تفاهم حمص القديمة يتقدم ويتعثر وأنفاق التفجير تهدد قلعة حلب
حمص القديمة، التي كانت تصفها بعض قوى المعارضة بأنها «عاصمة الثورة»، أمست من دون مسلحين، بعد خروج آخر دفعة منهم أمس، على الرغم من تعثر الجولة الأخيرة من التسوية، والتي تتضمن تسليم شحنات إغاثة إلى قرى في ريف حلب، بعد منع مسلحين من «جبهة النصرة» قافلة من الوصول الى قريتي نبل والزهراء.
وسبق هذا التعثر فرحة لدى أهالي مختطفين من ريف اللاذقية، بعد إفراج المسلحين عن الدفعة الثانية منهم، والتي شملت 25 شخصا من النساء والأطفال والمسنين، مضى على اختطافهم نحو عشرة أشهر، ويشكلون ما نسبته 50 في المئة تقريبا ممن تم اختطافهم في معركة ريف اللاذقية في آب الماضي، وينتمون إلى قرى برمسه والحمبوشيه وبلوطة ونباتي وبارودة.
في هذا الوقت، كانت حلب على موعد مع تفجير جديد، دمر هذه المرة فندق «الكارلتون» الأثري، الذي لا يبعد سوى 50 مترا عن القلعة التاريخية في حلب، والتي يخشى ان تكون هدف المسلحين الجديد. ودمر التفجير، الذي تبنته «الجبهة الإسلامية»، وتم عبر حفر نفق وتفخيخه، ما تبقى من الفندق الذي كان تعرض لتفجير مماثل في شباط الماضي.
وأعلنت وسائل الإعلام الحكومية منطقة حمص القديمة خالية من السلاح، كما رفع عناصر الجيش العلم السوري على منصة ساعة حمص القديمة. ومع انتهاء عملية خروج المسلحين من أحياء وسط حمص، يكون النظام السوري قد استعاد غالبية أحياء ثالث كبرى مدن البلاد، باستثناء حي الوعر الذي يقطنه عشرات الآلاف من الأشخاص، بينهم عدد كبير من النازحين من أحياء أخرى في حمص.
وجال محافظ حمص طلال البرازي برفقة بعض الفنيين في أحياء المنطقة، مرورا بدوار الساعة، كما تفقد مبنى المحافظة القديم، معلنا أن «ورش الصيانة والخدمات ستدخل هذا القسم من المدينة صباح اليوم، وذلك في الوقت الذي تقوم به وحدات من الهندسة بالبحث عن ألغام أو متفجرات».
وتأخر خروج الدفعة قبل الأخيرة من المسلحين من حمص القديمة لفترة ما بعد الظهر، بسبب التعقيدات التي ترافقت مع تسليم شحنة الإغاثة لقرى في ريف حلب الشمالي، والتي تعرضت لقصف بالقذائف أمس الأول.
وقرر القائمون على الاتفاق تغيير الطريق الذي كان مقررا أن تسلكه القافلة عبر دوار الليرمون إلى منطقة المنصورة، حيث مرت 20 سيارة محملة بمواد غذائية وطحين ومواد طبية وأغذية أطفال، متوجهة إلى قرى تقع تحت سيطرة المسلحين، وأخرى يحاصرها الجيش السوري.
وكان مسؤول حكومي رفيع المستوى قال، في وقت سابق أن الجانبين اتفقا على أن تشمل المساعدات عددا من القرى المحاصرة في ريف حلب الشمالي، بغض النظر عن ولاءاتها. وسبق للجانب المعارض أن اعترض على فك الحصار جزئيا عن قريتي نبل والزهراء، كما حاولت «جبهة النصرة» إعاقة عملية الإغاثة فيهما لأسباب مذهبية. وشملت القرى عموما كلا من عندان وحريتان ومعارة الأرتيق وكفرحمرا وحيان وماير، إضافة إلى نبل والزهراء.
إلا أن القافلة عادت لتتوقف، مع حلول الظلام بسبب تعثر إمكانية الوصول إلى مبتغاها، الأمر الذي أدى إلى توقف 13 حافلة محملة بالمسلحين في مناطق محاذية لحمص القديمة.
وكان العشرات تمكنوا من المغادرة، وهم يحملون أسلحتهم الخفيفة، تحت إشراف القوى الأمنية السورية، التي تكفلت بسلامتهم وصولا إلى نقطة الدار الكبيرة التي تبعد حوالى 20 كيلومترا شمال حمص.
ووفقا لما قالته مصادر من حمص في وقت متأخر، فإن المسلحين المتبقين غادروا المنطقة القديمة، إلا أن القوى الأمنية لن تسمح لهم بمغادرة حمص قبل تنفيذ البند المتعلق بحلب. وقال البرازي ان قافلة المسلحين (التي تضم نحو 500 شخص) عالقة على المخرج الشمالي لحمص القديمة «بسبب عوائق لوجستية».
ويعتبر اتفاق حمص القديمة من ابرز اتفاقات التسوية التي حصلت بين الحكومة والمجموعات المسلحة. ونسبت وسائل إعلام المعارضة الاتفاق إلى فصائل عدة، من أبرزها «الجبهة الإسلامية»، و«جبهة النصرة»، و«جيش المجاهدين»، و«الغرفة المشتركة لأهل الشام»، و«الهيئة الشرعية في حلب»، و«غرفة مجاهدي جبل الأكراد»، و«غرفة عمليات الأنفال»، وذلك على الرغم من اتهام كل من «جيش المجاهدين» و«النصرة» بمحاولة عرقلة الاتفاق أيضا.
واعتبر المراقبون الاتفاق أول عملية اتصال فعلية، ولو عبر وسطاء، بين الحكومة السورية و«الجبهة الإسلامية» المدعومة سعوديا، والمسؤولة عمليا عن تسليم المختطفين السبعين من منطقتي ريف اللاذقية وحلب، كونها المسؤولة أيضا عن اختطافهم.
ورغم أن الإعلام السوري الرسمي تجاهل بشكل واضح مجريات العملية وتفاصيلها، إلا أن وسائل الإعلام المقربة منه اعتبرت الاتفاق «نصرا على الإرهاب» قاد إلى «إفساح الطريق نحو إعلان كل حمص منطقة خالية من المسلحين». ورفض المسؤولون المشاركون في عملية التفاوض تسمية ما جرى بأنه «اتفاق»، مستخدمين كلمة «تسوية إنسانية» بدلا منه. واستخدم الجانبان بشكل جدلي ذات التوصيف، للدلالة على أن الاتفاق لمصلحتهم، فتحدثت وسائل الإعلام الموالية للسلطات عن خروج المسلحين تحت سيطرة القوى الأمنية، فيما جادلت وسائل إعلام المعارضة أن المقاتلين خرجوا بأسلحتهم سالمين بعد عامين من الحصار.
أيا يكن، فقد سجل الاتفاق تقدما لمصلحة الحوار على القتال، وإن كان استند في عوامل قوته للتقدم العسكري للجيش السوري، من جهة، ولاستخدام المخطوفين رهينة لدى المسلحين من جهة أخرى. كما أن من أبرز ما يمكن الانتباه إليه في ما جرى أن ما بقي من المعارضة «المعتدلة» المسلحة، أو ما يعرف بـ«الجيش الحر»، لم يعد سوى ميليشيات صغيرة تحتاج من ينقذها من وطأة المعركة المقبلة دوما مع الجيش السوري.
وأمس أصدرت «الجبهة الإسلامية» عدة أشرطة تدافع فيها عن الاتفاق، وحددته بمعايير مذهبية قادت إلى تبادل «مخطوفين بمجاهدين». وتوعد متحدث باسمها الجيش السوري بمزيد من القتال على جبهات جديدة، علما أن وحدات عدة من الجيش تحركت بعد إغلاق جبهة حمص القديمة، باتجاه مناطق ريف حمص الشرقي، وريف حلب معا، وذلك فيما تستعد لجنة التفاوض الحكومية للعمل على تسوية تشمل حي الوعر، آخر معاقل المسلحين في مدينة حمص.
وقبل ساعات من لقاء وزير الخارجية الأميركي جون كيري برئيس «الائتلاف الوطني السوري» المعارض احمد الجربا، فرضت واشنطن المزيد من العقوبات على مسؤولين سوريين ومصافي نفط ومصرف روسي.
وذكرت وزارة الخزانة الأميركية، في بيان، إن العقوبات تستهدف ستة مسؤولين سوريين، بينهم مستشار الرئيس بشار الأسد للشؤون الإستراتيجية العميد بسام حسن. كما طالت مصرف «تبيمبانك»، ومقره موسكو، ومديره التنفيذي ميخائيل غاغلويف، بتهمة تزويد «البنك المركزي السوري وشركة تسوق النفط السورية (سيترول) بملايين الدولارات نقدا وعلى شكل خدمات مالية». كما استهدفت العقوبات شركتي مصفاة بانياس وحمص.
وفي بروكسل، عقد اجتماع دولي رفيع المستوى حول خطر «المقاتلين الأجانب» في سوريا، حضره ممثلون عن سبع دول أوروبية، إلى جانب نظرائهم من الولايات المتحدة وتركيا والأردن والمغرب وتونس. وهدف الاجتماع إلى درس سبل مواجهة خطر عودة «الجهاديين» إلى دولهم.
وقال ديبلوماسيون أميركيون إن الجربا قدم إلى كيري طلبا لتسليم أسلحة إلى المقاتلين، لكن وزير الخارجية رد ان الجربا «يفهم اكثر من اي شخص آخر الرهانات والحرب ضد التطرف». واكتفى بالتعبير عن «التزام الولايات المتحدة بالقيام بقسطها من دعم المعارضة المعتدلة».
زياد حيدر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد