز الخلافات الجانبية بين الأهالي من أجل رص الصفوف».
وتابع أنّ «العزم منعقد على فتح الباب أمام كل من يرغب بمقارعة الإرهاب وتجاوز الخلافات مهما كان موقفه السياسي وما ارتكبه من مخالفات تحت تأثير الخوف والتهديد أو نتيجة سوء في تقدير الموقف ما لم يكن متورطا بإراقة الدم العراقي».
وكان المالكي شارك، أمس الأول، في الاجتماع الأول للجنة التحضيرية لـ«مؤتمر الوحدة الوطنية لمحافظة الأنبار»، حيث أكد أنّ «الأنبار هي مفتاح الحل ومنها يمكن أن نتحرك لتوطيد الوحدة الوطنية وتعزيز الأخوة بين العراقيين جميعا».
وعلى الصعيد الأمني، واصل تنظيم «داعش» شن هجماته المنسّقة في العراق لليوم الخامس على التوالي. وفي أبرز الهجمات التي وقعت يوم أمس، فقد قتل 30 شخصاً، على الأقل، وأصيب نحو 180 في تفجير مزدوج استهدف مكاتب حزب «الاتحاد الوطني الكردستاني» في بلدة طوز خورماتو في شمال العراق. وقالت مصادر أمنية إن «سيارة انفجرت عند نقطة تفتيش بالقرب من المقر المحلي للحزب قبل تفجير شاحنة معبأة بالمتفجرات بجانب سور الحزب». وهذا الهجوم هو الأحدث في سياق استعراض المسلحين لقوتهم بعدما استعادوا قوة الدفع في العراق خلال الأشهر الأخيرة. وكان هجوم مزدوج آخر استهدف مقرا أمنيا للحزب ذاته في بلدة جلولاء في محافظة ديالى، أمس الأول، فيما أعلن تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» المسؤولية عن الهجومين.
وتقع طوز خورماتو على بعد 170 كيلومترا شمال العاصمة بغداد في منطقة متنازع عليها بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان شبه المستقل. ويعتبر الطرفان مستهدفان من جانب الجماعات المنفذة للهجمات الإرهابية، التي اجتاحت بقيادة «داعش» في الأيام الأخيرة مدينتين كبيرتين، سامراء والموصل، واحتلت حرما جامعيا لساعات محدودة في مدينة الرمادي في محافظة الانبار يوم السبت الماضي، ونفذت كذلك هجمات عبر تفجير سيارات في بغداد وفي محيطها، وقعت أبرزها يوم السبت الماضي أيضاً.
وفي هجوم آخر أمس، قال مصدر أمني «قتل جنديان وأصيب خمسة بجروح في هجوم انتحاري بسيارة مفخخة استهدف منتصف النهار حاجز تفتيش للجيش في ناحية كنعان» إلى الجنوب من بعقوبة في محافظة ديالى.
كذلك، أضرم مسلحون ينتمون إلى «داعش» النار، أمس، بخزانات نفط مخصصة للمولدات الأهلية خلال شهر رمضان المقبل في مدينة الرمادي، كبرى مدن محافظة الانبار العراقية، بحسب ما أفادت مصادر أمنية.
أما في ما يتعلق بمدينة الموصل في محافظة نينوى المحاذية للحدود السورية، فقد تناقلت مواقع عراقية عن مصادر أمنية تأكيدها أنّ «داعش» نجح في «اقتحام مقر الفوج الثالث التابع للواء صولة الفرسان الواقع غرب المدينة في حي الثورة والسيطرة عليه» عقب ثلاثة أيام من محاصرته.
وتعليقاً على التطورات الأمنية الأخيرة، قال الخبير في شؤون التنظيمات الجهادية مرتضى جابر إنّ «تنامي قوة هذا التنظيم (داعش) لم يأت بالصدفة فهو يدرك تماما غياب استخبارات قوية للدولة مما جعله يمسك بزمام المبادرة ويضع الخطط ويستطيع تنفيذ أي هجوم في وقت يريده، والسبب الأول هو فشل الحكومة العراقية في التخطيط لاختراقه»، مضيفاً أنه «من دون اختراق هذا التنظيم لن يستقر الوضع حتى لو بعد قرن».
وبشأن «مؤتمر الانبار» المزمع عقده، قال «اعتقد أنّ المؤتمر الذي سيعقد قريبا بشأن ملف الانبار وان كان متأخرا فانه لا بأس به بشرط أن يشترك فيه ابرز القادة المعارضين الفعليين ومنهم حارث الضاري، فلو كسب المالكي كل الأعداء الذين يعرفهم، سيبقى العدو الوحيد الذي لا يعرفه ولا يفاوضه هو داعش، وعندها ستنتهي الحاضنات».
من جهته، قال المحلل السياسي باسم الشرع إنّ «ما يحصل الآن كان متوقعا، في ظل وجود أجهزة أمنية ضعيفة خصوصا قوات الجيش العراقي التي أثبتت أنها بحاجة إلى تأهيل وإعادة هيكلتها لتكون قوات قادرة على مكافحة الإرهاب». وأشار في الوقت ذاته إلى ضرورة اتخاذ «إجراءات سياسية وأمنية في آن واحد، تتمثل بمحاولة عزل شيوخ العشائر المعارضين للحكومة عن داعش خصوصا في الانبار والعمل على إنجاح مؤتمر الانبار بشكل يساهم في وقف العنف في هذه المحافظة ويعطي القوات العراقية فسحة من الوقت لإعادة هيكلتها بعد الخسائر التي لحقت بها، وإجراء تحقيقات جادة لمعرفة أسباب الفشل الأمني، وإلا فإنّ ما سيحصل في نينوى والانبار وغيرهما قد يصل إلى بغداد ونصل إلى حافة الحرب الأهلية».
بدوره، رأى المحلل السياسي سرمد الطائي، أنّ «التنظيمات المسلحة التي ظلت محاصرة وعاجزة منذ نحو العام 2008 حتى مطلع العام 2013 عادت إلى الحياة بقوة مستفيدة من ارتباك سياسة رئيس الحكومة مع سنّة العراق، وأخطائه التي جعلت شريحة واسعة من المجتمع في المحافظات الساخنة، يشعرون باليأس من إمكانية تحسن علاقتهم بالنظام السياسي».
وتابع قائلاً إنه «على سبيل المثال فقد كان أول ظهور قوي للمسلحين بعد غياب سنوات بعدما حرك (رئيس الوزراء نوري) المالكي قواته لضرب مخيم المعتصمين في مدينة الحويجة شمال تكريت في نيسان العام 2013، حيث بدأ داعش يكسب شرعية وجوده في الوسط السنّي من النقمة الشعبية على سياسات الحكومة. واليوم يبدو ان هذا التنظيم يستفيد منذ 6 شهور من الحرب مع الجيش في الانبار، ونجاحه في التحصن داخل بلدة الفلوجة، والغنائم الكثيرة التي حصل عليها من مال او سلاح، ما وفّر له اندفاعا معنويا جديدا يشجع على خلق نماذج مماثلة في الموصل أو صلاح الدين، مستفيدا كذلك من الإنهاك الذي يصيب القطعات العسكرية العراقية».
محمد جمال
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد