المقاولون على طريق الإفلاس وتسريح آلاف العمال
بين وزارة الإسكان ووزارة المالية ضاع عدد من المقاولين في تحصيل حقوقهم التي نصّت عليها بلاغات رئاسة مجلس الوزراء القاضية بتعويض المتعهدين في حال زيادة أسعار المواد الأولية وذلك اعتماداً على أحكام المادة 63 من نظام العقود رقم 51 لعام 2004، الأمر الذي نجم عنه تكبدهم خسائر وتهديد مصير آلاف العمال الذين يعملون في شركات المقاولات وكذلك تأخير تنفيذ المشروعات الموكلة إليهم وتحملهم غرامات التأخير والتسليم.
وفي التفاصيل تقدّم كل من المهندس محمد نور الأعسر ومحمد فواز عجوز وبازيد و أحمد بازيد من العاملين في المقاولات بشكوى تشمل آلاف المقاولين بينوا فيها أنهم أخذوا مشروعات من المؤسسة العامة للإسكان لبناء محاضر سكن الشباب والسكن العمالي وسكن الادخار في النصف الثاني من عام 2007، وبدؤوا بالعمل مستخدمين آلاف العمال لإنجاز هذه المشروعات خلال الفترة المتعاقد عليها، لكن بعد فترة قصيرة ارتفعت أسعار المواد الأولية والحديد بشكل كبير، إضافة إلى ارتفاع أسعار المازوت بعد رفع الدعم عنه الذي أدى أيضاً إلى حصول ارتفاع كبير في تكاليفهم نتيجة حصول ارتفاع آخر في أسعار المواد الأولية وفي تكاليف النقل وأجور العمال، وأكد البلاغ الصادر عن رئاسة مجلس الوزراء رقم 13/ب تاريخ 30/7/2008 أن انعكاس هذه الزيادات على العقود الخاصة بمشاريع البناء والأعمال المتممة بزيادة نسبتها (22.35%)، واعتماداً على قرار رئاسة مجلس الوزراء رقم 46 لعام 2008 فإن من حقنا الحصول على تعويضات، حيث نصت المادة الأولى منه على أن يتم احتساب فروقات الأسعار الطارئة على المواد والخدمات وأجور اليد العاملة الداخلة في جميع أنواع التعهدات لمقاولي القطاع الخاص وفقاً لما هو مطبق في الجهات العامة على عقود وشركات الإنشاءات العامة من قبل اللجان التي يشكلها آمر الصرف ويتم صرف التعويضات عن ارتفاع الأسعار المحسوب من قبل اللجان، وكلّف القرار وزارة الإسكان والتعمير إعداد مشروع بلاغ يصدر عن رئاسة مجلس الوزراء يتضمن نسب الزيادات الواجب صرفها للمقاولين من القطاع الخاص المتعلقة بارتفاع أجور اليد العاملة وتكلف وزارة الإسكان بشكل دوري برصد آثار الزيادات الطارئة على المواد الأساسية الداخلية في جميع أنواع التعهدات كلما دعت الحاجة وإعداد مشروعات الصكوك اللازمة لعرضها على رئاسة مجلس الوزراء.
صدرت القرارات للتعويض الفوري للمقاولين وتقدم المتعهدون بكتب إلى المؤسسة العامة للإسكان وفقاً للقرارات والبلاغات التي قضت بالتعويض، لكن لم يتلق المتعهدون أي تعويض لأن المؤسسة اعتمدت طريقة تتنافى تماماً مع تلك القرارات والبلاغات ومع المادة 63 من نظام العقود الصادر بالقانون رقم 51 تاريخ 2004 وتعليماته التنفيذية، حيث نصت هذه المادة أن يتحمل المتعهد 15% من قيمة الزيادة والجهة العامة تتحمل باقي هذه الزيادة، كما أكدت التعليمات التنفيذية لهذا القانون على الموضوع نفسه، لكن المؤسسة العامة للإسكان اعتمدت في طريقة تعويضها بأن يتحمل المتعهد 15% من قيمة التكاليف لمجموع الأعمال التي لم تنفذ وليس 15% من زيادة الأسعار حسب نص القانون وتعليماته التنفيذية.
كما قدّم المقاولون الاجتهاد القضائي رقم 183 لعام 2005 في القضية رقم 483 والذي استقر فيه الاجتهاد القضائي والإداري على أن زيادة أسعار المواد المحصورة بجهات القطاع العام غير خاضعة للنسبة التي يتحملها المتعهد سواء كان من القطاع العام أو الخاص والذي يحق له تقاضي كامل هذه الزيادة، وبالتالي وبحسب بلاغ رئاسة مجلس الوزراء رقم 21 لعام 2002 والذي نص (ان الآراء التي تصدر عن الجمعية العمومية للقسم الاستشاري لمجلس الدولة تتمتع بالأحكام القطعية من حجة قانونية ملزمة) ويحق للمقاولين تقاضي كامل الزيادة التي نجمت عن رفع سعر المازوت المحصور في الدولة.
وتقدم المقاولون بشكاوى لعدة جهات رسمية عن هذا الموضوع لكن الأجوبة للمؤسسة العامة للإسكان ووزارة المالية جاءت بأن الطريقة التي اعتمدتها المؤسسة هي الأفضل لأنها توفر على الدولة والخزينة أموالاً كثيرة، علماً أنها تدفع للقطاع العام بالمشروعات نفسها التي ينفذها المقاولون التعويضات الناجمة عن الزيادات في تكاليف المشروعات، كما قامت مؤسسات أخرى بتعويض المقاولين عن هذه الزيادات وفقاً للمادة 63 من القانون 51 لعام 2004 والتعليمات التنفيذية.
أكد المقاولون رغم هذه الصعوبات أنهم لم يتوقفوا عن متابعة العمل في المشروعات التي أوكلت إليهم رغم الخسائر الفادحة والصعوبات جراء نفاذ السيولة المالية التي لا تستطيع أي مؤسسة عامة أو شركة إنشائية تحملها، حيث قاموا ببيع ورهن معظم ما يملكونه وأخذوا القروض حتى استطاعوا أن يصلوا ببعض المشروعات إلى نسبة تنفيذ 70%، والآن وصلوا إلى مرحلة أصبحوا فيها عاجزين عن متابعة العمل بالوتيرة نفسها ما يرتب عليهم غرامات ويؤخر تسليم المشروعات للمواطنين، وأصبحوا عاجزين عن سداد الديون والمستحقات للتجار والعمال والبنوك، علماً أنهم قدموا هذا الشرح لوزارة الإسكان أكثر من مرة والتي كانت تحولهم إلى وزارة المالية (رغم وضوح القانون) والتي بدورها كانت تكرر رأي مؤسسة الإسكان.
قد تبدو المشكلة للوهلة الأولى فردية إلا أنها في واقع الحال أكبر بكثير فقطاع المقاولات يشغل في مجمله من مهن وحرف تضم ملايين الأسر والشكوى لا تقتصر على عدد محدد وإنما تشمل عدداً كبيراً من المقاولين الذين التزموا بعقود عمل مع الدولة لإنجاز مشروعات سكنية وغيرها وهذه العقبات التي اعترضتهم جرّاء ارتفاع أسعار المازوت وأسعار مواد البناء رتبت عليهم أقل تقدير التأخر في تسليم المساكن الشبابية المتعاقد عليها أضف إلى ذلك الخسائر التي تكبدوها والتي ستنعكس في نهاية المطاف ليس عليهم وحدهم كأفراد وإنما على قطاع عمالي وشريحة واسعة تعمل في هذه الشركات المتعثرة في عملها جرّاء تفسير القوانين بوجهات نظر مختلفة ووفق أمزجة الجهات العامة ومن يديرونها.
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد