بسبب التدين آلاف الإسرائيليين لن يزرعوا هذا العام
في مكان يعتبر فيه أساس الصراع هو الأرض، يعتبر ما يحدث هذه الأيام هناك شيئا مدهشا.
فالآلاف من المزارعين الإسرائيليين الذين يملكون أراضي في مستوطنات إسرائيلية أو داخل حدود الدولة اليهودية مستعدون لمنح الحاخامات أراضيهم والذين بدورهم يقومون ببيعها للفلسطينيين مقابل حفنة من الشيكلات.
وما يجري ليس تحولا جذريا عن أسس الحركة الصهيونية لكن فقط محاولة عملية لحل معضلة غير عملية تفرضها إحدى شعائر الديانة اليهودية وهي التي تعرف باسم "شميتا".
مساء يوم الأربعاء القادم تحتفل إسرائيل ببداية العام اليهودي والذي سيعرف هذا المرة باسم "عام الشميتا".
عام الشميتا هذا يأتي مرة كل سبع سنوات وفيه يجب ترك الأراضي المملوكة ليهود في الأراضي التي تعتبر وفق المفهوم الديني اليهودي "أرض إسرائيل" غير مزروعة.
قبل حلول هذا العام يوافق المزارعون اليهود على بيع أراضيهم لمدة عام إلى مزارعين غير يهود، بشرط أن يستمروا في زراعة المحاصيل التي تعتبر "كوشير" وفق الدين اليهودي (ما يقابل حلال في الإسلام) إلى الأسواق الإسرائيلية ومن أجل الوفاء باتفاقات التصدير.
لكن ليس الجميع سعداء بهذا النوع من البيع المؤقت، كما أن مجتمع اليهود المتشددين والذي يزداد يوما بعد يوم يريد تطبيقا أشد وأدق لشعيرة الشميتا.
في منطقة تنخفض عن سطح البحر مئات الأمتار وتعرف باسم وادي الأردن، تقع مجموعة من الأراضي الأكثر خصوبة وإنتاجا للفواكه والخضروات بالنسبة لإسرائيل، وهي بالمناسبة أراض احتلتها الدولة اليهودية في حرب عام 1967.
في مستوطنة تومر، التي تقع شمال أريحا، أنفق داني ميمون على مزرعة تنتج البصل والفلفل حوالي مليوني ونصف مليون دولار.
بعد ثلاثين عاما من بيع المنتجات الزراعية يعتبر ميمون عام الشميتا الذي يأتي كل سبع سنوات نكتة.
يقول ميمون إن "كل سبع سنوات "نبيع" أراضينا إلى الحاخامات ليقوموا بعد ذلك "ببيعها" إلى غير اليهود، ربما العرب، مقابل شيكل واحد".
ويضيف: "من الجيد أن نرتاح لعام واحد لكن يعتبر ذلك غير عملي بالنسبة لنا.. فثمانين بالمائة من إنتاجنا يصدر إلى المملكة المتحدة وأوروبا ونحن لا نستطيع أن نخسر عملاءنا".
وبينما لا يمانع ميمون أن يتحايل على بعض المطبات الدينية تعبر جارته تالما أجمون عن استيائها مما يحدث وتقول إن "أناس كثر في إسرائيل يطبقون هذا الشيء الذي يدعى شميتا ولا يعرفون الفرق بين الزراعة ورعاية الحديقة الخلفية للبيوت، حيث يهجرون قص الحشيش ويتجنبون زراعة النباتات المثمرة".
ولتعبر أكثر عن استيائها تضرب تالما مثالا آخر وهو رخصة الكوشير التي تعلقها في المقهى الصغير الذي تمتلكه من أجل أن يتأكد رواده من أنها تبيع منتجات حلال وفق الشريعة اليهودية.
تقول تالما إن هذا الترخيص والذي يصدره حاخامات يهود يكلفها 600 شكل وهو ما يعادل 150 دولار أمريكي.
تصف تالما هذا الترخيص بالقول: "إنه استغلال بشع. استغلال له قواعد، وهو الشيء الذي يثير الأسى. كلما اشتدت قوة الحاخامات في هذا البلد كلما أصبحوا أكثر شراسة في تطبيق الشريعة اليهودية. ولو أعطتهم الحكومة المجال أكثر فإنهم سيفعلون المزيد."
وبالطبع ليس كل المزارعين يتعاملون مع عام الشميتا بالتحايل، فمنهم من يتقيد به وينفذ ما يأمر به الحاخامات.
فعلى بعد 60 كيلومترا شمال مستوطنة تومر يقع كيبوتز (مجتمع استيطاني مغلق) تيرات زئيفي حيث يعيش 600 من اليهود المتشددين من أجل العناية بحوالي 15 ألف شجرة نخيل وأشجار زيتون وفواكه.
هنا أمر الحاخام المسؤول بهجر كل النباتات المزروعة داخل الكيبوتر لمدة عام، وهو ما يعني عدم قطف المحاصيل أو بيعها للأسواق، لكن بالطبع يمكن لمن يحب أن يأتي ويلتقط ما يسقط عن الأشجار من أجل احتياجاته الخاصة. فيما عدا ذلك تترك الفاكهة لتتعفن.
حتى الحشائش لن يجري تشذيبها أو قصها. فقط سيتم ريها بالماء من أجل أن تعيش.
ويقول الحاخام موشى صومائيل إن عام الشميتا يوفر فرصة للناس في الكيبوتز كي يتذكرون "الرسالة الحقيقية لشعيرة الشميتا وهي ترك الأرض كي ترتاح وفي نفس الوقت التركيز على احتياجاتهم الروحية".
ومن اللافت أن شعيرة الشميتا حظيت هذه المرة بتغطية غير مسبوقة في الصحافة الإسرائيلية، والتي ركزت على رفض البعض لبيع الأرض بشكل مؤقت.
وقد أخبر بعض الحاخامات المتشددين أتباعهم بضرورة شراء الفواكه والخضروات المستوردة خلال الأشهر الاثنى عشر القادمة والتي تأتي أغلبها من الأردن وأوروبا، وهو ما أثار انتقادات شديدة بسبب أن خطوة كهذه ستضر الاقتصاد الإسرائيلي.
وليس من المعروف ما إذا كان قطاع غزة الذي يعاني من حصار اقتصادي من قبل إسرائيل سيجني أية فائدة من عام الشميتا.
ففي الماضي كان القطاع، الذي لا يعتبر داخلا في نطاق "أرض إسرائيل" وفق الدين اليهودي، يستفيد اقتصاديا من أعوام الشميتا حيث كان يبيع منتجاته الزراعية إلى إسرائيل.
المصدر: BBC
إضافة تعليق جديد