فـي مكـان مـا فـي بقـاع الأرض العبوديـة تسحـق فتيـات
تبدأ يومها في الثالثة فجرا. تطبخ، وتكنس، وتقوم بالأعمال المنزلية. ثم توقظ الأطفال وتحضر أغراضهم ليذهبوا إلى المدرسة. أما عند الظهيرة فتقطع التبن وتطعم الحيوانات. ثم ترتاح قليلا لتعود وتكمل الأعمال المنزلية لاحقا. هكذا تقضي سبعة أيام في الأسبوع. هي ليست أما متفانية. هي طفلة نيبالية.
الطفلة البالغة من العمر تسع سنوات، تتمنى لو تذهب مع الأطفال إلى المدرسة. فيمتزج شعور القبول والرضا لديها، أن هذا قدرها... ربما، بشعور من الغضب والحرقة. وتنتظر الفتاة بفارغ الصبر شهري كانون الأول وشباط لتلتقي بعائلتها لأسبوع واحد فقط، لترى والدها الذي يقوم «ببيعها» مرة أخرى، لتقضي سنة جديدة من حياتها في العمالة والتحقير مقابل مبلغ زهيد يبلغ 25 دولارا. وعلى الرغم من أن معظم أترابها يقضين عمرهن بالشكل ذاته، لكن يبدو أن الصغيرة كانت محظوظة، لأن فريقا من الناشطين الاجتماعيين في النيبال تمكن من انتشالها من الأوحال التي كانت قد أغرقت فيها، بعد أن أقنعوا والدها بإنهاء عمالتها التي دامت ثلاث سنوات.
كانت فتيات إثنية الثارو منذ أجيال يُسلّمن إلى الملاكين عن عمر قد يصل إلى ست سنوات ليمارس عليهن نظام استعباد يدعى «كملاري». إن شرعنة سحق الفقر، والطبقات الاجتماعية، والدين المالي الموروث من جيل إلى آخر أدت إلى استغلال الفتيات جسديا ونفسيا، وملأ حياة الشابات بالندبات. وقالت إحدى فتيات الكملاري التي تم إنقاذها منذ بضع سنوات بيشنو كوماري (17 عاما) ، «إن إبن الرجل الذي أعمل لديه كان يضربني، فكنت أشعر أنني حقيرة، أنني غير محظوظة لأنني ولدت فتاة، كنت أَمَة».
أما اليوم فيقوم ضحايا الكملاري القدامى بمحاربة هذا النظام ويبدو أن جهودهم تثمر، فقطفوا ثمار تغيير القوانين، وازدياد ضغط الناشطين والديموقراطية الناشئة في النيبال. وساهمت الجمعيات الخيرية في إنقاذ مئات الشابات السنة الماضية، بعد إقناع اهاليهن أثناء فترة عودتهن إلى المنزل بأن التعليم هو الحل. وبما أن معظم الصفقات تتم في فصل الشتاء خلال عطلة «ماغي سنكرانتي»، تشارك الفتيات في مسرحيات الشوارع المناهضة للاستغلال وفي المسيرات حيث يعزفن الموسيقى. كما أنهن يقمن بعمليات إنقاذ للضحايا حيث يواجهن الأهالي والملاكين ويحرجنهم حتى يطلقوا سراح المستعبدات.
ومن ضمن المشاركات في المسيرات والأعمال الفنية ضحايا سابقات يروين قصصهن عن طريق الغناء أو التمثيل، فيتكلمن عن الوالد المدمن للكحول، والملاكين الاستغلاليين، ومكانة المرأة المهمشة... وفي ختام العرض تطرح الفتيات بضعة أسئلة على الحضور، أحدها «من يتحمل مسؤولية الذي يحدث»، لحثهم على النقاش بذلك الشأن ولفت نظرهم لبعض الأمور.
يزعم الملاكون أنهم يعلمون الفتيات ويعاملونهن معاملة حسنة لكنهم في الحقيقة يضربوهن ويهينوهن. فالنتيجة هي أنه إضافة إلى الندبات النفسية والجسدية التي حملتها الفتيات، فوتت أولئك سنوات من الدراسة. بيد أن الجمعيات المساعدة تداركت الأمر وقامت بدورات تعليمية مكثفة تساعد الفتيات على بلوغ الصفوف المناسبة لهن.
لكن تعليم الفتيات بدلا من «بيعهن» قد يؤدي إلى خسارة الأهل مبلغ 25 إلى 50 دولارا، ما يعد مبلغا هائلا بالنسبة إليهم، فتقوم الجمعيات بالتعويض عليهم من خلال تقديم خنزير أو عنزة صغيرة إلى العائلات التي حررت بناتها، يمكن بيعها لاحقا بمبلغ يوازي ذلك الذي كانوا يجنونه مقابل بيع بناتهن. لكن هناك مخاوف من أن ينفق الآباء في منطقة يسود فيها الادمان على الكحول المال كله. ونزولا على رغبة الزوجات بعدم إعطاء المال للرجال السكارى، قررت الجمعية تقديم الدابة للفتاة بعد أن تنهي تعليمها لأنها تكون أكثر قدرة على مواجهة والدها مما لو أعطي المال لأمها. (
المصدر: السفير نقلاً عن «لوس أنجلس تايمز»
إضافة تعليق جديد