حمص: المفقودون ينتظرون من يجدهم
في 3 آذار العام 2012، قصد أحمد سليمان العيسى وابنه الوحيد مهند منزلهما في حي الوعر في حمص لتفقده، بعد ان نزحت العائلة من الحي مع ارتفاع حدة التوتر، لكنهما لم يعودا، فقد قام مسلحون بخطفهما ونقلهما إلى جهة مجهولة، فانقطعت أخبارهما لتبقى عائلتاهما (مهند متزوج ولديه ثلاثة أبناء) نازحتين لا معيل لهما، تبحثان عن مفقوديهما عبثاً.
في اليوم ذاته، هجّرت سناء سمرو وعائلتها من حي البياضة إلى مناطق زراعية في ريف المشرفة، وقام مسلحون معارضون بخطف زوجها أحمد سمرو من أمام منزله في البياضة، لتبقى تنتظر، مع أطفالها الثلاثة، أيَ خبر عن مصير زوجها.
مئات القصص المشابهة يصادفها من يبحث في ملف لا يزال يقضّ مضجع حمص، التي تشهد في هذه الأيام خطوات متسارعة لحل احد الملفات العالقة (المحاصرون في المدينة القديمة)، ليبقى ملف المفقودين تائهاً، حاله كحال العائلات التي أعياها انتظار نبأ صغير يدلّها على مكان وجود مفقودها.
مصدر مطلع على ملف المفقودين في حمص كشف، أن عدد المفقودين الذين تم توثيقهم بلغ حتى الآن نحو 2400 شخص، مشيراً إلى أن هذا الرقم لا يعبّر عن المخطوفين، وإنما عن المفقودين الذين خطفوا ولم يعرف مصيرهم بعد، مشدداً على أن الرقم الحقيقي يزيد عن هذا الرقم بكثير، كون مهمة التوثيق صعبة للغاية بسبب تشرد العائلات، ونزوح قسم كبير منها إلى مناطق أخرى (بعضها خارج سوريا)، إضافة إلى عدم قيام بعض الأهالي بالتبليغ عن حوادث الفقدان، موضحاً في الوقت ذاته أن هذا الملف يعتبر من أكثر الملفات تعقيداً في المدينة، بسبب قيام المسلحين بنقل عدد كبير من المخطوفين إلى خارج حمص (أرياف إدلب وحلب ودمشق)، وتشرذم المسلحين وتعدد فصائلهم، ما يجعل تتبع هذه القضية وحلّها أمراً في غاية الصعوبة.
وفي حين ارتفعت بعض الأصوات المطالبة بالنظر في قضية المخطوفين الموجودين في حمص القديمة، التي شهدت أولى حالات الخطف في سوق الحشيش، بعد توارد أنباء مؤكدة عن وجود المئات في معتقلات في الداخل، بالتزامن مع حل مشكلة المدنيين المحاصرين في المدينة القديمة، أشار المصدر إلى أن هذا الملف لم يحرز حتى الآن أي تقدم يذكر لعدة أسباب، أبرزها تجاهل الوفد التابع للأمم المتحدة، الذي توسط لإخراج المدنيين، لهذا الملف، والإصرار على النظر فيه في وقت لاحق.
من جهته، رأى الأب ميشال نعمان، العضو في لجنة المصالحة الشعبية، وهي لجنة شعبية غير تابعة لأية جهة سياسية، أن عملية إخراج المدنيين المحاصرين خطوة مهمة من شأنها أن تساهم بشكل كبير في حل قضية المخطوفين، والمفقودين بالذات، خصوصاً بعد تجاوز الشرط الحكومي الذي حدد أعمار من يسمح بإخراجهم بين 14 و55 عاماً، ما شجع الكثير من الشبان على الخروج وتسليم أنفسهم، مطالباً في الوقت ذاته «بالصبر لإيجاد حل، وإنهاء هذا الملف الذي يشكل جرحاً نازفاً تنتظر عائلات كثيرة تضميده».
وفي السياق عينه، كشف 4 عسكريين، كانوا مخطوفين وتمكنوا من الفرار من حمص القديمة في أيلول الماضي، أن المسلحين داخلها قسموا المخطوفين لديهم إلى مجموعات صغيرة وتم توزيعهم على مقار عديدة، وسط حرص على عدم احتكاك هذه المجموعات ببعضها، الأمر الذي يجعل معرفة الرقم الحقيقي للمخطوفين وهوياتهم في الداخل صعباً جداً، أمام إصرار بعض الجماعات المسلحة على عدم الكشف عن هوية المحتجزين لديها، في حين تمكنت بعض العائلات من معرفة مصير مخطوفيها والحصول على تأكيدات بتواجدهم في الداخل.
ومما كشفه المخطوفون الذين تمكنوا من الفرار من حمص القديمة، أن المسلحين يقومون بتشغيل المخطوفين ببعض الأعمال الميدانية المجهدة، مثل حفر الأنفاق، ونقل وإعداد السواتر الترابية، في ظروف غير إنسانية.
وقال أحد الفارين، ويدعى محمد فندي، «عملنا في حفر الأنفاق في حي باب هود لمدة 10 أشهر، وهي مدة وجودنا لدى المسلحين. وعند تقدم الجيش السوري في حي باب هود، في 19 أيلول العام 2013، طلب الخاطفون منّا إقامة سواتر رملية بعد الانتهاء من حفر أحد الأنفاق، وعندما شاهدنا نقاط تمركز الجيش ركضنا بسرعة باتجاههم أنا ورفاقي وتمكنا من الفرار».
تعيش سناء وأطفالها الثلاثة، الذين لم تتمكن من إرسالهم إلى المدرسة، في غرفة واحدة خالية من مقومات الحياة. تعمل في قطاف الزيتون وأوراق العنب، كما تعمل على جمع الحطب في الشتاء لإطعام أطفالها، بانتظار أي خبر عن مصير زوجها، حالها كحال الآلاف ممن خسروا قريباً لهم، في الوقت الذي يشكل فيه ملف المخطوفين بشكل عام، والمفقودين خصوصاً، رقماً صعباً في حمص يبدو أن حلّه سيطول.
علاء حلبي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد