لورين باكال.. رحيل «أيقونة السينما الأميركية»

14-08-2014

لورين باكال.. رحيل «أيقونة السينما الأميركية»

أيّها يؤدّي إلى ارتياد تلك الطريق الصعبة والطويلة، المفضية إلى نجومية مُستَحَقَّة: صدفة بحتة، أو مجرّد سمة جمالية ما في الشكل الخارجي، أو لعنة قدر، مع أنها أجمل لعنة، وأحسن قدر؟ الرغبة في تحصيل علم أكاديميّ في «أكاديمية الفنون الدرامية» في نيويورك جزءٌ من اللعبة الأصلية، أو من «الرغبة الأصلية» إذا صحّ التعبير. رعاية الأم وتحريضها على الرقص والتمثيل منذ بلوغ ابنتها الوحيدة الخامسة من عمرها، تأسيسٌ لهذه الطريق. لكن كلّ شيء يحدث لاحقاً يرتبط بالصدفة، وبجمال كامن في الشكل الخارجي أيضاً.
رحيل الممثلة الأميركية لورين باكال يُعيد قراءة اللحظة التأسيسية لنجومية امرأة، وشهرة ممثلة. البدايات مهمّة. هناك هوس لدى الصبيّة الوحيدة عند والديها المهاجِرَين (من أصول رومانية ـ بولونية) متعلّق بالفن. الظروف قاسية. شحّ المدخول أعاق استمرار الصبيّة اليافعة في الأكاديمية. الفقر، المعطوف على طلاق الوالدين واهتمام الأم بابنتها، دافعٌ للابنة إلى العمل في مهن عديدة، منها تأدية أدوار صغيرة في مسرحيات متفرّقة. يومها، كانت تصف نفسها بالقول إنها «شخص طويل من دون صدر، بقدمين طويلتين». مع هذا، انتُخبت «ملكة جمال غرينويتش» في العام 1942، هي المولودة في نيويورك في 16 أيلول 1924.
التداخل بين الصدفة وبعض الجمال الخارجيّ مُوَلّد طبيعي لمسارات وحكايات وتفاصيل. ببلوغها التاسعة عشرة من العمر، باتت لورين باكال عارضة أزياء. سريعاً، احتلّت غلاف أحد أعداد مجلة «هاربرز بازار»، المعنيّة بالموضة والأزياء. زوجة السينمائي المعروف هاورد هوكس انتبهت إليها. أخبرت زوجها عنها. كان يبحث عن «تجديد إبداعي وشكليّ» في الوجوه النسائية التمثيلية. كان يُحضّر فيلمه To Have And Have Not (مقتبس من رواية إرنست همنغواي بالعنوان نفسه، الصادرة في العام 1937). تضافرت عوامل عديدة، مُشكّلة كلّها مدخلاً مطلوباً لولوج عالم التمثيل. هوكس «تبنّاها». درّبها على الإلقاء. كان وسيلتها للإطلالة على عالم مختلف. كان جامعها بهمفري بوغارت، هي التي أعلنت صراحة أنها تُفضّل ـ حينها ـ التمثيل مع كاري غرانت. لم يكتف هاورد هوكس بجعلها ممثلة. أمام ابتسامة عريضة لبوغارت، غنّت باكال «كَمْ نعرف القليل».
«إيقونة السينما الأميركية» باتت في المقـلب الآخر، بعد أقلّ من تسعين عاماً على ولادتها. قبل يومين، توفّيت من عُرفت بـ«النظرة». بيتي جوان بيرسكي كادت تبلغ التسعين من عمرها. سبب موتها؟ «تصلّب في الأوعية الدمويـة الخاصّة بالدمـاغ». لكـن، هـل يُمكن التـوقّف طويلاً عند سبب الموت؟ هل لسبب الموت معـنى؟ ابـنة العـصر الذهبيّ في السينـما الهوليووديـة تحوّلت إلى لحظة تألّق لجمال موسوم بشفافية أداء وبلاغة تمثيل. تحوّلت إلى لحظة انبعـاث مـدوّ لجمـال متـحلّ بذكاء أدائيّ، وبحضور مثيـر لهواجـس ورغبـات وانفعالات. تحوّلت إلى محطة في ذاكـرة، وإلى منـحى جـماليّ في ارتكاب مهنة. انتمت إلى جيل ملتبس الهوية والتوجّهات: الجمال والإثارة والبحث عن منافذ لإكمال مسار حياتي، في مقابل مهنة متطلّبة، وعلاقات متخبّطة، و«جنون» فني بديع. جنون مدفوع بشغف الحياة والفن، لكنه مائلٌ أكثر إلى ابتكار كل جديد ممكن لعيش الحياة، بينما يبقى الفنّ مهنة تجلب المال، وتحصّن الذات من الوقوع في فخّ الهناء والراحة.
سردُ أسماء عاملين معها محتاج إلى مساحات أوسع. بعض الأسماء كفيلٌ بتكوين شيء من معنى الحكاية، ولبّها. مارلين مونرو وباربرا ستاريسند وجون واين وربورت ألتمان وسيدني لوميت إلخ. أسماء وأسماء. عناوين وعناوين. حكايات وحكايات. مع هذا، كل شيء منته في الموت. أو ربما مبتدئ به.

نديم جرجوره

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...