لكي تدرك الآلة ذاتها، يجب أن تمتاز بالعاطفة مع التفكير
على مدار أكثر من قرنين، عمد المفكرون الغربيون للتفرقة بين العاطفة والإدراك، لتغدو الأولى الطرف الأكثر ضعفًا. يساعد الإدراك على شرح طبيعة الزمكان ويرسل البشر إلى القمر، أما العاطفة فقد تسهم في إنقاذ حياة اللبؤات في غابات السافانا وقد تجعل أيضًا البشر يتصرفون بشكل غير عقلاني وبتردد مثير للقلق.
وفي إطار المساعي لخلق روبوتات ذكية، يتجه المصممون للتركيز على القدرات العقلانية والمعرفية. وقد يكون مغريًا أن يتم تجاهل العاطفة بشكل كامل أو أن يتم تضمينها بقدر الضرورة. لكن دون وجود عاطفة تساعد على تحديد الرأي الشخصي تجاه الأشياء والأعمال، فإنني أشك في إمكانية وجود الذكاء الحقيقي، وليس ذلك النوع من الذكاء الذي يهزم المنافسين البشر في ألعاب الشطرنج أو لعبة «جو»، لكن تلك الأنواع من الذكاء التي نعترف بها كبشر على هذا النحو. على الرغم من أنه يمكننا الإشارة إلى سلوكيات بعينها بوصفها بأنها إما «عاطفية» أو «إدراكية»، فهذا يعد مغالطة لغوية، كون الاثنين لا يمكن فصلهما عن بعضهما البعض.
السؤال هنا: ما الذي يعتبر سلوكًا ذكيًا متطورًا في المقام الأول؟
لننظر إلى فريق من الروبوتات في بعثة أو مهمة على سطح كوكب المريخ. حتى تتصرف تلك الروبوتات بذكاء، لا يمكن أن تقتصر مهمتها على التقاط صور للبيئة وجمع التراب وعينات المعادن للتحليل، بل يجب أن تكون تلك الروبوتات قادرة على تحديد الكيفية التي يمكنها من خلالها الوصول إلى جهة الهدف، وإيجاد تكتيكات بديلة في حال تم حظر المسار الأكثر مباشرة لها. وفي حال تعرض ذلك الفريق من الروبوتات لضيق الوقت، فسيكون عليهم معرفة أي المواد تعد أكثر أهمية وترتيبها حسب الأولوية كجزء من الرحلة الاستكشافية.
حينها سيتضمن الذكاء قدرة الروبوتات على التصرف بشكل مستقل في بيئات وظروف مختلفة. وهنا تبرز أهمية العاطفة لأنها تسمح بجمع المعلومات الأكثر أهمية. على سبيل المثال، يمكن للعاطفة أن تغرس شعورًا بالاستعجال في القرارات والتصرفات. لنتخيل على سبيل المثال فكرة عبور الصحراء في سيارة قديمة خلال الأوقات الأكثر حرارة خلال اليوم. في حال تعطلت السيارة، فإن ما ستحتاجه حينها هو إصلاحها بشكل سريع حتى تصل إلى البلدة التالية ولن تكون في حاجة إلى حل دائم للعطل قد يكون أكثر مثالية لكنه سيضطرك للانتظار لساعات طويلة في الشمس الحارقة.
في السيناريوهات الواقعية، غالبًا ما تكون النتيجة الجيدة هي كل المطلوب، لكن دون وجود ضغط خارجي وإدراك وجود وضع «مرهِق»، فقد يستغرق الروبوت وقتًا طويلاً في محاولة للعثور على الحل الأمثل.
تنطوي جميع المقترحات المقدمة لغرس العاطفة داخل الروبوتات على إضافة «نموذج عاطفة» منفصل، وهو نوع من البناء العاطفي الذي يمكن أن يؤثر على القدرات الأخرى مثل المعرفة والإدراك. ستتمثل الفكرة في إعطاء الأداة إمكانية الوصول إلى مجموعة معدلة من الخصائص مثل الاستعجال في العمل أو معنى تعبيرات الوجه. يمكن أن تساعد تلك الخصائص في تحديد مسائل مثل أي المرئيات ينبغي معالجتها أولاً وما الذكريات التي ينبغي تذكرها وأي القرارات ستؤدي إلى نتائج أفضل.
لكن بحثًا في العلوم السلوكية وعلوم الدماغ يشير إلى أن العاطفة ليست مجرد «ميزة إضافية» موجودة على رأس الإدراك، لكنها جزء من آليتنا الإدراكية. في إحدى التجارب التي أجراها المعمل الخاص بي، شاهد الناس في ماسح ضوئي مقاطع فيديو لصور سريعة تومض لمنزل أو ناطحة سحاب. كان على هؤلاء تحديد أي من هذه المشاهد كان حاضرًا في مقطع الفيديو، وهي مهمة مصممة لأن تكون صعبة، ثم قدمنا عنصرًا من التلاعب العاطفي.
قبل عرض مقاطع الفيديو، تلقى نصف المشاركين صدمة كهربائية خفيفة أثناء عرض سلسلة من ناطحات السحاب، أما النصف الآخر فشاهد سلسلة من المنازل وتلقى نفس الصدمة الكهربائية. هذا ما يُعرف باسم «الإشراط الكلاسيكي» ويربط بين التحفيز المحايد (صورة غير موصوفة) بالأثر العاطفي لمحفز غير مرغوب فيه (الصدمة).
الناتج: المشاركون المشروطون بصورة ناطحات السحاب كانوا أفضل في تحديدها عن المنازل، والعكس صحيح، فكان المشاركون المشروطون بصورة المنازل أفضل في تحديدها عن ناطحات السحاب. وفي الحالتين، كانت الاستجابة لدى القشرة البصرية أقوى لنوع المحفز (سواءً كان المنزل أو ناطحة السحاب).
تظهر تلك الدراسة أن الإدراك ليس عملية سلبية تعكس فقط العالم الخارجي. بدلاً من ذلك، فهي تنطوي على الحديث بالتفصيل عن الأشياء وتحديد كيفية معالجتها. لا تكون الرؤية محايدة على الإطلاق، فهي محملة دائمًا بمعنى عاطفي. هذه هي بنية الدماغ باتصالاتها قصيرة وطويلة الأمد، والتي تسمح لتلك الخصائص بالظهور.
لا تظهر العاطفة من حسابات داخلية لمنطقة واحدة مثل اللوزة الدماغية، والتي يطلق عليها في كثير من الأحيان «مركز العاطفة» في الدماغ. وبدلاً من ذلك، فقد كشفت الدراسات التشريحية أن المناطق المرتبطة بالإدراك والعاطفة والحافز والعمل والأحاسيس الجسدية داخل الدماغ متشابكة بشكل وثيق. وبالنظر إلى المخ كشبكة معقدة، فإن ذلك يساعد على توضيح أهمية بعض الهياكل في المخ مثل اللوزة الدماغية؛ بمعنى أنها تُعد محاور تشبه إلى حد كبير المطارات الرئيسية التي تربط عددًا كبيرًا من الأماكن ببعضها البعض.
ونتيجة لذلك، يمكن لهذه المناطق أن تؤثر وتتأثر بأجزاء كثيرة من الدماغ، وهو ما يشير أيضًا إلى أنه ليس من الممكن طرح العاطفة دون التأثير على الإدراك. الهدف هنا ليس التأكيد على الحاجة لوجود العاطفة داخل الروبوتات الذكية ذاتية التحكم، لكن الهدف يتمثل في ضرورة ربط العاطفة بكل شيء يجري في النظام الإدراكي.
ليست العاطفة نموذجًا «مضافًا» يمنح الروبوت مشاعر أو يسمح له بالتعبير عن حالة داخلية، مثل ارتفاع درجة الحرارة. إن تكامل الروبوت هو مبدأ تصميم لهندسة معالجة المعلومات. ودون العاطفة، فإن أي كائن قد نخلقه لن يكون لديه أي أمل في التطلع إلى ذكاء حقيقي.
إضافة تعليق جديد