العطش يضرب مدينة حلب والماء يدخل بازار التنافس بين المجموعات الإرهابية
تراجعت نسبة سقوط قذائف الهاون واسطوانات الغاز في مدينة حلب، غير أن أهاليها بدأوا يعيشون فصول معاناة أخرى، بعد أن انقطعت مياه الشرب تماماً عن المدينة. «الوضع ينذر بكارثة إنسانية وصحية ونحن نفعل ما بوسعنا لدرء هذه المخاطر»، يقول مصدر في «الهلال الأحمر السوري».
خطة المنظمة والجهات الحكومية نجحت في تأمين مياه الشرب بالحد الأدنى للسكان عبر الآبار، لكن استمرار ذلك لفترة قصيرة سيجعل السكان في وضع غير صحي، «فالاستخدام المنزلي حيوي جداً وكثير من المنازل لم يعد فيها ماء للاستخدام الصحي، العديد من الصهاريج التي تبيع المياه ما هي إلا صهاريج شفط الصرف الصحي المنزلي وهي ملوثة وخطيرة»، يضيف المصدر.
بدوره، شرح مصدر في «مؤسسة مياه حلب» أنّ «الارهابيين يتحكمون بمحطة الضخ في منطقة سليمان الحلبي، ولا يلتزمون بأي اتفاق مع الهلال الاحمر، ويومياً تحتاج المحطة إلى صهريجي مازوت لأنّ خط الكهرباء الذي يغذيها خارج الخدمة». وأشار إلى أنّ «الهيئة الشرعية هي من تسيطر على المحطة وتوجد خلافات كبيرة بين زعمائها، ونحن كمؤسسة لا صلة مباشرة لنا معهم إلا عن طريق الهلال الأحمر خصوصاً أنهم قتلوا عدداً من عمالنا». ولفت المصدر إلى «خطورة سعي المسلحين إلى ضخ المياه باتجاه أحياء يسيطرون عليها فقط، ما يحمل خطر انهيار في المنظومة المائية المتكاملة وصعوبة صيانتها، ما يحرم مليونيْ مواطن المياه، بمن فيهم من يقطنون تحت سيطرة الإرهابيين».
معاناة الاهالي
منذ أسبوع، تنتشر طوابير الأطفال والنساء أمام مناهل الجوامع والآبار الحكومية لتعبئة أوعية صغيرة، تبدأ بالطناجر وأباريق الشاي وعبوات المياه الغازية، وتنتهي بالبراميل صغيرة الحجم. فيما يحصل عدد من المسؤولين والعاملين معهم على صهاريج تضخ المياه إلى خزانات منازلهم وسط غضب السكان.
وكثيراً ما تشهد الصفوف التي تغصّ بالأهالي، مشاجرات بسبب عدم احترام عناصر «اللجان الشعبية» للأدوار، واجبار بعضهم سائقي الصهاريح على تعبئة خزانات بيوتهم أولاً.
تقول ليلى نيرباني، المقيمة في حي الميدان: «منظر مهين لكل مواطن سوري هذا التدافع على تعبئة سطل مياه، والأصعب هو ما يقوم به عناصر اللجان الشعبية».
الطوابير لم تقتصر على الأحياء الشعبية، فكل أحياء المدينة باتت تعاني شح المياه، وهي تكتظ اصلاً بالمهجرين. آبار الجوامع تعمل 24 ساعة، كذلك الآبار التي جهزتها منظمة الهلال الأحمر. كذلك لم يتوانَ مجلس المدينة عن فرز عشرات صهاريج الإطفاء والدفاع المدني لتزويد السكان بمياه الشرب بشكل عشوائي في مختلف شوارع المدينة.
شحّ المياه جعل تجارتها رائجة، إذ يروي أيمن، وهو مستثمر في مطعم سياحي، أنّه «دفعت مبلغ 20 ألف ليرة سورية (حوالى 130 دولار أميركي) مقابل 20 متر مكعب من المياه. الدولة كانت تؤمن لنا مياه الحنفية سعر المتر بسبع 7 ليرات، ولكن ليس أمامي سوى ذلك أو إغلاق المطعم».
«اسق العطاش» من أشهر الموشحات الحلبية التي تربّى الحلبيون على سماعه، لكنهم اليوم يردّدونه وفق مزاج الجماعات المسلحة المتحكمة بمحطة ضخ مياه الشرب. وتبلغ مساحة شبكة المياه في المدينة نحو 2400 كم، تغذيها محطتا ضخ كلاهما تقعان تحت سيطرة المسلحين. الأولى في باب النيرب تغذي المنطقة الشرقية من المدينة التي يسيطر عليها المسلحون ولا تعاني من أية مشاكل، والثانية تغذي الجزء الغربي من المدينة، وأحياء ينتشر فيها المسلحون أيضاً. أما منطقة حريتان في الريف الشمالي، فتتغذى من محطة الضخ في سليمان الحلبي حيث تعاني كمدينة حلب من انقطاع المياه.
«مؤسسة مياه حلب الحرة!»
حاولت «الهيئة الشرعية» تشكيل مؤسسة مياه خاصة بها تتألف من بعض الموظفين والعمال «المنشقين». لكن هذه المحاولة باءت بالفشل، فسرعان ما دخلت المؤسسة في بازار التنافس والصراعات الفصائلية. فبحسب المصادر، طلبت «جبهة النصرة» مبلغ 4000 دولار مقابل كل أسطوانة كلور، بعد أن سيطرت على معمل الكلور قرب دير حافر، ومنعت موظفي المؤسسة الحكومية من استلام الكميات المتفق عليها مع المعمل لتعقيم المياه. وفرضت النزاعات الداخلية خيارين، إما «قطع المياه عن المدينة أو ضخها بدون تعقيم».
وبعد ذلك ترك «الثوار» عبء مياه الشرب للدولة، وأصبحت مؤسسة المياه الحكومية تشغلها بالتعاون مع الهلال الاحمر السوري الذي يتولى نقل المازوت ومواد التعقيم إلى المؤسسة، التي استمرت بإرسال العاملين الفنيين لتشغيل وصيانة المحطة.
باسل ديوب
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد