رأسان بلا دولة
ثمة همس يتجدد في الأروقة الدبلوماسية الأميركية مقروناً بسؤال: لماذا لا يكون «الخيار الأردني» هو الحل؟
والهمس يتجدد بمناسبة «الفصل» الحاصل بين غزة والضفة منذ شهرين, والتوجه الأميركي الاسرائيلي الحاسم الى تعزيز سلطة «ابو مازن» على كل المستويات, وبدايات التعاون الأمني (الذي يتزايد) بين الأردن والسلطة على أكثر من مستوى.
نقرأ في «هآرتس» 26/7/2007تقريراً بتوقيع شموئيل روزنر يقول ان ادارة بوش ملتزمة بمشروع الدولتين وهي تركز على تعزيز دور محمود عباس. ووفق مصادر القرار الاسرائيلي فإن «المسألة الأردنية» لم تطرح في محادثات رسمية اخيراً, لكن السؤال يبقى ما الذي يمكن أن يحصل اذا ثبت, مرة أخرى, أن الاستراتيجية الأميركية غير ناجعة؟
في مثل هذه الظروف, يقول روزنر لا بد من البحث عن بديل, والبديل هو «الخيار الأردني». في الوقت نفسه هناك من يرى ـ أبرزهم رئيس معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط الدكتور روف ستلوف ـ انه «يحتمل ان يكون السعي الى أفق سياسي اسرائيلي فلسطيني متعارضاً مع مصالح ورغبات الطرفين, والاستثمار في أفق سياسي عربي فلسطيني, بما في ذلك محادثات مسبقة على مسار كونفدرالية أردنية فلسطينية, كفيل بأن يكون واقعياً ومجدياً وأكثر نجاعة».
نقرأ أيضاً في «هآرتس»: محافل الحكومة الاسرائيلية, تعمل بالتنسيق مع الادارة الأميركية لتعزيز ابو مازن, لا تطرح المسألة الاردنية على البحث الجماهيري, من ضمن امور اخرى خشية اغضاب الرئيس ووزيرة خارجيته كوندوليزا رايس. ولكن رئيس المعارضة, النائب بنيامين نتنياهو من الليكود يتحدث علانية عن الحاجة الى ادخال «قوات اردنية» الى الضفة الغربية للمساعدة في فرض النظام.
رجل معهد البحوث «مركز شليم» في القدس, ميخائيل اورون, المتماثل هو الآخر مع اليمين اقترح في هآرتس» العودة الى فكرة «الحكم الذاتي» للفلسطينيين فيما يكون «الأمن في مسؤولية اسرائيلية اردنية مشتركة».
والخيار الاردني, في اسرائيل ايضا ليس من نصيب اليمين وحده. فالرئيس المنتخب شيمون بيريز, شهد امام لجنة فينوغراد لفحص حرب لبنان الثانية فقال «علينا ان نبحث عن مبنى جديد مع الفلسطينيين. انا في قلبي عدت الى الاستنتاج الذي كان لي دوما في حياتي: نحن ملزمون بأن نجلب الاردنيين. لا يمكننا ان نصع السلام فقط مع الفلسطينيين».
وتكشف «هآرتس» ان معهد «هيدسون» في واشنطن, المتماثل مع اليمين من المحافظين الجدد, سوف يستضيف بعد اسابيع وفدا من كبار المسؤولين السابقين, اردنيين وفلسطينيين, للبحث في العلاقات بين السلطة والمملكة. وفي العام الماضي استضاف معهد يميني آخر «اميركان انتربرايز اينستتيوت» مؤتمراً مشابها وصل اليه ضمن آخرين رئيس الوزراء الاردني الاسبق عبد السلام المجالي, وزير الداخلية الفلسطينية الاسبق نصر يوسف. وتوقع المجالي في البحث في ان يحظى اقتراح اقامة «كونفدرالية او فيدرالية» بتأييد «عدد كبير» من الفلسطينيين.
لماذا هذا الكلام وفي هذه اللحظة بالذات؟
الجواب هو ان السلطة الفلسطينية تعاني من مشكلة اساسية هي الضعف المتراكم في مؤسسات الحكم, والتدهور الأمني على الأرض, وهذا الضعف يشكل المناخ الأمثل للبحث عن حل للقضية الفلسطينية من خارج الاطار الفلسطيني المستقل. هذا «الحل» يبدو واقعياً بخلاف الحلول الأخرى الطوباوية التي تبدأ بدولة فلسطينية من البحر الى النهر وتنتهي بشبه دولة على اشلاء الضفة.
والفلسطينيون انفسهم يدركون ان هناك استحالة للتفاوض, في ظل «دولة الرأسين» التي ظهرت في اعقاب الحسم العسكري الذي شهدته غزة, وفق المعايير الصرفة لما هو شرعي وما هو غير شرعي في الساحة الفلسطينية.
ودول المنطقة التي تصطف وراء هذا الرأس او ذاك تزيد المسألة تعقيداً.
ودولة الرأسين لا يمكن ان تشكل حالة دائمة, ولو اعترف بها البعض كأمر واقع, مثلما يحدث في لبنان, علماً أن الشكل النموذجي للدولة في المنطقة العربية كان ولا يزال «الدولة الموحدة» المركزية التي لا تترك أي هامش حرية للأقاليم أو الاقليات.
والمفارقة أن فلسطين اليوم رأسان بلا دولة, وأن إعادة توزيع السلطة قد تقضي على كل شيء بما في ذلك مشروع الدولة.
إنه «الخيار الأردني» يطل برأسه مرة أخرى, عبر الرأسين وسائر الرؤوس, وهو خيار يرفض أن يموت.
فؤاد حبيقة
المصدر: الكفاح العربي
إضافة تعليق جديد