توصيات خبراء الإعلام الإلكتروني في اجتماعهم الثاني
التأكيد على أهمية العمل العربي المشترك في رفد الإعلام التقليدي بنماذج الإعلام الإلكتروني لبناء علاقة مميزة مع الرأي العام أنهى فريق الخبراء العرب المكلف بدراسة موضوع الإعلام الإلكتروني أعماله قبل أيام، بعد أن عقد سلسلة اجتماعات له في مقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بالقاهرة، في الفترة ما بين 21 ـ 22 تشرين الأول الماضي، حيث رفع توصياته ومقرراته إلى اللجنة الدائمة للإعلام العربي، لتكون رافداً مرجعياً في تشكيل لجنة الإعلام الإلكتروني العربي التي قرر مجلس وزراء الإعلام العرب إنشاءها لتتولى مسؤولية التنسيق والتكامل العربي في هذا المجال.
وتناول التقرير الذي أعده الفريق قراءة إعلامية لمفرزات ثورة المعلومات وخاصة منها النماذج الإعلامية الجديدة التي تأتي المواقع الإلكترونية للصحف ووكالات الأنباء على شبكة الانترنت في مقدمتها ومن بعدها المواقع الالكترونية للإذاعات والمحطات التلفزيونية، التي كانت تستقي مادتها الأساسية من المراكز الإعلامية التي تنتمي إليها بصورة تكاد متطابقة من حيث المحتوى.
وأشار التقرير إلى أن هذه النماذج التي ولدت من بيئة الصحافة الورقية أو من البيئة الصحفية السمعيةو البصرية، فتحت المجال لظهور اتجاه إعلامي إلكتروني، وهو نموذج المواقع الإلكتروني المستقلة عن المصادر الإعلامية التقليدية.
وتناول التقرير مجموعة من النقاط في هذا المجال منها:
1ـ أفرزت هذه الثورة أدوات جديدة للتعامل مع الأخبار من خلال منظومات متخصصة news room وأنظمة التوثيق الرقمي والترجمة الآلية والمعالجة الآلية للغة ونظم إدارة المحتوى الرقمي وتتبع الدورة التحريرية، والتي استطاعت الانتقال بالعملية الإعلامية إلى مرحلة جديدة، تختلف في الكثير من مقوماتها عما عرفه الإعلام التقليدي.
2ـ مع هذه النماذج الجديدة، ظهر نوع مختلف من الإعلام وهو النوع الذي تكتمل فيه الحلقة الاتصالية، ويتحول القارئ إلى صحفي نت خلال تفاعله اللحظي مع المواد المنشورة على الموقع الإلكتروني، ويعود الصحفي من جديد ليتفاعل من جانبه مع القارئ، ويكتشف من خلال هذا التفاعل المسار الإعلامي الصحيح، وأطلق على هذا النموذج الجديد اسم «الإعلام الإلكتروني التفاعلي».
3 ـ لم تكن شبكة الإنترنت هي الوحيدة في اعتماد الإعلام الإلكتروني، سواء الصحفي أو المسموع أو المرئي، بل ظهرت منافسة من نوع مختلف هي الإعلام عبر الهاتف الخلوي، هذا الانجاز الذي يتوقع أن يكون الأكثر تسارعاً في السباق نظراً لحجم المشاركة الجماهيرية فيه، ولتعدد خدماته التي شملت هي الأخرى الأخبار والموسوعات والبث التلفزيوني والإذاعي.
4 ـ مع هذه الولادة الجديدة بدأ الصراع بين التقليدية والمعاصرة في الإعلام، ودخل الإعلام الإلكتروني مرحلة حاسمة بدأ الحديث فيها عن دنو أجل الإعلام التقليدي.
5 ـ ماهو مميز في موضوع الإعلام الإلكتروني أنه لم يكن نتاج تطوير أو تهجين للإعلام التقليدي بل هو نموذج إعلامي مختلف، سواء في هندسة الحامل الإعلامي أم في آليات العمل الجديدة أم في النتاج المعرفي، خاصة بعد ظهور مناهج جديدة في مجال التنقيب في المعطيات واستكشاف المعرفة والانتاج الآلي للنصوص، التي جاءت لتنسجم مع الضخ الإعلامي الواسع، الذي تعجز القدرات البشرية عن تتبعه واكتشاف ارتباطات عناصره.
6 ـ دخول الإعلام الإلكتروني حياتنا اليومية سيعيد صياغة العملية الإعلامية بشكل كامل، بما يحقق التكاملية مع الإعلام التقليدي، وفق منهجية القيمة المضافة المنسجمة مع متطلبات المتلقي، وبما يتيح إيجاد الحلول للكثير من المشكلات التي تواجه الإعلام، ويضعه على الطريق الصحيح في عصر جديد يرى في المعلومة القوة الاقتصادية والصناعية والثقافية الكبرى.
7 ـ في عصر المعلومات، وبعد انطلاق شبكة الإنترنت، أصبح «كل صحفي ناشر» أو «كل مواطن ناشر» فخلال فترة زمنية قصيرة يمكن لأي كان أن يضع مقالاته على شبكة الإنترنت في موقع خاص أو عام، لتصبح في متناول مئات الملايين من البشر في مختلف أنحاء العالم.
8 ـ تعرض المحتوى لهزة من نوع مختلف حيث إن صياغة المحتوى المحلي لم تعد تقتصر على أيد محلية بل يمكن أن يسهم فيها أي كان، وبغض النظر عن مصداقيته، وبالتالي فإن الشعوب التي لا تحضر على الشبكة العنكبوتية من خلال محتوى تصنعه بنفسها تترك الفرصة للغير أن يقدمها وبطريقته الخاصة.
9 ـ أصبحت صناعة المعلومات والمعرفة أحد المعايير الأساسية لمكانة الشعوب وتقدمها، وبالتالي فرضت هذه الحالة عملية البحث عن مقومات هذه الصناعة التي تعدّ حديثة في مكوناتها، وهو ما لم تستطع دول العالم الثالث متابعته بالسرعة نفسها التي أنجزته بها الدول المتقدمة، فانعكس ذلك زيادة في توسع الفجوة الرقمية بين الدول المتقدمة والدول المختلفة.
10 ـ طبيعة هذا النموذج الإعلامي فرضت على المهتمين بشؤون الإعلام مهمات جديدة، وهي مهمات لا يمكن معالجتها باعتماد مناهج أو أساليب تقليدية، كما أنه من الصعب إهمالها أو التعامل معها بحيادية ولا مبالاة، خاصة أن الإعلام العربي مطالب بأن يؤدي دوره في تحديث وتطوير البنية الاجتماعية في الوطن العربي وصولاً إلى مجتمع المعلومات، باعتماده أداة أساسية وهي الرأي العام، الذي أصبح يتفاعل بشكل واسع مع نموذج الإعلام الإلكتروني، وهنا تبرز أهمية العمل الإعلامي العربي المشترك في هذا المجال.
11 ـ إن بناء «إعلام إلكتروني عربي» يمثل أحد أهم القضايا والتحديات التي تواجه الإعلام العربي ـ حالياً ومستقبلاً ـ في ضوء ما فرضه العصر الرقمي من معطيات جديدة تماماً لابد من التعامل معها، إضافة إلى ما يتصل بذلك من ضرورة وحتمية المواءمة مع المتغيرات والمستجدات التي أوجدها الواقع الإعلامي الجديد على المستوى الدولي وعلى كل المستويات الإقليمية والوطنية.
العمل العربي المشترك
تناول التقرير أهم مقومات العمل العربي المشترك في مجال الإعلام الإلكتروني وخاصة على صعيد الأهداف والمهام وآليات العمل، ومن أهم الأهداف التي عرضها التقرير:
ـ رفد الإعلام التقليدي بتقانات وآليات عمل حديثة تتيح علاقة أقوى مع الرأي العام بما يكفل مشاركته في عملية الانتقال نحو مجتمع المعلومات.
ـ تحقيق علاقة تفاعلية حية بين الإعلام والمتلقي.
ـ الارتقاء بمستوى التفاعل مع المعلومات والمعارف التي ينتجها العالم،
ـ تدعيم صناعة عربية قوية متكاملة للمعلومات والمعرفة.
ـ تكريس الحضور الإعلامي العربي على شبكة الإنترنت.
ـ توحيد معايير الإعلام الإلكتروني والمحتوى الرقمي في الدول العربية.
ـ توسيع دائرة القاسم المشترك لدى الرأي العام العربي.
ـ دعم المبادرات الفردية والجماعية في مجال النشر الإلكتروني.
ـ تكريس مبدأ تكامل الإعلام الإلكتروني مع الإعلام التقليدي دون أن يكون أحدهما بديلاً عن الاخر.
ـ استيعاب الضخ الكثيف للمعلومات وإيجاد السبل الكفيلة بحسن إدارتها ومواجهة انفجار المعلومات.
ـ التخفيف من حدة التضليل الإعلامي.
وحدد التقرير مهام العمل العربي المشترك في هذا المجال وخاصة على صعيد الاستفادة من نموذج الإعلام الإلكتروني في تسريع عملية انتقال الوطن العربي نحو مجتمع المعلومات، ووضع إطار جامع شامل لسياسات وخطط بناء الإعلام الإلكتروني العربي في شكل «وثيقة إطارية» ترتكز على رؤية متكاملة لمبادئ وأسس مجتمع المعلومات والمعرفة بما يخدم الأهداف التنموية في الوطن العربي، ووضع الآليات التي تكفل الاستثمار الأمثل لتقانات المعلومات والاتصال المعلوماتي في المجال الإعلامي، والمنهجيات الجديدة التي فرضها التوجه العالمي نحو مجتمع المعلومات، وإيجاد حلول موضوعية وعملية لمعالجة مختلف المشكلات والظواهر المسببة للفجوة الرقمية، ووضع الخطط التنفيذية والمبادرات والمشاريع للعمل برؤى محددة تحكمها استراتيجية متكاملة تكفل دمج الإعلام العربي في مجتمع المعلومات والمعرفة وتجاوز الفجوة الرقمية، وصولاً إلى بناء منظومة إعلامية عربية رقمية متكاملة، ودعم وتفعيل الآليات التي تكفل تنفيذ مشاريع تطوير المحتوى الرقمي العربي، وتوفير البيئة الرقمية العربية، وتحديث التشريعات الناظمة للإعلام العربي بما يدعم نظام الإعلام الحر كضرورة أساسية لنمو الإعلام الإلكتروني، ووضع مبادئ عامة تحكم سياسات ومشروعات الاعلام الالكتروني وانتاج المحتوى الرقمي ووضع المعايير ومؤشرات القياس البسيطة والمركبة الخاصة بالإعلام الإلكتروني، وتشكيل فرق العمل المتخصصة لتنفيذ المهام المطلوبة ومتابعة عملها، واعتماد الآليات التي تتيح استثمار ذكاء الآلة والصناعة الميكانيكية للمعلومات، والتنسيق بين المؤسسات الإعلامية في الدول العربية في هذا المجال بما يحقق التكامل والتعاون فيما بينها، وإنجاز ميثاق شرف وتشريعات للإعلام الإلكتروني العربي بما يتوافق مع ميثاق العمل الإعلامي العربي، يحدد آليات استثمار الفضاء الإلكتروني لغايات إعلامية، والتنسيق مع المنظمات الإقليمية والعربية والدولية ذات العلاقة.
- قدم فريق الخبراء بعض الأفكار الخاصة بلجنة الإعلام الإلكتروني العربي المزمع إنشاؤها لاحقاً فأشار إلى ضرورة أن تتشكل اللجنة من الخبراء المتخصصين من وزارات الإعلام في الدول العربية أو الهيئات المكلفة بالإعلام، بحيث يتاح للمنظمات العربية التي تحضر اجتماعات مجلس وزراء الإعلام العرب حضور اجتماعات اللجنة كما يتاح لممثلي القطاع الخاص ومنظمات المجتمع الأهلي وفق الشروط المعتمدة في المجلس الاقتصادي العربي في الجامعة. ورأى أن عضوية هذه اللجنة تتطلب توفر المهنية الإعلامية والخبرة في مجال الإعلام الإلكتروني والرؤية الاستراتيجية المستقبلية ومواكبة واستيعاب التطورات الحديثة في مجال الإعلام الإلكتروني.
