برامج دينية
البرامج الدينية في المحطات التلفزيونية العربية بحاجة الى صياغة جديدة تخرجها من نطاق أحادية الرأي والنهي. البرامج التي بدأت في المحطات الأرضية في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، اتسمت بخطاب سمح يدخل الطمأنينة الى القلوب بالكلمة الحسنة. غير ان الأمور تغيرت منذ انتشرت الفضائيات التي واكب انطلاقتها تعصب وأصولية اجتماعية جعلا الخطاب الديني التلفزيوني أقرب الى التهديد والوعيد، يتحدث عن الدين وكأنه يناقش قانون الجزاء والعقوبات، لا الجوانب الروحية والأخلاقية الطيبة.
البرامج الدينية العربية باتت، في معظمها، بحاجة الى إعادة نظر في تركيبتها التي تعتمد على صوت واحد يفرض تصوره للحياة المعاصرة. المشاهدون العرب محكومون بخطاب خارج إيقاع عصرهم يدفع غالبيتهم الى العيش في غيتوهات ذهنية وانفصام مع المجتمع الذي زادت تعقيداته كثيراً عما قبل. انهم بحاجة الى برامج مفتوحة لمناقشة القيم الدينية والأخلاقية، يساهم فيها العامة إضافة الى ضيوف من شخصيات المجتمع، من غير ان ننسى رجال الدين ونساءه. كما بات توسيع نطاق البرامج الدينية حالة ملحة في مجتمعات تعيش تشوشاً فكرياً وأخلاقياً لم تعهده من قبل، بسبب الثورة المعلوماتية والتكنولوجية وتعدد مصادر المعرفة وإمكانية الانفتاح عليها بكل أجناسها.
يعني هذا انه لم يعد الحديث «عما يصح أو لا يصح»، مقيداً باجتهاد مجموعة صغيرة غير متفاعلة مع ما يجري في مجتمعها ومع العالم من أحداث سريعة. ولا يمكن بأي حال ترك القيم والأخلاق الاجتماعية في معزل عن تلك المتغيرات، وترك الدين معزولاً وسلبياً حيالها. في مجتمعاتنا مسارات متناقضة أخلاقياً، بسبب عزلة الدين التي يفرضها البعض عليه. لماذا تشهد هذه المجتمعات مظاهر دينية شكلية واسعة، في الوقت الذي تنتشر فيها بصورة واضحة أمراض اجتماعية أخلاقية، مثل الفساد وسرقة المال العام والرشاوى، والتحرش الجنسي وعقود تشبه الزواج أو لا تشبهه، الخ. تناقض بين الدين والسلوك الأخلاقي؟ هل يصح ان يستقبلك سائق تاكسي بعبارات دينية ويسمعك طوال الطريق أحاديث أو تراتيل من القرآن الكريم على شريط تسجيل أو سي دي، ثم يصر في نهاية المشوار على ان يقنص منك مبلغاً يتجاوز أجرته الحقيقية بكثير؟ أين الحدود بين الدين والأخلاق هنا؟ هذا سؤال نحتاج الى طرحه في البرامج المقترحة.
مجتمعاتنا بحاجة الى نقاش عام حول الأخلاق الاجتماعية عموماً والتي يجب الا تسوغ تحت مظلة الطقوس الدينية اليومية. ولنتذكر ان القاعدة الذهبية التي تقول ان «الدين هو المعاملة» لم تترجم كثيراً في حياتنا اليومية بسبب هذا الانفصام بين روح الدين ومظاهره الطقوسية. وردم الهوة لا يتم من غير فتح باب الحوار لعدد واسع من الأفراد في النقاش، لصياغة قيم أخلاقية حديثة، تساعد القوانين، في حكم علاقة الأفراد بعضهم ببعض وعلاقتهم مع المجتمع ككل، وتجعل منهم فاعلين في الحياة، لا مجرد «جمهرة» تحرك بعصا أو بفتوى.
غالية قباني
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد