إسرائيل تتحفظ على الخطة الأمنية التسوية المقبلة مرحلية بانتظار قرار الطرفين
اتضحت أمس أكثر من أي وقت مضى منذ تولي جون كيري وزارة الخارجية الأميركية طبيعة التسوية التي يجري التفاوض بشأنها. وخلافا للتأكيدات المتواصلة من جانب الأميركيين والفلسطينيين بأن المفاوضات تجري للتوصل إلى تسوية دائمة، أكد الرئيس الأميركي باراك أوباما أن غايتها هو التوصل إلى «اتفاقية إطار» يتم تنفيذها على مراحل. وتعيد هذه الفكرة إلى الأذهان اتفاقية أوسلو، التي كانت هي الأخرى قبل 20 عاماً «اتفاقية إطار» بأمل تنفيذها على مراحل.
ولكن الإسرائيليين، بين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزيري خارجيته ودفاعه أفيغدور ليبرمان وموشي يعلون، يرفضون كل اتفاق إن كان إطارا أو جزئيا، إما لأن «القنبلة الإيرانية تفشل المفاوضات مع الفلسطينيين» وإما لأن لا شريك قائما في الطرف الآخر.
وقد أعلن أوباما أمام «منتدى سبان» في واشنطن يوم السبت «أنني أعتقد أن بالوسع في الشهورالمقبلة التوصل إلى اتفاق إطار لا يصوغ كل التفاصيل، ولكن الجميع يعترف به». وأضاف «يصعب أحياناً تسلق الجبل، لكن حل الدولتين ممكن، وقـــــد كرسنا الكــــثير من الوقـــت للعمل مع نتنياهو وطــاقمه لفهم ما يلــــزم أمن إسرائيل من وجهة نظر إسرائيل، لكن ليس بوسعنا أن نملي عليها ضرورات أمنها».
وشدد على أن أميركا تقف إلى جانب إسرائيل «حيث ينبغي توفير رد مناسب للترتيبات الأمنية التي تريدها إسرائيل، لكن على الجميع الخروج من صناديقهم». وأشار أوباما إلى أن «التسوية ستكون تدريجية. فالإسرائيليون لن يقبلوا بنسخ ما جرى في الضفة الغربية. هذا غير معقول». وشدد على أن أميركا تعرف صيغة الاتفاق الممكن، متسائلا هل أن الطرفين على استعداد لاتخاذ القرارات الصعبة؟
وشكلت الترتيبات الأمنية في مفاوضات التسوية مع الفلسطينيين جانباً مهماً من خطاب نتنياهو أمام «منتدى سبان» حيث قال إنه فيما تبدو إسرائيل كمن يعرقل السلام، فإنها فعليا تصطدم برفض متواصل من جانب الفلسطينيين. وأضاف أنه «طوال 20 عاماً مرت منذ أوسلو، كل مرة عرضنا فيها برنامجاً لسلام دولة يهودية إلى جانب دولة فلسطينية ـــ جوبهنا بالرفض... نحن ننتظر منهم الاعتراف بالدولة اليهودية مثلما نحن على استعداد للاعتراف بدولة فلسطينية. هذا هو مطلب الحد الأدنى للسلام». واستدرك قائلاً «لا أوهم نفسي: هذا ليس المطلب الوحيد. كل سلام نتوصل إليه ينبغي أن يشمل ترتيبات أمنـــية لحـــماية السلام، تمكن إسرائيل من الدفاع بنفسها عن نفسها». وربط بعـــــدها بين إيران وفلسطـــين قائلا «إذا بنت إيران قنبلة، فإن عملية السلام ستفــــشل. هذا يقــــوض كل ما حقـــقناه مع الفلسطينيين».
ونشرت «هآرتس» نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين اطلعوا على الصيغة الأميركية للترتيبات الأمنية، التي عرضها كيري على نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس، أنها تتضمن تواجد القوات الاسرائيلية على طول نهر الاردن على مدى بضع سنوات، يتم تخفيفه بشكل تدريجي وفقاً للوضع الامني على الارض.
وقال أحد هؤلاء «يدور الحديث عن فترة زمنية طويلة يبقى فيه تواجد عسكري اسرائيلي على طول نهر الاردن، اكثر من ثلاث أو أربع سنوات». وأشار آخر إلى أن الإدارة الأميركية تبنت الموقف الاسرائيلي المبدئي في موضوع أهمية الترتيبات الامنية، كشرط للتقدم في المفاوضات. ولم يرفض نتنياهو الصيغة رفضاً باتاً، ولكنه تقدم بعدة تحفظات.
اما وزير الدفــــاع موشي يعلـــــون فقد تحــــفظ على معظــــم بنود الاقتراح، ولا سيما اخلاء الجيش الاسرائيلي من معظم مناطق الضفة باستثناء غور الاردن.
وكان كيري قد أعلن قبيل مغادرته اسرائيل يوم الجمعة الماضي أنه «اذا لم يزد الاتفاق مع الفلسطينيين مستوى أمن اسرائيل فلن يكون هناك اتفاق».
عموماً، أشارت «هآرتس» إلى أن الصيغة الأميركية تستند على ما يبدو إلى أن الدولة الفلسطينية ستكون مجردة من السلاح الثقيل، ولكن يمكنها الاحتفاظ بقوة أمن قوية لغرض الامن الداخلي ومكافحة الارهاب. واقترح الاميركيون الاشراف على تجريد الدولة الفلسطينية بواسطة طلعات الطائرات من دون طيار من الجيش الاميركي لغرض التصوير، على نحو يشبه طلعات الرقابة الاميركية على اتفاق فصل القوات بين اسرائيل وسوريا في هضبة الجولان. وبحسب الصيغة، فان معابر الحدود على طول نهر الاردن ستكون تحت سيطرة مشتركة إسرائيلية ـــ فلسطينية مع احتمال تواجد اميركي. مع ذلك، فان الصيغة تفرض اخلاء الجيش الاسرائيلي من معظم اجزاء الضفة الغربية باستثناء غور الاردن، ولا يسمح لاسرائيل بحرية العمل داخل اراضي الدولة الفلسطينية لغرض تنفيذ مطاردات او احباط عمليات.
وتتضمن الصيغة الأميركية استعداداً لاستثمار مليارات الدولارات في تحسين القدرات الاستخبارية الدفاعية والهجومية للجيش الاسرائيلي، وذلك لاعطاء جواب تكنولوجي على اخراج القوات من معظم أراضي الضفة. وقد شارك حوالي 160 خبيرا أمنيا وديبلوماسيا أميركيا في بلورة الصيغة.
ومعروف أن الفلسطينيين رفضوا معظم بنود الصيغة الأميركية لأنها في نظرهم تخلد الاحتلال. أما في إسرائيل فالصيغة أكثر تعقيدا بسبب الخلافات بين كل من نتنياهو ويعلون ووزير الخارجية افيغدور ليبرمان ووزيرة العدل تسيبي ليفني. وبعض هؤلاء يعتقد أن في الصيغة الأميركية نقاطا يمكن البناء عليها، في حين يرفــــض يعلون كـــــل ما يقيد حرية عمــــل الجيش الإسرائيلي في أراضي الدولة الفلسطينية.
اما ليبرمان، الذي تحدث أمس الأول في منتدى «سبان» في واشنطن، فوصف وضع المفاوضات بالطريق المسدود. وقال إنه «توجد رغبة شـديدة، ولكني لا اعتقد أن هذا ممكن. ليس سهلاً جسر الفجوات. نحن لسنا قريبين من الاتفاق، ولا حتى من اتفاق مرحلي. هذا هو تقديري».
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد