تطبيق FaceApp: كيف يتنبأ بشكلك في الشيخوخة، وما المقابل؟
إذا كنت تقرأ هذا المقال، فهناك احتمالية كبيرة أنك جربت تطبيق «FaceApp»، لتوقع صورتك في سن الشيخوخة، وفي الأغلب نشرت صورتك على منصات التواصل الاجتماعي، كنوع من التسلية والمزاح مع أصدقائك.
تطبيق FaceApp للهواتف الذكية بنظامي Android و iOS وكذلك في فيسبوك، ظهر للمرة الأولى في يناير/كانون الثاني 2017، وبلغ ذروة انتشاره عالميًا في أبريل/نيسان من نفس العام، وأصبح حينها من أكثر تطبيقات الموبايل انتشارًا، وشغل حيزًا لا بأس به من تغطية كبرى الصحف والقنوات عالميًا، ثم ضعف الترند تدريجيًا، ليستعيد بريقه مرة أخرى في 13 يوليو/تموز 2019، خاصة في الشرق الأوسط، حيث تغرق منصات التواصل في سيل من صور التطبيق.
يعمل التطبيق من خلال إدخال صورة قديمة أو التقاط حديثة من تطبيق الكاميرا الداخلي فيه، ويتيح عددًا من الفلاتر، تنتج صورًا على درجة كبيرة من الجودة والواقعية، ومن أبرزها فلتر توقع ملامح الوجه في سن الشيخوخة.
كيف يعمل تطبيق FaceApp؟
يستخدم التطبيق إحدى تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتسمى الخلايا العصبية الاصطناعية أو «Artificial Neural Networks». إذا كنت تقرأ هذا المصطلح للمرة الأولى، فأول ما تبادر إلى ذهنك، هو ربط المسمى بالخلايا العصبية البشرية، والأمر في صيغته المبسطة كذلك حرفيًا. استلهم خبراء الذكاء الاصطناعي الفكرة من آلية عمل الخلايا العصبية الحية، كما في الإنسان، والتي تتطور (تتعلم؟) في صورتها المبسطة من خلال التدريب بالأمثلة العملية.
مثلاً: عند تعريف الطفل للمرات الأولى بالقطط، يصبح مع الوقت قادرًا على التعرف عليها حتى لو كانت مرسومة على الورق ولو في صورة كاريكاتورية، ومع الوقت يستطيع أن يرسم الصورة بنفسه، ومع تطوير مهاراته قد يستطيع أن يحول الرسم البسيط إلى معقد أو مجسم أقرب للواقع، بالتدريب.
مثال آخر: مع توسع إدراك العقل البشري بمشاعر الآخرين، يصبح قادرًا على تمييز الحالة المزاجية من نبرة الصوت، أو تعابير الوجه. نكتسب هذه المعرفة بالتعرض لأعداد كبيرة من البشر، تستطيع خلايا أدمغتنا معالجة هذه «المدخلات» مرات ومرات للوصول لأفضل أحكام أو «مخرجات».
هذا ما يحدث تقريبًا في الخلايا العصبية الاصطناعية؛ مدخلات تجري معالجتها بخوارزميات وحسابات رياضية، تؤدي في النهاية إلى أحكام. دقة هذه الأحكام ليست 100% ولا قريبة من هذا الرقم في معظم الوقت، لكن تتوقف دقة الاستنتاجات على عوامل عدة، أهمها جودة المدخلات وكميتها. إذا كنت مستعدًا لجرعة أكثر تخصصًا وتفصيلاً، فهذا الرابط دليلك المبسط.
في حالة FaceApp، إذا كنت من أوائل مستخدمي التطبيق في نسخته الأولى، فقد تلاحظ الفارق الواضح في جودة الفلاتر حاليًا. احتفظ بهذه المعلومة، سنحتاجها لاحقًا.
تطبيقات الشبكات العصبية: الجانب المشرق
يعمل المختصون في الذكاء الاصطناعي في استثمار هذه التقنيات في مختلف المجالات، وهي من أكثر التخصصات الواعدة التي تتطور كل يوم وتخلق حلولاً نوعية، لم يكن في مخيلة البشر الوصول إليها، إلا في أفلام الخيال العلمي، نستعرض بعضًا منها.
أولاً: الهندسة الجنائية والطب الشرعي
حققت الشبكات العصبية نتائج مذهلة، وأبسط صور هذه التطبيقات، سهولة تحويل الرسوم إلى صور تقريبية للمشتبه بهم في التحقيقات.
ثانيًا: الفن
إذا كنت من محبي الرسم فربما تعرف لوحة «ليلة النجوم» لـ «فان جوخ». هل تعلم أنه بإمكان الكمبيوتر محاكاة هذه اللوحة وتطبيقها على عدد لا نهائي من الصور الفوتوغرافية؟
ثالثًا: التسويق والاقتصاد
تساعد التقنية في التنبؤ بمؤشرات الأسواق، واكتشاف كروت الائتمان الزائفة، والفصل بين الأوراق البنكية الأصلية والزائفة، خاصة تلك المعدة باحترافية يصعب على العقل البشري معالجتها، عندما تكون بكميات كبيرة، تحتاج إلى وقت طويل وجهد جماعي شاق للتعامل معها.
الجانب المظلم لتطبيقات الشبكات العصبية
أولاً: التلاعب بالصوت
بفضل هذه التقنية، ابتكر باحثون في اسكتلندا، نموذجًا يستنسخ أي صوت آدمي، وبتزويده بأي نص، يمكن تحويله إلى صوت عاطفي، يرتفع وينخفض ويصرخ ويبكي ويغني. شركة CereProc التي تقف وراء هذا الإنجاز الأول من نوعه عالميًا، هي صاحبة النموذج الصوتي للروبوت الشهير «صوفيا».
لم يثبت على الشركة إساءة استخدام هذا النموذج، لكنه قابل لإساءة الاستخدام إذا خرج من يديها أو تغيرت سياستها. النموذج المشابه في الخطورة هو تطبيق VoCo الذي أعلنت عنه شركة أدوبي الشهيرة مالكة حزمة البرامج الشهيرة في تصميم وتحرير الصور والصوت والفيديو.
بمقدور التطبيق تحويل التسجيلات إلى نصوص، وبإمكان المستخدم التلاعب في النصوص والحصول على تسجيل جديد يحاكي الأصلي تمامًا، ويصعب فيه اكتشاف التزييف. أعلنت الشركة عن التطبيق في عام 2016، لكن لم تطلقه إلى الآن، ويبدو من المؤكد حاليًا أنه لن يرى النور.
ثانيًا:التلاعب العميق – Deepfakes
في مؤتمر SIGGRAPH عام 2017، عُرض ثلاث أوراق بحثية لثلاثة نماذج لتحويل الصوت إلى صور متحركة، اختلفت درجات الدقة، لكن كانت النتائج جميعها مذهلة. تمكن أنجحها من محاكاة شبه طبيعية لخطابات الرئيس الأميركي السابق «باراك أوباما»، بتدريب النموذج على 17 ساعة من خطاباته، بعدها يمكن تركيب أي نص على صورة أوباما، للحصول على فيديو يصعب اكتشاف أنه مفبرك.
عد هذا التاريخ، ظهر أكثر من فيديو مفبرك لشخصيات عامة وسياسيين، آخرها هذا الفيديو الزائف لمارك زوكربيرج، المدير التنفيذي لفيسبوك.
في أي السياقين يوضع FaceApp؟
نستحضر مرة أخرى الحديث عن نظرية التطور في تأثير المدخلات على كفاءة نتائج نماذج الشبكات العصبية الاصطناعية، ودور كمية البيانات في هذه العملية. بالنسبة إلى تطبيق، يستثمر كل هذه التقنيات وما تحتاجه من موارد بشرية ولوجستيات ضخمة، وبالوضع في الاعتبار الكثير من قصص التطبيقات التي ثبت استغلالها للمستخدمين، وأشهرها فضيحة «كامبريج أناليتكا»، يدفعنا للتساؤل عن مكاسب صناع التطبيق الروس، أمام كل هذه التكاليف.
الإجابة يحسمها مساران:
أولاً: الصلاحيات التي يطلبها التطبيق عند تثبيته:
1. يطلب التطبيق إذن التحكم في الصور على الموبايل، للتمكن من رفع الصور إليه، وحفظ الصور منه، وهذا الإذن بحد ذاته تطلبه تطبيقات عديدة، لكنه إذن خطير لأي تطبيق غير موثوق.
2. الكاميرا.
3. الاطلاع على ملفات الموبايل.
4. التحكم في بروتوكولات الاتصال.
5. الاطلاع على الشبكات.
6. استلام بيانات من الإنترنت
مبدئيًا، لن يمنعك أي موبايل من إعطاء هذه الصلاحيات، مهما كان مستوى الحماية، ولا توجد ضمانة حقيقية لإساءة استخدام أي تطبيق هذه الصلاحيات الخطرة، لكنك ستدهش من صراحة صناع التطبيق بعد قليل.
ثانيًا: وثيقة شروط الاستخدام:
الشروط الموجودة بالوثيقة، وفي حال الافتراض المطلق لحسن النية، مخيفة إلى حد كبير، وتشرح أسباب طلب الصلاحيات السابقة، وأهمها:
1. الحصول على معلومات من الجهاز عن المواقع التي تزورها والإضافات التي تستخدمها، و«معلومات أخرى، تساهم في تحسن الخدمة»، دون توضيح ماهية المعلومات.
2. الكوكيز أو ملفات تعريف الارتباط، والتي تحوي الكثير عن جهازك، ونقل هذه البيانات لشركاء التطبيق، لاستخدماها في الإعلانات، دون توضيح من هم الشركاء.
3. سجل الأحداث: وهو من أخطر ملفات النظام، ويسجل كل أنشطة الجهاز، مثل المواقع والتطبيقات والآي بي.
كل هذه الأمثلة وأكثر موجودة في وثيقة الشروط، ويوضح الموقع أن هذه البيانات ملك لـ FaceApp وشركاه، وأن ملكية البيانات تنتقل للمالك الجديد للتطبيق، في حال بيعه.
السجل الروسي حافل بفضائح انتهاكات خصوصية المستخدمين، منذ انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، وإذا افترضت حسن النية، فأقل الأضرار المتوقعة هي مساهمة بياناتك في تطوير تقنيات خطرة، في أيدٍ لا تعرفها، وتبعا لذلك لا تعرف مدى مصادقيتها، ومن الأفضل التوقف عن التعامل مع مثل هذه التطبيقات.
الأمر يسري على تطبيقات الموبايل، وتطبيقات فيسبوك، خاصة تلك الأخيرة، التي تسطو على أكثر مما تتخيل من بياناتك الشخصية، عند تثبيتك للعبة مجهولة المصدر أو تطبيق يبدو خفيفًا مثل «توقع شكلك بعد 20 سنة»، أو «تعرف على شخصيتك». على سبيل المثال لا الحصر، قاضى فيسبوك مطورين أوكرانيين تمكنوا من الاستيلاء على بيانات 120 مليون مستخدم، وبيع 81 ألف رسالة خاصة، من خلال أحد هذه التطبيقات.
إضاءات
إضافة تعليق جديد