نتائج لجنة التحقيق في أحداث غزة
توصل تقرير لجنة التحقيق التي شكلتها السلطة الفلسطينية في اسباب الحسم العسكري لـ «حماس» في قطاع غزة في حزيران (يونيو) الماضي، الى ان عوامل عدة ساهمت في «سرعة الانقلاب الحمساوي» وانهيار 50 الفاً من عناصر الأمن، بينها «اختراق» الحركة المؤسسات الامنية والعسكرية بنسبة وصلت الى 35 المئة و «تفشي الفساد والرشوة» في هذه المؤسسات و «ترهل» حركة «فتح» و «تلاشي عقيدتها القتالية».
ويفرد التقرير حيزاً واسعاً لدور مستشار الأمن القومي الفلسطيني محمد دحلان واثر غيابه خارج البلاد خلال «فترة الحسم» على «هبوط المعنويات» لدى القوات الأمنية ونجاح «حماس» في تعزيز الانقسامات داخل «فتح» والحرب النفسية - الاعلامية بالتركيز على «تيار (دحلان) الخياني» واقتناع عدد من «الفتحاويين» بالابتعاد عنه لأنهم «لا يريدون خوض معركة دحلان»، اضافة الى عدم الاصغاء لأوامر رئيس غرفة العمليات التي شكلت في بداية حزيران الماضي الفريق عبد الرزاق المجايدة الذي ينقل التقرير عنه قوله: «لم اكن قائداً لأحد». وتوصي اللجنة باعفاء أو اقالة 23 ضابطاً وإحالة 74 آخرين الى القضاء لتقصيرهم في المواجهات مع «حماس».
وعقدت اللجنة التي شكلها الرئيس محمود عباس برئاسة الطيب عبدالرحيم وعضوية 8 آخرين بينهم اللواء أحمد عيد ونبيل عمرو 49 جلسة استماع خلال 29 يوماً استمرت 128 ساعة مع «قراءة عشرات التقارير والشهادات المكتوبة» قبل ان تصل الى تقرير في 150 صفحة مع ملاحق، سلم الى الرئيس عباس في 27 تموز (يوليو) الماضي. ويقسم التقرير الى فصلين رئيسيين: «المسؤوليات والتقصير» و «التوصيات في مجال التقصير والمسؤولية المؤسساتية والشخصية».
يرى التقرير ان «الصراع» بين حركتي «فتح» و «حماس» تمحور أساساً على «السلطة: صراع بين برنامجين متعارضين» واستهدف «استحواذ» حماس «على كامل السلطة، التي تشكل حكومتها وتقودها، وذلك بانقلاب الميليشيات الخارجة عن القانون على رئيس السلطة رأس الهرم باعتباره وفق الفهم الإنقلابي، رئيساً لفريق آخر، هو حركة «فتح»، بغية إعادة صياغة هذه السلطة شكلاً ومضموناً بما يعبر عن طبيعة حركة «حماس» وأهدافها، انطلاقاً من فهم ان نجاحها في الانتخابات التشريعية، يبيح لها امتلاك سلطة الشعب، والاستحواذ عليها ملكاً خاصاً، وكانت النتيجة، سيطرة «حماس» على مقاليد السلطة ومؤسساتها واجهزتها ومقراتها وسلاحها في قطاع غزة».
