البلدان الناشئة وهروب الرساميل
كانت دول «البريكس» (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، افريقيا الجنوبية) تعد الرابح الأكبر من الأزمة المالية العالمية التي بدأت في خريف العام 2008. لقد نأت تلك البلدان بنفسها عن أزمة الديون التي ضربت أميركا وأوروبا. غير أن الأمور بدأت تتغير الآن، بعد أن قرر الفيدرالي الأميركي التوقف تدريجاً عن ضخ الأموال في الاقتصاد الأميركي. وتعاني الصين من صعوبات في جعل عملتها (اليوان) قابلة للتحويل، وتوجيه صناعاتها إلى إنتاج السلع الموجهة إلى الاستهلاك الداخلي. ويؤثر ضعف الاقتصاد الصيني في تقلص مستوردات الصين من المواد الأولية من البلدان المجاورة. ولهذا تعاني بلدان أندونيسيا وماليزيا وتايلند من ضعف صادراتها إلى الصين ومن هروب الرساميل الأجنبية الذي يؤثر في قيمة عملاتها. ويقول محافظ البنك المركزي في أندونيسيا إن تلك المشكلة في طريق الحل. الا ان الخبراء الاقتصاديين لا يشاركون المدير المذكور في توقعاته. وتعيد المشاكل الاقتصادية الحالية ذكرى الانهيار المالي الذي أصاب دول «النمور الآسيوية» في العام 1997. وقد بدأت تلك الأزمة من قبل بسبب فقاعة العقارات التي انفجرت في تايلند في ذلك الوقت. وقد ربطت تايلند عملتها بالدولار الأميركي لحمايتها من نشاطات المضاربين، ولكنها اضطرت أخيراً لضخ احتياطاتها المالية في السوق لحماية عملتها، من دون جدوى.
تتصرف الدول الآسيوية الناشئة بطريقة أفضل اليوم في مواجهة أزمتها، من خلال الاحتياطات الكبيرة للعملة الصعبة، وإصلاح نظام البنوك، وفي البدء عدم ربط عملاتها بالدولار الأميركي. وقد اضطرت البلدان الثلاثة (أندونيسيا وماليزيا وتايلند) إلى بيع 81 مليار دولار بهدف المحافظة على قيمة عملاتها.
يعيش أكثر من نصف السكان في أندونيسيا بأقل من دولارين في اليوم. وهم يشترون اليوم كميات أقل من الغذاء بسبب انهيار قيمة العملة المحلية. وفي الهند كذلك انخفضت قيمة العملة المحلية. واضطرت الحكومة إلى رفع رسوم استيراد الذهب للدفاع عن قيمة عملتها. كما اضطرت أيضاً إلى اتخاذ خطوات حمائية أخرى ما أدى إلى هروب الرساميل الأجنبية. وتتخبط الحكومة الهندية في اجراءاتها المالية: فحيناً ترفع الرسوم الجمركية وأحياناً تشجع المستثمرين الهنود على إرجاع رساميلهم من الأسواق العالمية إلى السوق المحلي.
من أسباب تراجع الاقتصاد الهندي فقدان المستثمرين ثقتهم بالاقتصاد وبالسياسيين. كما ان نسبة النمو الاقتصادي تراجعت إلى النصف، وتراجع الميزان التجاري وانخفضت قيمة الاسهم. ويؤدي كل ذلك إلى ازدياد نسبة التضخم. تعاني البلدان الناشئة من أزمة طاحنة سببها الأول هروب الرساميل. ولمعالجة ذلك لا بد من رفع نسبة الفائدة الذي سيؤدي بدوره إلى إضعاف الاقتصاد، والذي يؤدي إلى نشوء الاضطرابات الاجتماعية.
سمير التنير
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد