كيف يمكن مواجهة الإيديولوجية «الجهادية»؟
إن كان فرض استثناءات قانونية أمراً مفهوماً بقصد ترتيب الأمور وتجرع المفاجأة والصدمة بعد اعتداءات بربرية مثلاً، فينبغي أن يكون ذلك مؤقتاً، إذ لا دواء للإرهاب سوى دولة القانون التي تحمي الحريات لأن الإرهاب "الجهادي" ليس بالظاهرة العابرة ولذلك تتطلب مواجهته تغييراً أساسياً عميقاً يأخذ بعين الاعتبار إيجاد توازن معقول بين الحريات الفردية والأمن القومي.
فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون الردع وحده كافياً، إذ تنبغي مقارعة الإيديولوجية "الجهادية" التي يحملون بالدرجة الأولى. ومن هنا فلا الإدانة مجدية ولا حالة الطوارئ، إذ نحن أمام إجرام غير عادي يحترفه مجرمون زُيّن لهم الموت وباتوا يفضلونه على الحياة بل يرونه بمثابة ميلاد جديد ووسيلة من أجل بلوغ الأبدية. ومن هنا فمن العبث القول بأن لهؤلاء الأصوليين علاقة ما بالحداثة السياسية كما يدعي حاملو حقائبهم في الشرق وفي الغرب. بل بالعكس تقدم "الجهادية" نفسها كبديل حقيقي للحداثة عامة. وإنه لمن السخف أن يقارن بعض المحلليين الفرنسيين عنف الجهاديين اليوم بالعنف الذي مارسته بعض التنظيمات الإرهابية في أوروبا في زمن مضى كالفوضويين والفاشيين والشيوعيين الثوريين وحتى الانفصاليين الباسك والكورسيكيين... فاعتبار الإرهاب الجهادي مجرد شكل من أشكال العنف السياسي المتطرف هو أولاً جهل لعمقه وثانياً تبرير لبربريته. ألم ينتبه هؤلاء المحللون إلى الأسباب الموضوعية البائنة التي تفرق بين الإرهابيين أم هي محاولة لتخفيف الصدمة وإخفاء عسرهم المزمن في فهم ظاهرة التطرف الديني الإسلاموي منذ نشوئها منذ ما يقارب الثلاثين عاماً؟ لم يكن الفوضويون الذين اختاروا طريق الإرهاب يمارسون العمليات الانتحارية لأنهم كانوا يعتبرون الموت كأمل مرتجى بل كان مشروعهم أرضياً خالصاً. ولم يقدموا أنفسهم مرة على أنهم من أتباع ايديولوجية ثيولوجية/ سياسية تزعم إعادة اللحمة بين الأرض والسماء التي كانت سائدة ما قبل الحداثة، كما يفعل الجهاديون اليوم. وإن كان للجهاديين أجداد فلا يجب البحث عنهم خارج إطارهم الموضوعي ألا وهو الفكر الديني. ألم تكن البابوية تنظر إلى الشهيد المسيحي كمثل للورع في مواجهة الوثنية؟ ألم يكن القديس أوغسطين يؤكد في كل خطابه الثيولوجي أن الحياة لا ينبغي أن تكون سوى تحضيراً لتحرير الجسد، مرتع كل الخطايا، وأن الموت الجسدي ولادة جديدة وخير كبير إذا ما عرف المسيحي كيف يسلك السلوك اللائق الذي يؤهله ليأمل بلوغ الجنة؟
حميد زنار
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد