عن بهلول و سليمان

11-08-2015

عن بهلول و سليمان

ركب بهلول عصاه التي طالما اعتقد أنها حصان ، وركض باتجاه دوار الزراعة عند مدخل اللاذقية ، للمشاركة في "عرس وطني" يصدح أهله"الشعب يريد إعدام سليمان" ، لم ترتعد فرائص بهلول هذه المرة لمجرد فكرة ذكر "كنية" سليمان ، فقد "ظهر الحق وزعق الباطل .. إن الباطل كان زعوقا" .
 
في طريقه إلى مكان الاعتصام المقرر ، جال بهلول عروس الساحل لؤلؤة المتوسط مدينة ال"سليمانات"، رأى بهلول شرطي مرور "أشعث أغبر"، نحيل اسمر ، كان ينظم السير منعا لحدوث "اختناقات مرورية" ، بهلول تذكر هذا الشرطي ، هو نفسه الذي اختنق يوماً، عندما "صفّر" ، لسليمان اخر ، على حين " غلطة " ، نزل على إثرها "السليمان" من " همره "، أمسك الشرطي من ياقة بدلته ، هزه ، شتمه ، و"مسح فيه الأرض" .
 
لم يعتقد بهلول يوماً أنه مجنون حقاً ، إلا في هذه المدينة الساحلية ، في المدينة التي ينتشر فيها الـ "سليمانات" كالسل والكوليرا  ، من كل الطوائف والأديان، لا سلطة فيها للقانون ولا ذكر ان "العصى لمن عصى" ، وكانت العصى التي يركبها ، وحدها ، تذكره أنه عاقل ، والشعب السعيد ، بالشعب العنيد ، يرقص على أنغام " حريته " ، طوبى للشهداء ، وحدهم الصادقون والباقون على هذه الأرض .
 
مع بداية ما أطلق عليه "الثورة السورية" ، ومع الفوضى التي أحدثتها وأدت إلى تراجع السلطة الأمنية على الأرض في بعض المناطق ، ومع استخدام "الفيسبوك" كعالم افتراضي، صارت " البطولة" أن " تشتم " الرئيس ، ولا ضير إن كان من حساب وهمي ، من منا لا يعرف أصدقاء كانوا "ينخون" في المسيرات" على الأول ، ويطجون حوافرهم على تقارير فينا اننا "لم ننخ، وإن نخينا لم نبتسم بما فيه الكفاية "، واليوم أصبحوا " ثوارا " يشتمون وينظرون.
 
الحالة "القطيعية" التي تتصف بها المجتمعات "المتخلفة" تجلت واضحة خلال السنوات الأخيرة ، اليوم ، ومع حكاية "سليمان" الأسد ، وجد المجتمع "الموالي" ، إن صح اصطلاحه بوصف مماثل ، نفسه ، أمام عدسة مكبرة تعكس انفعالاته ، طارحة فرضيات مختلفة، بمجملها تتجه نحو بطلان " البروباغاندا " التي كانت تروج عنه، واستخدمت فيها وسائل تشكيل القطعان ، الإعلامية ، وصرفت من أجلها مليارات الدولارات ، ولم ترتق وسائل مواجهتها لأكثر من شاشة من خشب .
 
وفشل مجددا المطالَبون بالاستقراء والتحليل وضبط إيقاع الشارع المنتفض ب "لا" ، لم يعتد على نطقها ، ولم يعتد المطالبون بمواكبته على سماعها، فالـ  "لا" التي علا صوتها في الساعات الأولى انتخاءا للبدلة العسكرية بالرتب فوق كتف حاملها، أن يهدر دمه في مدينته بعد ان عجزت عنه قطعان المغول والتتار.
 
استحالت إلى "لا" يتجاذبها ال"مؤدلِجون" وال"مؤدلَجون" سياسيا هنا ، ودينيا هناك ، وطائفيا بين هنا وهناك ، وقطيعيا من زاوية، وربطها البعض بأحداث ميدانية عسكرية ، والبعض الأقذر جذبها لخندق العشائرية المقيتة، حتى بات تفريغها من مضامينها أمرا حتميا.
 
بهلول الذي وصل إلى الاعتصام ، تستقبله مراسلة إحدى المحطات الوطنية ، والتي كانت إلى أمد قريب "كوافيرة " ، تسأله عن رايه بما فعله سليمان ، يضحك بهلول ، ويضحك ، " اي سليمان منهم تقصدين" ، ويستمر بالضحك ، يركب عصاه ويدور حول المراسلة، وهو يغني " سالمة يا سلامة رحنا وجينا بالسلامة ".
 
بهلول ، يسكن فوق عصاه ، لا يملك حساباً على الفيسبوك ، ولا يتابع الإعلام ، تجده ، حين تفقده ، في خيم العزاء ، وفي مناسبات الفرح ، تسأله المراسلة عن رايه بما قاله محافظ اللاذقية ، فيجيبها أن موال " دولاب سعدي برم " هو خير ما تبتدئ فيه حفلة العرس ، تكرر السؤال ، فيجيبها ، أن الطبل والزمر لهما وقتهما في الحفلة ، وأن " البيض ما بينقلى بضراط ".
 
وإن كان الشباب الذين خرجوا إلى دوار اللاذقية ، خرجوا ليهتفوا " الشعب يريد إعدام سليمان " لأنه قتل ضابطاً سورياً، فمرحى لهم، لكن ال "لكن" حتمية الوجود ، فإن الفعل على أهميته ، هو فعل ناقص ، إن لم يتبعه فعل مماثل يوم سيقتل أحد السليمانات خيّاطا فقيرا مثلا ، وخلال فترة قصيرة، ويصبح " فعل ماض ناقص " إن كان دافعه أن الضابط الشهيد ابن قرية ما (مع الاحترام لكل ذرة تراب فيها).
 
ويضيع بهلول في الإعراب ومتاهاته ، لأن ضامنا ما غير موجود ، يثبت ان الدافع لم يكن "ثاريا" قبليا ، أو ان الفعل واع مبني على منهجية تفكير تطالب بكل " السليمانات " ، جميل أن كلمة "شبيح" عادت بالامس تماما الى مكانها الصحيح ولم يعد من يهتف للجيش وحياته "شبيحا" بل الشبيح هو "سليمان"، كل "سليمان" من أي عائلة كان ومن اي مدينة وطائفة ودين.
 
بهلول قال للـ "إعلامية" أن الموال هو ما تفتتح به برامج الحفلات يليه طرب خفيف ، ليبدا الرقص والدبكة، وكل ما عدا ذلك هو "تلبيط" و "صراخ" حتى لو كان صوت المطرب جميلا، ويتخوف بهلول كما البعض ان يكون رد الفعل الذي انتقل من مواقع التواصل الاجتماعي رد فعل "سليماني" يتعلق بخصائص مرتبطة بخصوصيات الحدث، لم يرتق مجددا الموكل اليهم مهمة الاحاطة بها الى مستواها، فكان المحافظ "متحفظا" وكان "الإعلام" ب "شبكاته" بهلوليا
 
لم يكترث السوريون الذين قرروا الوقوف إلى جانب دولتهم وسيادتها ، للفعل المنافي للإعلام ، الذي مورس بحقهم من الخارج بشكل موجه ، ومن الداخل بشكل " عته " و"بهللة"، صبر أيوب الذي صبروه، يوجب لزاماً على الدولة السورية ، أن يكون " سليمانات " اليوم في قبضة القانون ، قطاع الطرق على طريق السلمية " سليمانات " ، وتجار حلب مصاصي الدماء " سليمانات " ، وفاسدو المؤسسات في زمن الحرب " سليمانات " ، والمزاودون المزاودون باسم " الوطنية " سليمانات " .
 
يستحق السوريون اليوم ، وهم الذين امنوا بجيشهم ، وبرئيس دولتهم ، أن يكون ما يجري اليوم أكثر من مجرد " حلم " ، وأن يكون بداية لمحاسبة كل " سليمانات " هذا البلد ، الذي نزف ، وما زال ينزف ، فـ " الفاسدون " و" الشبيحة " هم الوجه الاخر لـ " داعش " ، وإن جملوا " بزاتهم " و" خطاباتهم " .
 
يفيق بهلول أحياناً كثيرة من النوم صارخاً " أنا لست أرنب .. انا لست أرنب " ، الكثير من أبناء المدينة الساحلية ، يراودهم كابوس " التحول إلى أرنب " ، لا غريب في الأمر ، فشوارعهم ، ملأى بالسيارات المفيمة التي تضع على سقفها " برجكتورات " ، تلك التي تستخدم في البرية لصيد الأرانب ، فالأرنب يجمد بمكانه بمجرد أن يسلط عليه الضوء في الليل .
 
بهلول ، لم يعد وحيداً اليوم ، كلنا " بهاليل " هذا الوطن المعشوق ، لا زلنا نؤمن أن سوريا باقية ، ونتذكر من قال يوماً " لا أريد لأحد أن يسكت عن الخطأ أو يتستر عن العيوب والنواقص" يوم فاض "السليمانات" في كل مكان حوله ف "شكمتهم" الدولة بسلطتها وأرست الهدوء في مدن تستحقه، حتى بات وجع الأمس البعيد خيالا في الذاكرة يطرق في البال بوجع في مشاهدات "سليمانية" تذكر بتاريخ يرجوه السوري أن يعيد نفسه. تستنزف صبر وأمان أبناء المدن "الجميلة الوادعة" .


 
 
عبد الله عبد الوهاب: الخبر


إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...