«داعش» لقيادة «الجهاد العالمي»

13-05-2014

«داعش» لقيادة «الجهاد العالمي»

رسم المتحدث الرسمي باسم تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) أبو محمد العدناني، حدوداً واضحة لآفاق الخلاف (الفتنة) بين تنظيمه من جهة وبين تنظيم «القاعدة العالمي» من جهة ثانية.
تفاصيل الخلاف وأسبابه وأدلة كل طرف لم تعد ذات قيمة واهتمام، وطرق الحل التقليدية، سواء عبر تسوية أو محكمة مستقلة، صارت من اشباه المستحيلات التي لا يمكن اللجوء إليها.
ورغم أن العدناني فنّد الكثير من هذه التفاصيل والأدلة، إلا أنه أقرّ أن الزمن تجاوزها، وأن الحل الوحيد لحقن دماء «المجاهدين» وإنهاء الانقسام في صفوف «الجهاد العالمي»، لا يكون إلا بالاتفاق على اختيار «خليفة» للمسلمين.
ولأن العدناني يدرك أن مثل هذا الاتفاق دونه عقبات وعقبات، فقد لوّح بشكل صريح بأن «الدولة الإسلامية» سيكون منافساً فعلياً لـ «القاعدة» في قيادة «الجهاد العالمي»، سواء في مصر أو ليبيا أو تونس أو حتى إيران، متهماً زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري بأنه كان السبب في عدم دخول «القاعدة» أو «الدولة» إلى ميادين هذه الدول، متهماً إياه بشكل غير مباشر بمراعاة مصالح إيران مقابل الحفاظ على خطوط إمداد «القاعدة» عبر أراضيها.دبابتان لمسلحين في بلدة كسب في ريف اللاذقية امس الاول (رويترز)
وفي تسجيل صوتي نشرته «مؤسسة الاعتصام» أمس الأول، كذّب العدناني ما قاله الظواهري في شهادته الأخيرة بأن «الدولة فرع من تنظيم القاعدة»، مؤكداً أن «الدولة ليس فرعاً من القاعدة ولم يكن يوماً كذلك».
وغمز من قناة الظواهري وكونه تابعاً لأمير حركة «طالبان» الملا عمر، عندما قال «بل لو قدّر الله لكم أن تطئوا أرض الدولة الإسلامية لَمَا وسعكم إلا أن تبايعوها، وتكونوا جنودًا لأميرها القرشي، حفيد الحسين، كما أنتم اليوم جنود تحت سلطان الملا عمر».
وفي حسم لموضوع البيعة وأن «الدولة» لم تبايع الظواهري، قال العدناني «لا يصح لإمارة أو دولة أن تبايع تنظيمًا»، علاوة على تفنيده شهادة الظواهري وما حاول إيراده فيها من وثائق وإثباتات تدل على بيعة «الدولة» له، حيث أكد العدناني أن العبارات التي اختارها الظواهري لإثبات «البيعة»، كانت من باب التبجيل والاحترام لأسبقية قيادة «القاعدة» ورمزيتها «الجهادية» لا أكثر، مشيراً إلى أن «الدولة» يملك الكثير من الاثباتات المعاكسة، منوهاً بشكل خاص بأن «الدولة» لم يطع الظواهري عندما طلب منه عدم استهداف عموم الشيعة في العراق، فلو كان «الظواهري أميراً له بيعة في رقابنا، لوجب علينا طاعته وإلا عزلنا».
ثم طرح العدناني على الظواهري الكثير من الأسئلة التي من شأنها إثبات عدم وجود «بيعة»، وذلك من قبيل: «ماذا قدّمتَ للدولة إن كنتَ أميرَها؟ بماذا أمددتها؟ عن ماذا حاسبتها؟ بمَ أمرتها؟ وعمّ نهيتَها؟ مَن عزلتَ ومَن ولَّيتَ فيها؟».
ولا يكتفي العدناني بنفي «البيعة»، بل يؤكد وجود الخلاف المنهجي بين «الدولة» و«القاعدة»، متهماً الظواهري بتبديل المنهج بعد رحيل زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن، مستشهداً بأقوال العديد من قادة «القاعدة» السابقين التي تثبت أن الظواهري بدّل المنهج، وعلى رأسها موضوع القبول بالانتخابات والموقف من الرافضة، حيث يعتبرهم الظواهري مشركين ولكن معذورون بجهلهم، أما «داعش» فلا يتبنى «العذر بالجهل في الشرك الأكبر، وبالتالي يستحل قتل جميع الشيعة وسفك دمائهم».
ولم يخل كلام العدناني من تجريح شخصي بالظواهري، عندما نبّهه إلى أن قيادات في «جبهة النصرة» و«الجبهة الإسلامية» يقولون عنه «خرَّف الشيخ» بسبب تناقض كلامه بين تسجيل وآخر. كما قال عنه أنه «جعل من نفسه أضحوكة بيد صبي غادر ـ قاصداً (زعيم النصرة أبو محمد الجولاني) وأنه «ضيع هيبته وتاريخه».
ورغم ذلك، وفي خطوة يقصد منها حشر الظواهري في الزاوية أكثر مما يقصد طرح تسوية للحل، وضع العدناني زعيم «القاعدة» أمام خيارين لا مناص منهما، إما الاستمرار في الخطأ وإما تصحيحه وبالتالي ردّ بيعة الجولاني، لأن قبول الظواهري لهذه «البيعة» هي التي تسببت ـ بحسب العدناني ـ بسفك دماء «المجاهدين» وبحالة الانقسام والانشقاق في «الجهاد العالمي». ثم طالبه بتصحيح منهجه والإعلان صراحةً عن «تكفيره الشيعة الروافض، وعن ردة الجيوش الباكستانية والأفغانية واليمنية والليبية والمصرية وجميع جند الطواغيت».
ولم يحشر العدناني الظواهري فحسب، بل عمد إلى حشر جميع أفرع «القاعدة» في العالم من خلال مطالبتها بتبيان رأيها بـ«الدولة الإسلامية»، وإصدار هذا الرأي في بيان مكتوب، معتبراً أن السكوت سيعتبر موقفاً.
ومن الممكن أن يكون هذا الطلب الأخير تمهيداً لاتخاذ الخطوة التي لوّح بها العدناني بشكل غير مباشر، عندما أكد أن «الحل الوحيد لحقن الدماء هو اختيار شخص صالح فنبايعه على ذلك وننصبه خليفة» حيث يتم فرز الجماعات التي تؤيد «داعش» من الجماعات التي تصمت أو تعلن صراحة وقوفها ضده، لتعلن قيادة «داعش» أنه لا سبيل إلى الاتفاق على شخص «الخليفة»، ما يعطيها هامشاً واسعاً لإعلان زعيمها أبو بكر البغدادي «خليفة» ووضع الجميع أمام الأمر الواقع.
ويعزز من هذا التوقع، أن العدناني حاول بأسلوب موارب تشويه صورة «القاعدة» أمام أنصارها، عبر الربط بينها وبين إيران من جهة وبين السعودية من جهة أخرى، والادّعاء بأن ثمة مصالح متبادلة بين «القاعدة» وهاتين الدولتين. وفي الوقت نفسه دافع عن تنظيمه في وجه التهمة التي طالما وجهها إليه خصومه وهي عدم استهداف إيران أو مصالحها في المنطقة بأي عملية. فقال إن عدم استهداف «الدولة الإسلامية لإيران كان امتثالاً لأمر «القاعدة» التي تريد بحسب قوله «الحفاظ على مصالحها، وخطوط إمدادها في إيران».
وفي نفس السياق، أكد العدناني أنه بسبب «القاعدة» أيضاً «لم تعمل الدولة في بلاد الحرمين، تاركة آل سلول ينعمون بالأمن، مستفردين بعلماء الأمة هناك وشباب التوحيد، الذين ملأت بهم السجون»، وبسببها «لم تتدخل الدولة في مصر وليبيا وتونس»، و«سلمت هذه البلدان إلى صناديق الاقتراع التي تعتبر كفراً محضاً».
فكأن العدناني يقول إن «القاعدة» بعد أن بدلت منهجها على يد الظواهري لم تعد أهلاً لقيادة «الجهاد العالمي»، خصوصاً وأنها «تهادن الشيعة في إيران والطواغيت في السعودية، وتنخرط في ممارسات الكفر كالانتخابات والديموقراطية»، وبالتالي فإن «الدولة» هي «القاعدة» التي حافظت على نهج أسامة بن لادن، وهي المؤهلة لمهمة القيادة.

عبد الله سليمان علي

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...