آليات العمل:
رأى الفريق أن تعتمد آليات العمل على مجموعة من الصيغ من أهمها:
فرق الخبراء
وتضم خبراء متخصصين في مجال محدد من مجالات الإعلام الإلكتروني، يتم ترشيحهم من وزارات الإعلام العربية، وتتولى هذه الفرق وضع الدراسات التحليلية للمواضيع التي تكلف بها.
ورشات العمل:
وتشارك فيها مجموعة من الاكاديميين والخبرات التطبيقية المحلية والعالمية والمنظمات الإقليمية والعربية والعالمية ذات العلاقة، وجهات التمويل وهي فعاليات مفتوحة للراغبين في المشاركة، وتتناول كل منها موضوعاً محدداً.
حلقات النقاش:
تقام بهدف الوصول إلى حلول وتوجهات وآليات عمل محددة للمشاريع والمبادرات والبرامج، وهي تجمع الخبراء والجهات التي ستتولى المهام التنفيذية في الدول العربية.
المؤتمرات:
وتضم مجموعة من ورشات العمل التي تلتقي في محور واحد.
المجموعات الافتراضية:
هي مجموعات تتواصل عبر الاتصال الإلكتروني وتتولى إحدى الدول التنسيق بين أعضائها، ومهمتها متابعة تنفيذ المشاريع العربية المشتركة.
التوصيات:
أوصى الفريق باعتماد مجموعة من التوجهات والخطوات في الطريق إلى الاستثمار الأمثل للإعلام الإلكتروني ومنها:
ـ إنشاء بوابة عربية خاصة بالمواقع الالكترونية ذات المنحى الإخباري
ـ تحفيز الحضور العربي في الفضاء الالكتروني من خلال تظاهرات عربية سنوية تقدم الجوائز التشجيعية للمواقع الالكترونية المميزة.
ـ دعم المؤتمرات وورشات العمل والمعارض العربية ذات العلاقة بنماذج الإعلام الإلكتروني وخاصة ما يتعلق منها بالمواقع الإلكترونية وتقانات الإنترنت، ودعوة وزارات الإعلام العربية للاهتمام بها والمشاركة بنشاطاتها.
ـ تكوين وتأهيل الإعلاميين في مجال الإعلام الإلكتروني من خلال برامج تشاركية بين جامعة الدول العربية والمؤسسات الإعلامية.
ـ دعوة مؤسسات التعليم العالي المختصة في الإعلام في البلدان العربية إلى إيلاء تدريس الإعلام الألكتروني المكانة المحورية في مناهجها التدريسية.
ـ دعوة فريق الخبراء المعني بتأسيس اللجنة العربية للإعلام الإلكتروني، إلى:
1ـ إيلاء عناية، لدى رسم أهداف اللجنة، بدعم وتطوير مجتمع المعلومات العربي، بما يشمله ذلك من استثمار الإعلام الإلكتروني في تمكين المجتمعات العربية من مواكبة التكنولوجيا الرقمية وتطبيقاتها.
2ـ ضرورة اعتماد مقاربة استباقية في تناول مسألة الإعلام الإلكتروني نظراً لخصوصية هذا المجال.
3ـ إدراج عملية تطوير إمكانيات التدريب على الكتابة الإلكترونية ضمن الأهداف الرئيسية للجنة العربية للإعلام الإلكتروني.
4ـ أن تتضمن مهام اللجنة إجراء اتصالات دورية أو تسيير آلية تنسيق مع مختلف الهيئات ذات الصلة بالإعلام الإلكتروني.
هذا وكانت الورقة السورية المقدمة إلى اجتماع الفريق محور النقاش باعتبارها الورقة الأكثر شمولية في معالجة موضوع الإعلام الإلكتروني، وهو ما جعلها ورقة رئيسية استمد منها التقرير الختامي الكثير من الأفكار والاقتراحات.
مع انتهاء أعمال فريق خبراء الإعلام الالكتروني العربي تبدأ الاستعدادات لإنشاء اللجنة العربية التي ستتولى متابعة هذا الموضوع مستقبلاً عبر ارتباطها باللجنة الدائمة للإعلام العربي وبالتالي مجلس وزراء الإعلام العرب، حيث من المتوقع أن يتم تشكيل هذه اللجنة في النصف الأول من العام القادم.
حسين إبراهيم
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد