سورية إقليم في دولة
عام على الأزمة في سورية. خصوم النظام أخطأوا منذ البداية في تأكيدهم على حتمية سقوطه. أصدقاؤه أيضاً أساءوا التقدير في قدرته على الحسم. في كلا الحالتين، ضُربت مواعيد وآجال، خيبت آمال أصحابها وكشفت سعة الهوّة بين المواقف والوقائع. المراوحة الراهنة والمستديمة، ستدفع كل طرف إلى التمييز بين الممكن والمستحيل، وإلى التحصن خلف ما أُنجز، وتهميش ما لم يُنجز. النظام سيكرس صموده في وجه المؤامرة . فيما سيكتفي الخصوم بإدامة الأزمة واستنزاف النظام بديلاً من إسقاطه، ودليلا على منجز حققوه في عملية تصفية الحساب مع سورية..
في المدى القريب، قد يستطيع النظام تخفيف حدة الأزمة. لكنه لا يبدو قادراً، في المدى نفسه، على الحسم الأمني والعسكري. انتصاراته الأخيرة في إدلب وحمص، تعزز قدرته على البقاء، لكنها لا تعني بالضرورة قدرته على إنهاء جيوب المسلحين. الحسم هذا متعذر، ما دام هنالك دعم خارجي بالمال والسلاح والإعلام لـ«الثوار» والمعارضين. بالمقابل، التدخل العسكري الخارجي ضد سورية مستبعد أيضاً. أي تدخل من هذا القبيل سيوازي عدواناً على منشآت إيران النووية أو حرباً إسرائيلية على لبنان. سورية، في حسابات خصومها، إقليم في دولة وليست مجرد دولة في إقليم.
بعد عام على الأزمة، ينأى المشهد السوري بنفسه، أكثر من ذي قبل، عن الثورات العربية. في الثورات هذه، برزت وحدة المعارضات مقابل تصدعات الأنظمة. أما في الحالة السورية، فالنظام أكثر توحداً مقابل انقسامات المعارضات.. في معظم الثورات العربية لم يحل وقوف أميركا وحلفاؤها إلى جانب الأنظمة دون سقوطها. بينما في سورية شكّل وقوف هؤلاء مجتمعين ضد النظام عاملا إضافيا في صموده. العنف الدموي المتبادل في بلاد الشام أقرب إلى الحرب الأهلية اللبنانية منه إلى الربيع العربي. التوافق الداخلي السوري شرط لازم لحل الأزمة لكنه ليس كافياً من دون تسويات خارجية. وما زال هناك الكثير من المراحل قبل الوصول إلى «طائف» سوري ينتج سلطة شراكة بين النظام والمعارضة.
تعامَلَ النظامُ مع المعارضة السلمية بلغة الإصلاحات ومع المعارضة المسلحة بطريقة الحسم العسكري والأمني. لكن، نجاح الخصوم في إدراج الاثنتين ضمن صورة واحدة، أبقى الإصلاحات من دون الفعالية المطلوبة، وحوّل الحسم إلى سلاح ذي حدين. لقد اخفق النظام، إلى الآن، في تقديم صورة مغايرة تنطوي على الفصل والتفريق بين المعارضتين. نجاح النظام في احتواء الأزمة مرهون، قبل كل شيء، بقدرته على تحييد المدنيين و إخراجهم من دائرة النيران في حربه مع المسلحين.
بالمقابل، استنفد هؤلاء الخصوم كل المتاح لإسقاط النظام ولكن من دون جدوى. استعجلوا حرق أوراقهم وأخفقوا في إدارة المعركة.. وخلقوا مبررات جديدة تعيد تكريس نظرية المؤامرة التي كانت أول من يطل برأسه في شتى تدخلاتهم: إعلام للتضليل، دبلوماسية لتصفية الحساب، أموال لتأجيج الفتنة، حصار لإسقاط الدولة، ودفاع مزيف عن حقوق الإنسان...
العامُ الأول من الأزمة السورية، استقرت فيه توازنات الأزمة وتبلورت معه مؤشرات استمرارها. المشهد السوري الراهن محكوم للاءين،لا مجال للحسم العسكري ولا أفق للحوار السياسي..المشهد ذاته سيرخي بظلّه على الأزمة في مشهدها الآتي: عودة غربية إلى سياسة العقوبات، على قاعدة الكيد الذي لا يغني من جوع. عجز أممي عن التأثير بمسار الأزمة وتعويضه بما يشبه مبادرة كوفي أنان»الإنسانية» التي حملها إلى دمشق. صمت تركيّ بليغ، هو أقرب إلى اعتراف بالأخطاء السابقة في تقدير الموقف من أزمة سورية. تخبط عربي يراوح بين الدعوة إلى إسقاط النظام وتسليح المعارضة وعدم جدوى الحوار، وصولاً إلى ملاقاة الروسي في منتصف الطريق على غرار اتفاق «النقاط الخمس».
عام آخر من الأزمة السورية ما لم يكن هناك مفاجآت.
حبيب فياض
المصدر: السفير
التعليقات
هل نستطيع التحدث بصراحة بدون
إضافة تعليق جديد