يبدأ معدو التقرير بسرد العوامل التي سهلت على «حماس» تحقيق اهدافها بينها «ضبابية الرؤية» على المستوى السياسي لدى قيادة «فتح» بدءاً من نشوء السلطة الوطنية الفلسطينية في العام 1994 خصوصاً ما يتعلق بـ «انعدام رؤية خاصة بالتعامل مع الحركات الدينية وميليشياتها، أو رؤية تخص بناء مؤسسة أمنية عسكرية جادة، محددة العقيدة والهدف»، قبل ان يسرد بضعة مؤشرات عن «مسيرة تحد حمساوي للسلطة لمس هيبتها وسيادتها ومؤسساتها الأمنية» وفق مبدأ «القضم التدرجي» بينها: اغتيال العقيد راجح أبو لحية قائد قوة حفظ النظام في الشرطة، واغتيال اللواء موسى عرفات مستشار الرئيس العسكري» وصولاً الى المواجهات التي حصلت في نهاية كانون الاول (ديسمبر) 2006، وهجوم اعضاء في «حماس» على «قافلة إمداد حرس الرئاسة، في طريقها من رفح إلى غزة في 1 شباط (فبراير) 2007 ومصادرة سبع مركبات لم يتم استردادها، وقصف معسكر التدريب التابع لحرس الرئاسة ليستشهد 20 متدرباً جديداً ويقع المعسكر بأيدي القوة التنفيذية «الحمساوية» من دون أن يتم استرداده أيضاً، اضافة الى مهاجمة معسكر «التوأم» أكبر معسكرات «قوات 17» ومعسكر حفظ النظام في اليرموك التابع للشرطة و «نهب» أكثر من مئة وخمسين بندقية.
ومن المؤشرات الاخرى، قيام القوات التنفيذية في 16 ايار (مايو) بـ «اقتحام الحرس الرئاسي والأمن الوطني في «كارني» لتغتال ثمانية من عناصر الأمن الوطني بمن فيهم قائد الكتيبة، وتقتحم منزل رشيد أبو شباك مدير الأمن الداخلي لتقتل حراسه وتشرد عائلته وتحرق البيت وتهاجم العديد من البيوت والأبراج الأخرى، وليمتد الهجوم للسيطرة على منطقة تل الهوى من وزارة شؤون الأسرى وبرج النور والصالح إلى البحر في خطة لمحاصرة المنتدى «مكتب الرئيس» واحتلاله».
في المقابل، كانت الامور تسير في طريقة مختلفة في «المعسكر» الآخر. وافاد التقرير «كان من المفترض وضع خطة ميدانية لإفشال وردع المخطط الحمساوي» وأن «يتم إعلان الاستنفار واستدعاء كافة القوات، لمضاعفة نسبة الدوام بالعمل من 30 إلى 60 في المئة» غير ان ما كان يحصل هو ان «المعنويات كانت في انهيار مستمر واصبح الكثيرون من العسكريين فاقدي الأمل».
ويفرد معدو التقرير حيزاً واسعاً لدور دحلان. ويبدأ بالتأكيد ان «كل التقديرات والمعلومات المتوافرة لدى جهات الاختصاص المعنية خصوصاً تلك الموجودة في ساحة المواجهة بقطاع غزة، كانت تؤكد أن «حماس» بعد اتفاق مكة ستذهب إلى تدمير السلطة والاستيلاء عليها»، ذلك ان «معلومات الاستخبارات في غزة والأمن الوقائي افادت بعد اتفاق مكة، أن حركة «حماس» تركت للأجنحة المسلحة (كتائب القسام والقوة التنفيذية) مهمة انتزاع حصتهم بالسلطة، من خلال فرض إعادة هيكلة أجهزة الأمن بالقوة باعتبارها من نصيبهم ولهذا كان تقييم الأجهزة بالنتيجة أنها مقبلة على معركة عسكرية فاصلة». وقال: «اتفاق مكة لم يكن سبباً في هذا القرار أو الموقف «الحمساوي»، لكنه لم يحل دون المضي قدماً بتنفيذ المخطط الإنقلابي المقرر قبل الاتفاق».
وبينما كانت القوة التنفيذية تعمل على خلق شرعية بـ «التوظيف والدمج وتهميش الأجهزة الرسمية»، كانت الامور تشير الى ان الوضع يزداد سوءاً في ضفة «فتح». وجاء في التقرير: «بحسب الكشوفات المصرفية فقد تلقى الأخ دحلان منذ بداية شهر كانون الثاني (يناير) 2007 ما يزيد على 25 مليون دولار اميركي من الصندوق القومي، صرف منها حوالى 19 مليوناً. وتم طلب سيارات من مصر بقيمة مليوني دولار إضافية ومن مصادر أخرى سدد منها مليون دولار ولم تسلم السيارات بعد، اضافة إلى وسائط النقل وبعض الاحتياجات اللوجستية التي يستنتج بأنها لم تكن عبر القنوات الصحيحة ولم توضع بالمواقع الصحيحة والأشخاص المناسبين ما يستوجب المساءلة». وزاد: «تأخرت عملية البدء بإعادة هيكلة وتأهيل المؤسسة العسكرية وبخاصة قوى الأمن الوطني التي كان مقرراً لها أن تجري من خلال دحلان بموجب المرسوم الرئاسي الصادر في 2 اذار (مارس) 2007 الذي فوض السيد دحلان بصلاحيات واضحة قوبلت بامتعاض واحباط ضباط وقيادات حركية ومستشارين آخرين، خصوصاً الفريق المجايدة الذي رأى في تلك الصلاحيات الواسعة تجاوزاً له ولدوره لمصلحة من فوضه (السيد دحلان) ليعمل نيابة عنه وهو الأخ توفيق أبو خوصة، الذي توصي اللجنة (لاحقاً) بضرورة نقله من الكادر العسكري إلى الكادر المدني».
وبعدما يشير الى ان صلاحيات دحلان كانت «واسعة» على كافة الأجهزة الأمنية، يقول: «اتجهت مهمة دحلان وسط معارضة وانتقادات داخلية (كما استمعت اللجنة من الشهادات) نحو التركيز على تلبية احتياجات قوى الأمن الوطني في غزة وبحسب مصادر ومقدار التمويل الخارجي المتاح والذي يستطيع الحصول عليه وبحسب الآليات الممكنة لامتلاك العتاد والسلاح، وهذه مؤشر آخر على حجم التفويض الواسع الذي شمل الاتصال بجهات خارجية في صورة مباشرة للحصول على التمويل أو التجهيزات بما في ذلك تأمين إدخالها»، قبل ان يشير الى ان «تغييرات هيكلية تم استحداثها على مستوى الأمن الوطني في غزة كان لها أثر على السياق التراتبي العسكري والمعنوي وبالتالي على الأداء الميداني للأمن الوطني أثناء المواجهة بصور ومستويات مختلفة، إلا أنها بالمجمل تضافرت مع عوامل ومسببات أخرى كان لها أثر سلبي على أداء الأمن الوطني بعدم استيعاب التغييرات الجديدة وعدم الرضى عنها وعن مرجعية هذه التغييرات خصوصاً أنها مرجعية مدنية ما خلق إشكالية إزدواجية المرجعيات».
وبحسب التقرير، فانه في الفترة الواقعة بين بداية اذار ومنتصف نيسان (ابريل) 2007 أي بعد شهر ونصف من تكليفه الرسمي، كان دحلان «يغادر برحلة علاج، امتدت إلى ما بعد حسم المعركة والاستيلاء على السلطة بالضبط بعد شهر ونصف آخر فما هو حجم الانتاج المتوقع في مثل نصف هذه المدة الزمنية من مدة التكليف والأهم قياساً إلى ضغط العامل الزمني الشديد استباقاً لقرار الحسم «الحمساوي» المعروف» قبل ان يشير الى «تذمر القيادات التنظيمية العسكرية من دحلان واشرافه على الموضوع الذي حاول بظروف صعبة زادها غيابه للعلاج صعوبة، ومع ذلك فإن الغياب حتى ولو كان قسرياً لصاحب المهمة الرسمية كان يتطلب الإعفاء أو يستبدل من المسؤولية». ويضيف: «كان للغياب عن ارض المعركة أثر ملموس في التعثر واضطراب الإدارة وهبوط المعنويات، وهو أحد محاور المسؤولية في الإطار السياسي بصورة عامة وبخاصة على المستوى القيادي بكافة هيئاتها السياسية والعسكرية والتنظيمية التي سجلت هذا الغياب ويتضاعف حجم المسؤولية عندما تشمل الأطر مجتمعة السياسية والعسكرية والتنظيمية، تلك المسؤولية التي تطاول آخرين كثيرين بمستويات قيادية مختلفة».
وتحت عنوان «غياب المؤسسة القيادية» يتحدث التقرير عن «حدة الأزمات العميقة والمركبة، البنيوية والوظيفية التي تعانيها «فتح» بما يتناسب حتى مع رصيدها النضالي، ويقدمها حركة يستشري الفساد في أوساطها القيادية وخصوصاً لدى العناصر التي احتلت مواقع متقدمة بالسلطة حتى وصمت سلطة «فتح» بالفساد، الذي كان أحد الأسباب الرئيسية لخسارتها للانتخابات البلدية والتشريعية أمام حركة «حماس»، هذا بالطبع إلى جانب التشرذم وغياب وحدة الموقف الذي تكرر في المواجهة الأخيرة. بما يدلل على أن تجربة «فتح» بالحكم وقيادة النظام السياسي الفلسطيني من دون إنجازات سياسية بعد إقامة السلطة نتيجة انسداد الآفاق وسوء الأداء وانهيار خيار السلام التفاوضي «لم تكن نموذجاً مشجعاً يحفز التفاف الرأي العام» الأمر الذي اوصل الى «كارثة الانتخابات التمهيدية» قبل الانتخابات التشريعية الأخيرة، اضافة الى وجود «ثلاثة تيارات أو مراكز قوى متباينة ومتناقضة، بأجندات ورؤى مختلفة ومتناقضة، تضرب عرض الحائط بإمكانات التوافق بالحد الأدنى، التي تستدعيها خطورة الأوضاع بغزة وتفرضها متطلبات المواجهة الحتمية مع «حماس» بمعنى أنها لم تتوحد أو تتفق، حتى لمواجهة التناقض الخارجي، خلافاً لتجارب الأحزاب والشعوب عبر التاريخ»، ذلك ان الصراع الداخلي أدى الى «اضعاف موقف فتح أمام حماس، وزاد الأخيرة صلفاً وجرأة وثقة بالحسم لمصلحتها».
وعملت «حماس»، بحسب التقرير، على «توجيه المعركة نحو دحلان وما تصفه بـ «التيار الخياني» في فتح كعنوان للاستهداف والاجتثاث، لتستقوي بجزء من «فتح» على جزء فيها، وقد نجحت بمثل هذا التكتيك على المستويين الاعلامي والتعبوي وصولاً إلى المواجهة المسلحة، باختراقات متعددة المستويات، بما فيها الاختراق النفسي، الذي جعل الكثيرين من مستويات قيادية يرددون بصوت مرتفع: لن نخوض معركة دحلان، وذلك على خلفية الصراعات الفتحاوية الداخلية» ما ادى مع اسباب اخرى الى تبلور اعتقاد لدى كوادر عسكرية في «فتح» ان «المعركة ليست معركتها بل هي مع التنظيم ومعاناتها جراء ممارسات التنظيم (...) بمعنى أن تنظيم فتح الذي من المفترض أن يدافع عن حركته وعن الأجهزة، تراجع دوره، وأصبح عبئاً على الأجهزة. والحجم العسكري للتنظيم، كان لمرافقة وحماية مسؤولي الحالات العسكرية وقادة التنظيم، ولا أحد يساند الآخر تغلباً للولاءات الفردية والعائلية داخل الحركة على العصبوية التنظيمية وهو ما يستحق المساءلة».
تكشفت لدى لجنة التحقيق، الكثير من المسببات والعوامل ذات الطابع العسكري الميداني، التي أدت إلى هذا الانهيار، والسقوط السريع للمؤسسة الأمنية- العسكرية، مشيرة الى ان عباس باعتباره «القائد الأعلى للقوات الفلسطينية» اصدر في 3 حزيران (يونيو) قراراً بتشكيل غرفة عمليات برئاسة الفريق المجايدة ضمت ثمانية اخرين بهدف «الدفاع المستميت وتبادل الاسناد والضرب بقوة شديدة للردع وفرض وقف المواجهات بإرغام حماس على التراجع» غير ان «الوقائع كانت مغايرة من حيث التنفيذ الذي بقي منحصراً بالتنفيذ الشكلي فقط للتوجيهات، من دون تطبيق مضمونها العملي». وينقل التقرير عن المجايدة قوله انه لم يوفق في تفعيل غرفة عمليات مشتركة لغياب أركانه: ثلاثة منهم غائبون هم دحلان ومازن عز الدين وجمعة غالي فيما لا يلتزم الآخرون (التعليمات). وقال: «لم أكن قائداً لأحد». ويقول معدو التقرير: «لدى المجايدة التفويض، لكنه كان فاقداً للصلاحيات التي تؤهله السيطرة على القادة، وبات شديد الاحباط بعد تتالي سقوط المواقع». وينقلون عن قائد احدى الوحدات: «كان لي قائدان: المجايدة ودحلان. أما المجايدة فيقول قرار دحلان هو الساري».
وبعد انتقاد التقرير «الاداء الميداني»، يتحدث التقرير عن «انهيار الحرس الرئاسي وتحييد الشرطة» ليورد احداثاً تدل الى «وضع الجهاز السيئ وانعدام الثقة والتعاون بين قيادته. لقد كان الجهاز بلا قيادة حقيقية، وهو يعاني الكثير من المشاكل الداخلية ما أدى إلى انعدام المبادرة بما في ذلك الحد الأدنى من متطلبات الدفاع عن رمز الشرعية، ممثلاً بالمقر الرئاسي. ولم يكن الجهاز بعيداً عن حالات الاختراق «الحمساوي» وان كانت مظاهر الفساد المالي بنسبة أعلى، خصوصاً إثر تواجد الحرس الرئاسي على المعابر»، قبل ان يتحدث ايضاً عن «انهيار قوات الامن التي يتجاوز عددها 50 الفاً في محيط جغرافي قدره 300 كيلومتر مربع، بتجربتها وامكاناتها وشرعيتها أمام 20 ألفاً من المليشيات». ويقول التقرير: «بحسب الشهادات لم يشارك في المواجهات اكثر من 10 أو 15 في المئة من حجم القوة البشرية. وبعض الشهادات يحصر العدد بألفي رجل. وحساب نسبة الدوام وفق النظام المطبق، لثلث العدد نهاراً وربعه على الأكثر ليلاً، إذا ما حذف منه، نسب الاختراق والإداريين والحالات المسلحة والمنتسبين عن بعد، فلن تزيد على الألفي رجل. بل ان نسبة التواجد في بعض الأجهزة، اثناء المواجهات كانت بنسبة واحد من اصل 40 شخصاً، كما هو الحال للأمن الوقائي» اضافة الى «سوء استخدام السلاح، والأفراط بتبذير الذخائر تعبيراً عن الخوف أو عدم الثقة بالنفس وانعدام التدريب، وعدم التركيز، وبعض الأسلحة كقاذفات B7 لم يكن هناك من يجيد استعمالها، فلا يوجد مثلاً باللواء الثاني من يستخدم هذا القاذف سوى اثنين».
ويتحدث معدو التقرير عن «الحالات شبه العسكرية» التي نشأت على قاعدة المقاومة، غير انها ما لبثت ان «انقلبت رأساً على عقب، ولكن بعد فوات الأوان، ذلك انها أصبحت في معظمها امتدادات خارجية بحثاً عن التمويل، بخاصة بعد تناغم وتماشي الخطاب الوطني لتلك الحالات مع الخطاب الديني، وتنامي التنسيق الميداني بين الاتجاهات الوطنية والدينية، وصولاً إلى اختلاط الحالات، وازدياد حجمها وقوتها، وخروجها عن نطاق السيطرة» ما ادى عملياً الى انتهاء احتكار السلطة للسلاح. ويضيف: «لمواجهة هذا الواقع وتوفير سبل علاجه السلمية، جرت العديد من المحاولات لاستيعاب تلك الحالات، خصوصاً تلك التي نشأت وترعرعت في اطار حركة «فتح»، من ذلك ما اقرته الحكومة التاسعة، في شأن استيعاب اكثر من 12 الفاً من منتسبي الحالات بالمؤسسة العسكرية، وبخاصة الأمن الوطني. الذي شرع الباب واسعاً، أما دخول اعداد كبيرة من الأفراد التابعين لمجموعات ذات ارتباطات خارجية»، الامر الذي شكل «مدخلاً لمضاعفة الترهل والاختراق بالمؤسسة، خصوصاً انها عناصر منفلتة، لا تخضع للإنضباط العسكري أو الالتزام بالمؤسسة، وكانت تمارس القهر والابتزاز داخل المؤسسة وخارجها».
وفي إطار الاستعدادات، وترتيب الأوضاع «الفتحاوية» قبل المواجهة الأخيرة، وفي نطاق الجهود والخطط، الرامية لفرض سلطة القانون والنظام، يستذكر التقرير محاولات عدة، لتوحيد بعض الاذرع العسكرية «الفتحاوية»، حيث تقرر، تشكيل «ميليشيا» لـ «فتح» بقيادة وموازنة موحدة، واجبار الجميع على الالتحاق بها، وكانت هذه المحاولة الأولى برئاسة عضو اللجنة المركزية عبد الله الإفرنجي ومشاركة أبو ماهر حلس وسمير المشهراوي. غير انه يقول: «فشلت المحاولة، كما فشلت المحاولة الثانية التي قادها الأخ روحي فتوح» قبل ان يشير الى مساعي دحلان بتكليف سامي أبو سمهدانة قبل اتفاق مكة لـ «عادة ترتيب الأذرع بمسمى «قوات العاصفة»، وكان من المقرر تفريغ حوإلى ثلاثة آلاف منتسب، باستكمال العملية التي بدأت بالإعداد والتدريب والتسليح، وشاركت بعض مجموعاتها بصورة جزئية بالمواجهات، ولكنها لم تكن فعالة، ولم يكتمل بناؤها، وقد ألحق قسم كبير من تلك الحالات العسكرية بالقوة الخاصة الحديثة التكوين، التي سبق الإشارة إليها لتنتهي أيضاً هذه المحاولة بالاخفاق».
ويستنتج التقرير ان هذه الامور ادت الى ان الحالات التي تم «ادماجها أسمياً لم تنضبط وبقيت على ولائها لقادتها وأذرعهم العسكرية، ونتيجتها كانت سلبية للغاية بل خطيرة لأنها اتخذت الموقف العدائي السافر لـ «فتح» والتحالف المكشوف مع حماس، وفي المعركة الأخيرة كان دورها تخريبياً في حالات الاختراق الخطيرة، فبعض عناصرها، كانوا يصححون القصف المدفعي «الحمساوي»، على مواقع قوات الأمن الوطني، أو الأجهزة الأمنية أو حتى «المنتدى». وبعضهم قاتل مباشرة إلى جانب ميليشيا «حماس»، التي اثرت في الجنود النظاميين، بإرغامهم بالترغيب والترهيب على التعاون معها، فكانوا جنوداً بالنهار، وأفراداً في كتائب القسام والتنفيذية بالليل» ما ساهم في توفير «عوامل الهزيمة»، خصوصاً ان «الفريق المقابل للمؤسسة العسكرية والأجهزة في هذه المواجهات، كتائب القسام والقوة التنفيذية، وقوامها الرئيسي من كتائب القسام، بالإضافة إلى منتسبي حالات عسكرية دينية أو متحالفة مع حركة حماس، انتظمت جميعها بإدارة وقيادة موحدة منسقة مجهزة ومدربة فحسمت المعركة لمصلحتها».
يؤكد التقرير ان «الاختراقات» لعبت دوراً أساسياً في المواجهات المستمرة منذ مطلع العام الماضي. ويقول: «إن حالة الاختراق لم تكن سرية أو مفاجئة كشفتها المواجهات الأخيرة، بل هي حالة قائمة ومتنفذة داخل المؤسسة العسكرية خاصة، ولها سطوتها حتى على قيادات الوحدات والمواقع، بل ان بعض عمليات التفريغ والالحاق التي جرت أواخر عام 2005 شملت مئات العناصر، من منتسبي كتائب لها موقفها المناوئ للسلطة. في تاريخ 1 تشرين الثاني (نوفمبر) 2005 تم تفريغ 400 عنصر من «كتائب أبو الريش» و 653 من «ألوية صلاح الدين» و162 من «الجهاد الإسلامي»، اضافة إلى نحو عشرة آلاف من طريق الأخوة نصر يوسف، عبد الله الإفرنجي، والمشهراوي، وحلس. بحيث بلغت نسبة الاختراق «الحمساوي» فيها ما لا يقل عن عشرة في المئة، ناهيك عن الفساد الكبير الذي يعتري اشكال التجنيد والذي كان يتم بالرشوة في حالات كثيرة».
وعن «الاختراق» داخل اجهزة الاستخبارات، يفيد التقرير انه بعد محاولة اغتيال مدير الاستخبارات العامة طارق أبو رجب «تم اكتشاف عدد كبير من اعضاء الكتائب والألوية وحماس بينما كانت عناصر الجهاد تعمل بالاستخبارات في صورة عادية والتحفظ يمارس فقط على حماس والالوية. اصبح الكثيرون من منتسبي اللواء الثاني من قوات الأمن الوطني «المنطقة الوسطى» من الوية الناصر صلاح الدين، بحيث يتركز وجود هذه الالوية في المنطقة الوسطى كذلك» وهو اللواء الذي لم يشهد أي مواجهات تذكر وغادر مواقعه بهدوء اعتيادي»، مشيراً الى ان تسجيل «نسبة عالية من الاختراقات بالشرطة العسكرية تجاوزت 35 في المئة منها 20 في المئة من « الالوية» و 15 في المئة من «حماس». ويضيف ان هذه الاختراقات «تركزت في دوائر المعلومات والتسليح وكانت موزعة افقياً وعمودياً واستهدفت كبار الضباط بالتخويف والترهيب والضغوط المختلفة وكان بعض القادة يأخذ مبادرة بالاتجاه الوقائي، فيجعل جزءاً من مرافقيه أو من يسلمهم المواقع الحساسة من افراد «حماس». وبالعموم كانت مفاصل المعلومات والسلاح والمركبات بأيديهم اي افراد «حماس». لقد وصلت نسبة الاختراق الاجمالية كما يقول المجايدة وغيره نسبة 30 في المئة»، قبل ان يقول: «الأسوأ أن الاختراق الذي وصل إلى المستوى القيادي في جميع المواقع، خلق حالة من التضامن بين المخترقين، لتعبر هذه الحالة عن ذاتها، بمواقف واجتهادات سياسية تصالحية حيادية، ما افقد القوات حافز القتال، وحطم ارادتها ومعنوياتها وانتج مؤسسة أمنية مترهلة، تعيش أزمة كبيرة مستفحلة، من انعدام الثقة والشك، المستمد من واقع تشكيلها، وسلوك بعض قياداتها وممارسات الأفراد المتعاونين».
إبراهيم حميدي
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد