النوم متعلق بالدماغ أكثر من الجسد
كان الشاعر الإنكليزي الشهير وليام شكسبير ينظم الأشعار عنه، لكن عدم الحصول على قدر كاف منه يشكل اليوم مصدرا رئيسيا للمعاناة والشكوى لدى معظم البريطانيين.
إنه النوم، ذلك السلوك البشري الذي بدأنا مؤخرا نفهم كيف يؤثر على صحتنا، ابتداء من المكان الذي ننام فيه وانتهاء بالكيفية التي نمضي نومنا وفقها.
يشير آخر بحث حول النوم إلى أن أولئك الذين يعيشون تحت ممرات الطائرات، أو حتى أولئك الذين يتقاسمون أسرتهم مع أشخاص يشخرون بصوت مرتفع أثناء النوم، قد يعانون بالنتيجة من مرض ارتفاع ضغط الدم.
قد يبدو الأمر مثيرا للحيرة والدهشة أن نعلم أنه حتى حين نكون نياما، فإن أجسامنا تظهر رد فعل منعكس على الضجيج والشخير!
كما بدأنا ندرك أيضا بشكل متزايد أنه مع إطفاء الأنوار مساء وخلودنا إلى النوم لا يعني أن أجسادنا هي الأخرى تُقفل وتنطفئ أو تصبح في حالة تعطل، إذ تبقى أجزاء من ادمغتنا نشيطة بشكل لا يُصدق وتنذرنا في الواقع بالأخطار المحتملة في المحيط الخارجي، كما تقوم بتنظيم أجسامنا، وتخبرنا بضرورة أن نستيقظ إن اقتضى الأمر ذلك.
وإن بدا مثل هذا الأمر سيئا، فكم من الجدير بنا أن نشفق على كائن كالدلفين الذي يُبقي على نصف دماغه مستيقظا أثناء النوم، ليتكمن بذلك من مواصلة السباحة والخروج من تحت الماء عندما يحتاج إلى الهواء، وبالطبع يبقى متيقظا ومحترسا من هجمات المفترسين والمهاجمين.
كان النوم بالنسبة لنا، ولفترة طويلة من الزمن، مجرد وظيفة مباشرة وسلوك يمنح أجسادنا فرصة للاسترخاء والراحة وحفظ الطاقة.
حقيقة إن كمية الطاقة التي نوفرها ونحن نياما تُعتبر صغيرة جدا، إذ تساوي في الواقع حوالي 115 وحدة حرارية (كالوري) فقط، أي ما يعادل ما تحويه من الطاقة قطعة من الخبز المحمص (توست) مدهونه بقليل من الزبدة، أو ربما ما تحتوي عليه عبوة صغيرة من شراب ممزوج بالحليب الذي نتناوله عادة قُبيل النوم.
إن التراكم المتزايد من البحوث حول وظائف النوم قد أوضح بشكل جلي أن هذا السلوك متعلق بجوهره بالدماغ أكثر من صلته بالجسد.
يقول العلماء إن أجزاء من الدماغ، كتلك التي تقع في القسم الجبهي من الرأس وتتحكم بالتفكير المنطقي والعقلاني للإنسان، تُغلق بشكل كامل تقريبا أثناء النوم لتمكننا مثلا من اتخاذ الخيارات الأخلاقية.
إلا أن أجزاء أخرى من الدماغ، وبشكل ملحوظ تلك التي تقع في القسم السفلي منه، تبقي نشيطة جدا.
وقد يمنح النوم هذه المنطقة فرصة للتدريب والتمرين على عمليات التواصل بين الخلايا العصبية التي قد يتراجع نشاطها في حال لم يحدث مثل هذا الأمر بسبب الكسل وعدم النشاط والحركة.
والأهم من ذلك بكثير هو أن مثل هذا الأمر قد يعطينا أيضا فرصة لتنظيم ذكرياتنا وتعزيز تجاربنا التي نمر بها خلال النهار، بالإضافة إلى تنظيف ظهر المركب وإعادته إلى ما كان قبل النوم لتهيئته إلى فترة الاستيقاظ والإبحار من جديد في رحلة يوم جديد آخر.
ولا يعنى هذا أن الجسد لا يجنى فوائد هو الآخر من النوم، إذ أن هناك أدلة متزايدة تشير إلى أن صحتنا الجسدية تعتمد على حصول دماغنا على نوم هادىء خلال الليل.
إن ذلك الجزء من الدماغ، الذي ينظم عملية امتصاص الطعام في الجسم، كما يبدو، يستطيع أن يعمل بفاعلية بعد نوم مناسب.
فقد ربط العديد من الدراسات النوم المضطرب بالسمنة، تلك الصلة التي لا يمكن شرحها ببساطة من خلال حقيقة القول إنه إن لم تكن نائما، فلا بد أنك تمضي وقتك تتسلى بتناول بعض الأطعمة الخفيفة وأنت تشاهد التلفزيون.
وقد يتعرض للاضطراب والخلل ذلك النظام اليومي للجسد لدى العاملين بنظام المناوبات، أو ما يعرف بالساعة البيولوجية التي تُعتبر القوة البيولوجية الرئيسية الكامنة وراء الرغبة بالنوم، وذلك بسبب تغيير أوقات العمل والنوم. وهؤلاء الأشخاص معرضون أكثر من غيرهم لخطر الإصابة بمشاكل وأمراض القلب والأمعاء والمعدة.
ولكن في الوقت الذي قد يشكل فيه الحصول على القليل من النوم مشكلة وخطرا على صحتنا، فإن الإكثار منه قد يعطي نتائج غير مرغوبة أيضا.
فقد أظهر بعض الدراسات أن أولئك الذين ينامون أكثر من ثمان ساعات في الليلة الواحدة يموتون في سن مبكرة أكثر من أولئك الذين ينامون ساعات أقل.
يقول الدكتور كريس إدزيكاوسكي، مدير مركز النوم في جامعة إدنبرا في سكوتلندا: "حقيقة إنه من غير الواضح لماذا يحدث ذلك، لكننا نعرف أن الوفيات عموما تزداد بين الساعتين الرابعة والتاسعة صباحا حيث يكون الناس يغطون في ثبات عميق."
ويضيف الدكتور إدزيكاوسكي قائلا: "لذلك فالناس الذين يكونون نائمين في مثل هذه الأوقات يكونون معرضين أكثر من غيرهم لخطر الوفاة."
ويختم بالقول: "وفي جميع الأحوال لا يوجد حد أقصى من الساعات التي يتعين علينا أن نمضيها نياما، ولكن الأمر يجب أن تحسمه حاجتنا أن نكون يقظين في اليوم التالي."
وفي خضم صراعنا لإيجاد توازن تام بين فترات النوم والاستيقاظ، يبدو أنه لا بد لنا ان نميل إلى ضرورة العودة إلى تلك الحالة التي نكون عليها قبل أن يسرقنا النعاس ونكبو.
يقول العلماء إن "حالة السقوط الحر" في النوم، أي عندما ينام الشخص وجبينه إلى الأسفل ويداها تلفان الوسادة ورأسه مائل إلى الجانب، هي الوضعية الأفضل لمن يودون أن يهضموا عشاءهم خلال الليل بفاعلية وكفاءة عالية.
أما وضعية النوم التي تفسر نفسها بنفسها فهي تلك المسماة بـ "قنديل البحر" أو "العسكري"، أي عندما يستلقي الشخص على ظهره ويجعل يديه ممدودتين على جانبيه، ويعتقد أنها هي الوضعية التي يُحتمل أن تسبب الشخير.
وقد لا يعني ذلك أن من يتخذ مثل هذه الوضعية أثناء النوم لن ينعم بنوم هادئ فحسب، بل أنناعلى يقين الآن أن ذلك سيجعل من ضغط من يشاركه الفراش يسابق الريح.
المصدر: BBC
إضافة تعليق جديد