صندوق النقد يربت على ظهر الحكومة ويطلب منها عدم زيادة الرواتب
على مدى قرابة الشهر تحدث كبار المسؤولين بحرارة واندفاع في جميع مجالسهم العامة والخاصة عن المعطيات المدهشة التي تضمنها تقرير بعثة صندوق النقد الدولي والذي - في الحقيقة- أنصف إلى حد بعيد السياسات الاقتصادية التي تنتهجها سورية والتي جاء في بيانها الختامي حول واقع الاقتصاد السوري أو كما يسمى (مشاورات المادة الرابعة مع صندوق النقد الدولي لعام 2006 ) حيث أشار خبراء الصندوق الى ان الاقتصاد السوري أثبت قدرة ملحوظة على الصمود في وجه الاضطرابات السياسية الاقليمية التي واجهت سورية عام 2005 حيث تبين البيانات الأولية أنه من المتوقع ان يكون نمو الطلب المحلي ونمو الطلب الخارجي قد اسهما في اعطاء دفعة لإجمالي الناتج المحلي غير النفطي بنحو 5.5٪ مقارنة بـ 5٪ على 2004.
وقد أعطى التخفيضات الكبيرة في التعريفات الجمركية وتحرير نظام النقد الأجنبي حافزا اضافيا لزيادة الواردات والاستهلاك.
وأضاف التقرير ان سورية مضت قدماً في إنجاز اصلاحات ترمي إلى تشجيع القطاع الخاص ودعم لآليات السوق وفتح الاقتصاد أمام المنافسة العالمية وتحرير النظام المالي والشروع في تقوية آفاق المالية العامة في المدى المتوسط.
ورأى أنه بصفة عامة هناك تجاه ملموس نحو اتساع نشاط القطاع الخاص وفك القيود التي تكبل نشاطه، ويشير التقرير إلى أن الاقتصاد انتعش في الفترة 2004-2005 نتيجة لزيادة الاستثمار الخاص والصادرات التي استفادت من ازدهار النشاط الاقتصادي في المنطقة.
ولكن مع هذا الترحيب ينبغي قراءة الملاحظات الواردة فيه بتمعن ولا سيما من حيث ضرورة التركيز في سياسات الحكومة على التحديات الناجمة عن تراجع إيرادات النفط وهي:
- الحفاظ على استدامة المالية العامة والاستقرار المالي.
-الاسراع بوتيرة الاصلاحيات الهيكلية الرامية إلى توسيع قاعدة الانتاج والتصدير.
ويشير التقرير إلى أن استراتيجية الاصلاح الواردة في الخطة الخمسية تتفق مع هذه الرؤية بوجه عام.
من المهم جداً ألا تقتصر مشاعرنا على الفرح للمديح إذ ان هناك مشكلات مقلقة جداً أوردها التقرير أهمها أن ضعف الكفاءات والقدرات المحلية والغياب شبه الكامل لشبكات ايصال الدعم والاعانات الاجتماعية لمستحقيها يمثلان العقبات الرئيسية لتحقيق الغايات الطموحة الواردة في الخطة الخمسية وتسريع وتيرة التحول إلى اقتصاد السوق. وبالتالي من الضروري الانتباه إلى أن النمو الاقتصادي جاء مصحوباً بارتفاع كبير في التضخم حيث وصل معدله السنوي إلى 7.2٪ عام 2005 مقارنة بـ 4.5٪ على 2004 ولولا تخفيض التعريفات الجمركية لكان التضخم أكبر من ذلك.
كما أكد التقرير أن الارتفاع الهائل في فائض المؤسسات العامة هو أهم مصدر للتحسن في وضع المالية العامة وهذا يلقي قدراً كبيراً من عدم اليقين على امكانية استمرار التحسن في المالية العامة ويمثل في الوقت الراهن مصدراً رئيسياً لمخاطر المالية العامة.
ومن المهم الانتباه لما قاله خبراء الصندوق من ان آفاق النمو لعام 2006 تبدو ايجابية لكن من الضروري معالجة الضغوط التضخمية ولذلك تعتمد التوقعات على اتباع سياسة نقدية رشيدة وسياسة أجور منضبطة واستمرار السياسات الرامية إلى تحسين مناخ الأعمال، ومن المتوقع أن تؤدي موازنة 2006 إلى جانب التدابير المطبقة إلى تحقيق تحسن يقرب من نصف نقطة مئوية في وضع المالية العامة الأساسي ولكن دعا التقرير- في موقف غير شعبي ولكن اقتصادي- إلى عدم تقليص التحسن في موازنة 2006 من خلال زيادة اضافية في الأجور والرواتب.
وربما يدرك الخبراء نفسيتنا جيدا وبالتالي دعوا لأن لا تكون الآفاق الايجابية لعام 2006 مدعاة للتراخي لأن التحديات على الأمد المتوسط تستدعي معالجة سريعة. مع الترحيب بما اعتبرته الخطة الخمسية من أن ادخال ضريبة القيمة المضافة واصلاح دعم المنتجات البترولية دعامتان أساسيتان للتصحيح المطلوب للمالية العامة.. وأوصت البعثة بفرض ضريبة القيمة المضافة على جميع السلع والخدمات تقريباً.
ولعل ختام التقرير جدير بالتأمل أكثر مما وجدوه من نسب النمو المفاجئة- بناء على معطيات قدمناها لهم بالطبع- حيث شدد على اقتران اصلاح السياسة الضريبية بتحسين الإدارة الضريبية لتسهيل الامتثال للنظام الضريبي وتوحيد سعر الصرف وقابلية الحساب الجاري للتمويل وتقوية اطار السياسة النقدية والقطاع المالي وزيادة تشجيع تحرير التجارة وتحسين مناخ النشاط الاقتصادي.
أيمن قحف
المصدر: البعث
إضافة تعليق جديد