حرب الفتاوى الفضائية
بعد سنتين من فوضى الفتاوى الفضائية، اشتدت هذه الأيام موجة مضادة من الرفض الديني الرسمي في مصر لهذه الظاهرة. وهو الرفض الذي على رغم حدته وعلو صوته، غير ملزم لأي من مفتي الفضائيات الخاصة. فقبل أيام انتقد وزير الأوقاف المصري الدكتور محمود حمدي زقزوق فتاوى الفضائيات بشدة، واصفاً إياها بـ»الفتاوى التجارية التي تنتشر من دون ضابط أو رابط» و»لا علاقة لها بالدين». وطالب أن تكون هناك «وقفة عربية إسلامية لوقف هذا السيل الجارف من الفتاوى».
وقبله عبّر مفتي مصر الدكتور علي جمعة غير مرة عن رفضه مثل هذه الفتاوى التي وصفها بـ»البلاوي» وأصحابها بـ»الحلاقين». وعلى رغم هذا كله، فإن فتاوى الفضائيات تجرى على قدم وساق، وظهر مزيد من التخصص فيها. إذ أصبح هناك برامج متخصصة في فتاوى النساء، وأخرى لفتاوى الشباب وسواهما.
لكن المقلق حقاً هي تلك الأشرطة الفتوية التي تجرى أسفل شاشات عدد من القنوات، وتعتمد على أسئلة فتوية يطرحها المشاهدون بطريقة الرسائل الهاتفية القصيرة، أو ترسل عبر البريد الإلكتروني للقناة، ويرد عليها من خلال فتاوى تركض هي الأخرى في الشريط ذاته. هذه الفتاوى الراكضة غير معلومة المصدر، وغير مصحوبة بسند قوي من آيات قرآنية أو أحاديث نبوية، ما دفع بعضهم إلى تسميتها بـ»فتاوى تيك أواي».
أمام هذا الغزو الفضائي غير الموثق أحياناً في قضايا دينية لا ينبغي السماح إلا للمتخصصين بالغوص فيها، خرج عدد من المقترحات مثل تأسيس جهاز رقابي على القنوات لمراجعة الفتاوى الفضائية، أو إصدار بيان من هيئة علماء الأزهر للمطالبة بتوحيد جهات إصدار الفتاوى... إلا أن مثل هذين المقترحين وغيرهما يتناقضان تماماً مع طبيعة الفضائيات التي لا تحكمها قوانين محددة أو لوائح صارمة، حتى داخل الدولة الواحدة. فحتى في حال نجاح دولة عربية أو إسلامية في إحكام سيطرتها على الجهات والأشخاص المصدرين للفتاوى، عبر قنواتها الرسمية، فإن المشاهدين يتلقون ما تبثه هذه القنوات وغيرها ويعون تماماً القوانين والأطر التي تحكم عمل قنواتهم الرسمية، ومن ثم هم غالباً على دراية كاملة بأن الفتاوى التي يسمعونها عبر المحطات الرسمية خاضعة للرقابة أو لأجندة مسبقة. إضافة إلى التناقض التام بين مفهوم كلمة «رقابة» وكلمة «سموات مفتوحة».
الأدهى من ذلك أنه بعدما كانت دور الإفتاء الوسيلة الوحيدة التي تخرج منها الفتاوى، انضمت قنوات التلفزيون الأرضي، ثم الفضائيات، التي واكبتها الشبكة العنكبوتية من خلال آلاف المواقع، وصولاً الى الخليوي الذي قدم خدماته المحمولة أيضاً من خلال الاتصال بأرقام بعينها لاستصدار فتاوى «مستعجلة» وأخرى تستغرق بعض الوقت و»كله بثمنه».
أياً يكن الأمر، من شأن هذا التشديد على إحالة الرقابة ولجـــان المتابعة وهيئات الرصد على التقاعد، أو العمل على تغيير نوع النشاط واقتصاره على النواحي الاستشارية وإبداء الرأي وتقبل الأمر الواقع.
أمينة خيري
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد