حول قرار تعليق استيراد بعض المواد
تعاني بوصلة التجارة الخارجية في سورية من عدم استقرار المؤشر باتجاه واحد لفترة زمنية طويلة، فمن مرحلة تأمين التجارة الخارجية وحصر الاستيراد عبر مؤسسات التجارة الخارجية في منتصف ستينيات القرن الماضي، إلى عدد من الحالات وتحت عدد من التسميات، من ممنوع وموقوف ومحصور استيراده، إلى مرحلة لاحقة بالاستيراد من خلال مخصصات الصناعيين بدأت برقم خجول قدره أربعة وعشرون ألف ليرة سورية سنوياً ثم تطور إلى رقم اثنين وسبعين ألفاً للصناعيين وبعض أصناف ومواد التجار والتي تصب في حاجات الصناعة بالنتيجة أو استدراك بعض السلع الضرورية للسوق التجارية والمستهلك، ثم الانتقال إلى السماح بالاستيراد عبر حصيلة الصادرات -وكم من صادرات وهمية صدرت- وكم من ثروات خيالية جمعت، وكذلك مرحلة تأمين تمويل المستوردات بوسائل المستورد الخاصة، ومنها عبارة دون الحاجة لتحويل القطع، وأيضاً بتسهيلات ائتمانية تسدد عند الاستحقاق بالوسائل الخاصة.
ثم بدأت مرحلة تفكيك قيود التجارة الخارجية استيراداً وتصديراً وأصبحت الأسواق مرتاحة بما يلبي حاجات المستهلك من مواد غذائية وأقمشة وأدوات كمبيوتر ومستلزمات الطلاب للدراسة وغيرها، كما تمكنت المصانع من تأمين حاجاتها من المواد الأولية، وقطاع البناء أمن حاجته من الإسمنت والحديد ولوازم البناء والإكساء، وكانت الحاجة ماسة لتأمين وسائل النقل نظراً لعدم توافر وسائل نقل عامة تفي بالحاجة وعند تحرير التجارة فتح الباب على مصراعيه أمام المستوردات ومن كل بلدان العالم، وأصبحت قائمة البنود الجمركية ممنوعة الاستيراد لا تزيد على عدد من البنود، ولا تجاوز الصفحة، ورافق ذلك توقيع عدد من اتفاقات منطقة التجارة الحرة مع البلاد العربية وغيرها.
ورغم انتعاش الصناعة في كل المجالات الغذائية والنسيجية وغيرها، إلا أنها بقيت تعاني من بعض الصعوبات بين الحين والآخر، وأنا لا أنكر اهتمام الحكومة في كثير من الأحيان بالصناعة السورية، ولكن بقيت هذه الاهتمامات دون المستوى الذي يرقى بالصناعة إلى المسار الذي يجعلها تستمر ولا تتـأثر بكثير مما اعترضها. هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإننا لم نحسم خيارنا الاقتصادي في سورية، لا من حيث النهج ولا من حيث الأولويات، فسورية فيها الزراعة وفيها الصناعة والتجارة والسياحة ومن الترانزيت والخدمات ولكننا لم نضع ترتيب الاهتمام ورغبنا أن نمشي فيها جميعاً، وبطل الرياضة لا يتمكن من ممارسة كل السباقات في آن واحد.
ومن جهة ثالثة فأنا كمواطن لم أضع يدي أو عيني على حقيقة وواقع القطع الأجنبي في سورية، فمن قائل إننا نملك احتياطاً غير محدود، وآخر يقول إننا سندعم العملة السورية ولا خوف عليها، وآخرون يبيعون عشرة آلاف دولار لكل من يطلب، وهذا يعني أننا نحتاج إلى إدارة مالية ومصرفية حازمة تضع خطاً ولا تحيد عنه.
ورابعاً وأخيراً وصلنا إلى تسمية جديدة هي تعليق استيراد البنود الجمركة التي يزيد رسمها الجمركي عن 5%.
وبذلك شطبنا كل الآمال والطموحات التي قامت وشجعت عملية الاستثمار على اختلاف أشكاله وأنواعه، ورغم الطمأنات التي صدرت وتصدر إلا أن الإجراء بحد ذاته ألقى ثقلاً وعبئاً نفسياً على صدور كل العاملين بالقطاع الاقتصادي.
هذه دعوة لحسم خيار نهجنا الاقتصادي، والأمر الاقتصادي ليس شأناً حكومياً فقط، بل هو شأن يهم كل المواطنين ونحن كغرف تجارة لم يعلمنا أحد بهذا الاتجاه وأكد ذلك السيد وزير الاقتصاد بأن هذا الموضوع هو قرار مجلس الوزراء ولم يستشر به أحداً.
محمد غسان القلاع- رئيس غرفة تجارة دمشق
المصدر: الوطن
التعليقات
كأنو المقال متأخر شوي
لوين بدو يوصل
إضافة تعليق جديد